بعد عودة السفير السعودي إلى بيروت، يتسائل البعض عن طبيعة أهداف السعودية التي تسعى إلى تحقيقها بهذه العودة قبل الانتخابات اللبنانية.
فقد قالت مصادر دبلوماسية عربية لـ "عربي بوست" إن السفير السعودي في لبنان وليد البخاري يتحضر للقيام بجولات على مناطق سُنية مختلفة، مثل طرابلس والبقاع، لتحفيز الناس على المشاركة في العملية الانتخابية.
يأتي هذا في ظل قناعة سعودية ترسخت مؤخراً بأن العمل على إدارة العملية الانتخابية والواقع السياسي، سيحدثان تغييرًا كبيرًا في نتائج الانتخابات، في ظل الحديث الدائر بشكل يومي عن اكتساح محتمل لحزب الله لمقاعد المجلس النيابي.
وتشير المصادر نفسها إلى أن نشاط حزب الله في المناطق السنية بعد انكفاء تيار المستقبل برئاسة سعد الحريري، فتح الباب على مصراعيه للحزب لتفعيل حضوره في مناطق عكار وطرابلس.
هذا النشاط يستدعي نشاطاً مضاداً للسعودية وحلفائها خوفاً من سقوط المقاعد السنية في يد حزب الله.
وتشير المصادر إلى أن لدى الجانب السعودي خطة واضحة، لكن ملامحها لم تظهر بعد، وقد تتضح فصولها في الأيام القليلة المقبلة.. "عربي بوست" يكشف بعض ملامح هذه الخطة.
أهداف السعودية وتحولات ما بعد العودة
أشار المصدر إلى أن العودة السعودية إلى المشهد اللبناني قبل أسابيع قليلة من الانتخابات النيابية المزمع إجراؤها في 15 مايو/أيار المقبل، يمكن أن تغير الوضع، في ظل الحديث عن رغبة الرياض التأثير على الانتخابات من خلال دعم حلفائها على المستويين السياسي والمالي.
وتشير المصادر إلى أن السعوديون أبدوا استعدادهم لدفع مبلغ مالي لدعم حلفائهم في المعركة التي تعتبر مصيرية للوجود السياسي لحلفاء السعودية.
ويؤكد المصدر أن السفير السعودي بدأ لقاءاته مع قيادات لبنانية في الأيام الأخيرة للتحضير للمعركة الانتخابية، ولا سيما أنه أجرى لقاءً مطولاً مع رئيس الوزراء الأسبق فؤاد السنيورة منذ أيام حول هذا الموضوع.
انتشرت صور الإفطار الذي دعا إليه العديد من السفراء الغربيين وحلفائه على الساحة المحلية، مساء الإثنين 18 أبريل/نيسان، بمقر إقامته في اليرزة. وكان من بين الحاضرين بشكل خاص، سفيرا فرنسا والولايات المتحدة في لبنان.
وفي الإطار نفسه، تشير المصادر إلى أن البخاري أجرى لقاءً مع رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع حول الاستراتيجية الانتخابية ومساعي القوات للحصول على الأغلبية البرلمانية المسيحية في ظل التراجع الكبير للتيار الوطني الحر ومساعي حزب الله لإنقاذ حليفه المسيحي.
أسباب العودة
يشير المصدر الدبلوماسي العربي إلى أن عودة السعوديين إلى لبنان مرتبطة بمجموعة من العوامل، منها الضغط الذي مارسته باريس على الرياض لإعادتها للمشاركة في اللعبة السياسية اللبنانية، خاصة عقب الاجتماع بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في جدة في ديسمبر/كانون الأول الماضي، حيث استطاع ماكرون ترتيب مكالمة بين بن سلمان وميقاتي.
إضافة إلى ذلك استطاعت فرنسا إقناع السعودية بافتتاح صندوق مشترك لتقديم مساعدات إنسانية للبنان بالنظر إلى حقيقة أن الانهيار الكامل سيشكل مشاكل أمنية حقيقية ويخلق أزمات كبيرة.
ستقدم المملكة العربية السعودية المساعدة للجيش اللبناني وقوات الأمن، حيث سيطبقان "آلية تعاون غير مسبوقة لتمويل المشاريع الإنسانية، لاسيما في مجال الصحة والأمن الغذائي".
أما العامل الثاني- وفقاً للمصدر- فيرتبط بإمكانية توصل الولايات المتحدة وإيران إلى اتفاق نووي في فيينا، خاصة بعد توتر العلاقات بين الرياض وواشنطن منذ وصول جو بايدن إلى السلطة، الذي يرفض التحدث إلى محمد بن سلمان، وصولاً إلى الغزو الروسي لأوكرانيا، التي تنأى المملكة بنفسها عنها.
ويشير المصدر إلى أن الرياض تود إثبات وجودها في اليمن وسوريا والعراق ولبنان، موضحاً أن هذا ليس تغييراً في الموقف بل إعادة تأكيد لضرورة امتثال لبنان لقرارات جامعة الدول العربية والقرارات الدولية، على حد تعبيره.
