اعتبرت رئيسة الحزب الدستوري الحرّ عبير موسى في حوار مع عربي بوست أن الرئيس قيس سعيد يستهدف حزبها لعلمه أنها مُنافسة جديّة له في الانتخابات الرئاسية.
كما أكدت مرشّحة الحزب الدستوري للانتخابات الرئاسية المقبلة أنها ترفض قطعيّاً تغيير قيس سعيد للنظام الانتخابي نحو الاقتراع على الأفراد، مُعتبرة، تلك الخطوة محاولة من سعيد لوضع نظام انتخابي على مقاسه وقطع الطريق أمام حزبها في سياق سعيه لفرض هيمنة على المجتمع شبيهة بالهيمنة في دولة الخلافة.
وفي 15 مايو/أيار المقبل ستنظم عبير موسى مسيرة، أكدت أنها ستكون ضخمة وسمتها مسيرة "الزحف نحو قرطاج" للتأكيد على رفض جزء كبير من الشعب التونسي لما ينوي الرئيس سعيد القيام به وتفنيد مزاعمه بأن كل الشعب في صفّه كما يوهم الجميع، وفق ما أفادت به رئيسة الحزب الدستوري الحرّ في حوارها مع "عربي بوست".
مسار 25 يوليو/تموز بُني أو انطلق على قاعدة وعد المُحاسبة ومقاومة الفساد، في تقديركم هل ذهب الرئيس قيس سعيّد فعلاً في ذلك؟
اليوم نُشاهد تفشي وانتشار الفساد بمستوى لا يقلّ عن الفترة التي سبقت استيلاء قيس سعيد عن كل السلطات، والفساد السياسي واضح للعيان اليوم، من مقرات أحزاب دون أي نشاط سياسي فعلي أو قيادة سياسية.
أيضاً هناك منظمات وجمعيات تنشط تحت غطاء العمل الجمعوي الذي يستوجب الاستقلالية، في حين أنها مُرتبطة بأحزاب سياسية وتيارات معيّنة، تصبّ أنشطتها الجمعيّاتية في صالح تلك الأحزاب والتيارات بالاعتماد على تمويلات أجنبية أو مجهولة المصدر.
كما رأينا أعلن بعض مسيّري العمل الجمعوي نيّته الترشّح للانتخابات، في مخالفة واضحة للقانون الذي يمنع تمويل العمل السياسي والأحزاب من الخارج، لكنهم يتستّرون بالنشاط في المجتمع المدني في إطار جمعيّات بالاعتماد على تمويل ومن ثمّ يكشفون عن نيّتهم الحقيقيّة ويتحوّلون إلى أحزاب ومترشّحين للانتخابات.
كما أننا لم نرَ أي ملفّات فساد جديّة فُتحت، أو حملة جدية على الفساد أو على من أجرم في حقّ البلاد والتونسيّين، كما قال وكرّر الحاكم بأمره (في إشارة إلى قيس سعيد).
فمثلاً لا يزال رجل الأعمال المقرب من حركة النهضة محمد فريخة ينشط بكل حريّة، بل تمضي معه وزارة الدفاع اتفاقيّات رغم ما قيل من طرف اللجنة البرلمانية للكشف عن ملفات تسفير الشباب التونسي إلى بؤر التوتّر (في إشارة إلى سوريا أساساً)، والأدلة التي قدّمتها حول ضلوع شركته للطيران في تسفير الشباب التونسي إلى بؤر التوتّر.
في الخلاصة لم نرَ حرباً ضدّ الفساد، بل رأينا تغيير وجهة الفساد من الحاكمين السابقين إلى الماسكين اليوم بدواليب السلطة ومن أصبح لهم نفوذ بعد 25 يوليو/تموز 2021.
ففي السابق كان سعيد يتعلّل بعدم تحوّزه على الصلاحيات الكفيلة بمحاربة الفساد، لكن اليوم لا حُجج له، فهو من يملك السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية ورغم ذلك لم نرَ أي حرب على الفساد بصفة خاصة، ولم نرَ أي تقدّم في أي مجال بصفة عامّة، إذ تعمّقت الأزمة أكثر وانحدر البلاد نحو الهاوية.
ما رأيكم في حلّ البرلمان، خاصة أنكم طالبتم باتخاذ تلك الخطوة مُنذ 25 يوليو/تموز 2021؟
قيس سعيد لا يزال يدير الدولة وفق الفصل 80 من الدستور، في حين أنه يجب عليه الاستناد إلى الفصل 70 من الدستور الذي ينصّ على أنه "في حالة حل مجلس نواب الشعب، يمكن لرئيس الجمهورية إصدار مراسيم بالتوافق مع رئيس الحكومة تعرض على مصادقة المجلس في الدورة العادية التالية".
فمواصلة سعيد الاستناد على الفصل 80 يعني آليّاً عدم حلّ البرلمان وعدم قانونية الأمر الذي أصدره لحلّ البرلمان، ويُعطي لراشد الغنوشي الإمكانية لعدم الاعتراف بحل البرلمان والتمسّك بصفته كرئيسه والتكلّم باسمه.
فاليوم إذا أردنا طيّ صفحة البرلمان نهائيّاً وقطع الطريق أمام الغنوشي والنواب الذين لا يزالون يتحدّثون عن عقد جلسات برلمانية أخرى وتنفيذ أجندة تنازع الشرعيّات، لا بدّ من الخروج من الفصل 80 وإلغاء الأمر 117 والإعلان عن المرور للفصل 70 الذي يتحدّث دون سواه عن حلّ البرلمان.