بالمقابل تتجاوز الحسابات السعودية مسألة الانتخابات التي- بحسب السعودية وحلفائها- يجب أن تؤدي إلى توازنات سياسية جديدة، إلى أن تأتي لحظة التفاوض.
ووفقاً للمصدر الدبلوماسي العربي، فإن الجميع في لبنان بات يدرك أن مرحلة ما بعد الانتخابات قد تنتج نظام سياسي جديد تكون الغلبة للفائز بأكثرية الثلثين، لذا فإن العودة السعودية مرتبطة بقرار السعودية بالحفاظ على النظام القائم وفق اتفاق الطائف، وهذا يفسر سبب محاولة حزب الله رداً على عودة السعودية توحيد صفوف حلفاءه لتكريس حصوله على الأغلبية.
بالمقابل، يؤكد المصدر أن المساعي الفرنسية والأوروبية لإعادة السعودية للمشهد اللبناني انطلقت من عنوان رئيسي قاله الغرب لدول الخليج: إن العقوبات والمقاطعة لن تغيّر شيئاً على الصعيد السياسي في المدى المنظور، وإنّ لديكم دوراً تاريخياً في لبنان الذي هو بحاجة إليكم، وهناك طائفة سنّية كبيرة فيه، وتوجد روابط صداقة عريقة تجمعكم بالشعب اللبناني، وكثيرون من اللبنانيين يعملون في الخليج لذا لا يمكنكم ضرب التوازن لصالح إيران وحزب الله.
تدعيم جعجع
بالمقابل، يعتقد المحلل السياسي والكاتب حسين أيوب أن السعودية لا قرار عندها حتى الآن في كيفية التعامل مع الانتخابات أبعد من دعم حليفها الرئيسي سمير جعجع.
وأضاف أن تجربة صرف مليارات الدولارات ونيل أكثرية البرلمان في العامين 2005 و2009 كان مردودها صفرياً بالنسبة للمملكة سياسياً.
لذلك، يعتقد أيوب أن التكتيك السعودي ينطلق من قاعدة رئيسية: أنه يمكنك أن تصرف عشرات ملايين الدولارات وتصل إلى نتيجة مختلفة، وحتماً أكثر توفيراً وأفضل وأضمن، وبهذا المعنى، لا ترتبط ما تسمى "العودة السعودية"، وفق أيوب، بملف الانتخابات.
ويعتبر أيوب أن جعجع سيستفيد من هذه الاستراتيجية، خاصة أن الهدف الأول للسعودية – وفقاً لأيوب – إنتاج كتلة نيابية لحزب القوات اللبنانية تتفوق على كتلة التيار الوطني الحر برئاسة جبران باسيل ولو بمقعد واحد.
وبحسب أيوب فإنه إذا أمكن إعادة النهوض بالشارع السني بعد قرار الحريري بالمقاطعة، فإنه يُمكن ضرب عصفورين بحجر واحد. أولاً، إظهار قبضة الحريري بأنها باتت رخوة في شارعه بدليل مشاركة أنصاره بنسبة قد تتراوح بين 25% و30% في الانتخابات، وهذا المسار يفضي إلى جعل الرئيس فؤاد السنيورة وفق أيوب "ممثل الإستنهاض السني" في مشروع التسوية السياسية المستقبلية حول شكل النظام والصيغة اللبنانية.
وثانياً، تجيير أكبر قدر ممكن من أصوات المسلمين السنة لمصلحة مرشحي حزب القوات اللبنانية، ربطاً بالاستحقاق الأبرز غداة الانتخابات أي انتخابات رئاسة الجمهورية.
حزب الله والعودة السعودية
بالمقابل تشير أوساط حزب الله إلى أن الحزب لا يعتبر العودة الدبلوماسية السعودية إلى لبنان تشكل عنصر تغيير أو تأثير كبير على المسار السياسي والانتخابي، بل يعتبرها مرتبطة بالعودة عن قرار خليجي بالانسحاب وبتنسيق فرنسي- سعودي لا أكثر.
لذا ينظر حزب الله إلى حركة السفير السعودي وليد البخاري، من جولات ولقاءات وإفطارات ومحاولات استنهاض الناخبين، على أنها شكلية وفلكلورية، وبلا مردود سياسي.
وتشير أوساط الحزب إلى أن الحزب لم يرَ أي مشروع سياسي أتت به السعودية إلى لبنان ولا مسار واضح لهذه العودة، ويعتقد حزب الله وفقاً لأوساطه أنه لا يرى بهذه العودة أنها انخراط حقيقي في الحياة السياسية ومجريات التأثير بها.
فالحزب يعتقد وفقاً للمعطيات المتوفرة لديه أن لا استعداد سعودي لدفع دولار واحد في الانتخابات. والعودة السعودية جاءت متأخرة أصلاً حيث أتت عقب انتهاء الترشيحات وتسليم اللوائح الانتخابية.