وبالتالي فقيس سعيد هو من يتحمّل المسؤولية كاملة في حال عقد الغنوشي جلسة برلمانية أخرى، وواصل التحرّك دوليّاً بصفته رئيس البرلمان وحصل على اعتراف ودعم دولي.
فكما حذّرنا منذ 25 يوليو/تموز وطالبنا بحلّ البرلمان تجنّباً لاستغلال الغنوشي لصفته أو قيامه بتحرّك يُربك الدولة ولم يُصغِ لنا، وفي النهاية صحّ تحذيرنا وذهب سعيد في مطلبنا بحلّ البرلمان.
اليوم نحذره مرة أخرى من البقاء تحت غطاء الفصل 80 الذي ينصّ على أن البرلمان يبقى في حالة انعقاد دائم خلال فترة الإجراءات الاستثنائية.
حزبكم مُرشّح أن يكون الفائز في الانتخابات التشريعية المقبلة، هل تعتقدون أن تغيير طريقة الاقتراع نحو الاقتراع على الأفراد وفي دورتين سيمسّ من حظوظ الدستوري الحرّ ؟
أنا لا أخوض في الأصل في مضمون نظام الاقتراع وانعكاساته، ففي حال ناقشت تغيير نظام الاقتراع إلى نظام الاقتراع على الأفراد، سأكون قد وافقت وصادقت على المسار، على أن هناك إسقاطاً لمنظومة سياسية أو انتخابية كاملة من طرف شخص واحد.
الأمر واضح، فلم يزَل يفصلنا 37 يوماً تقريباً على 25 مايو/أيار 2022، الأجل الأقصى قانونياً لنشر الأمر المتعلق بدعوة الناخبين في الجريدة الرسمية مصحوباً بالنص الذي سيُطرح على الاستفتاء.
ورغم أنه لا يزال أقل من شهر ونصف فهم لا يزالون في التخبط والنقاش حول الحوار الوطني والمشاركين فيه وفحواه، مما يدلّ على أنّ قيس سعيّد أعدّ القوانين وكل المضامين وهي جاهزة وسيفرضها.
قيس سعيّد يريد أن يتستّر بما يسميه الحوار الوطني، وهو لا يفتأ يؤكّد للبعثات والوفود الأجنبية التي يلتقيها أن الحوار الوطني قد انطلق رغم أنهم ردوا عليه في العديد من المرات بأن الحوار لم ينطلق.
نحن ضد إسقاط النصوص وضد تغيير المنظومة السياسية والانتخابية من طرف شخص واحد وبطريقة فردية، وضد تغيير المنظومة الانتخابية ليلة الانتخابات لأنه من غير المعقول والمقبول تغيير قواعد اللعبة وقت المباراة.
وأيضاً نحن ضد تفكيك الدولة وتغيير النموذج المجتمعي والنموذج السياسي البورقيبي ودولة القانون والمؤسسات، وقد وجهنا مُراسلة للجنة البندقية للتحكيم في مسألة تغيير القانون والنظام الانتخابي قبل هذه الفترة من الانتخابات، خاصة أنها مصدر المعايير الفُضلى المتعارف عليها دوليّاً وتعتمدها الدول الديمقراطية.
يبدو أنكم تحاولون وتطالبون بمنع تمويل الاستفتاء الذي سينظمه الرئيس سعيّد في 25 يوليو/تموز 2022 المقبل من المال العام أو الخزينة العامة؟
نعم هذا صحيح، نحن وجهنا محضر تنبيه عبر عدل تنفيذ لرئيسة الحكومة للامتناع عن صرف أي مليم من المال العام بناءً على مراسيم أو قرارات تصدر استناداً على الفصل 80 من الدستور الذي بنا عليه قيس سعيد إجراءاته الاستثنائية أو الأمر 117 الذي استند بدوره إلى الفصل 80 من الدستور.
كما طلبنا عدم صرف أي أموال على مسار انتخابي مزوّر أو مبني على نصوص قانونيّة مخالفة لكل التشريعات والمسار الانتخابي النزيه المُتعارف عليه دوليّاً.
كما طالبنا من رئيسة الحكومة، من خلال محضر التنبيه الذي وجهناه لها، توجيه تعليمات لكل الوزراء والمسؤولين في الدولة لعدم توريط تونس والخزينة العامة في أي نفقات أو اتفاقيات ومعاهدات تُلزم الدولة بناءً على مراسيم وأوامر غير قانونية وعلى مسار غير قانوني لإدارة الدولة.
ولكن رئاسة الحكومة رفضت تسلّم المحضر في حين تسلّمته وزارة المالية، وبالتالي وصلت الرسالة والمطلب.
وفق عديد من المؤشرات اليوم، يبدو أن قيس سعيّد سيذهب في تنفيذ مشروعه السياسي المعروف باسم البناء القاعدي، كيف ستواجهون ذلك؟
خضنا تحركات طيلة الفترة الماضية، والتي كان آخرها الوقفة الاحتجاجية أمام الهيئة العليا المستقلّة للانتخابات لمطالبتها بالتزام الحياد، وعدم التورّط مع قيس سعيد في مشروعه وسعيه لتغيير قواعد العملية الانتخابية لتصبح على مقاسه ومقاس مشروعه، خاصة عبر تغيير القانون الانتخابي بصيغة وتوقيت مُخالف للمعايير الدولية المُتعارف عليها ومعايير لجنة البندقيّة.
أيضاً سننُظم "قافلة التنوير 2" التي ستجوب كامل البلاد للاتصال المباشر مع المواطنين وتكوينهم سياسيّاً واقتصاديّاً حتى لا يكونوا لقمة سائغة لبائعي الأوهام من السياسيين، وهدفاً سهلاً للدمغجة والتضليل والتشدّد.
بعدها سننظم مسيرة ضخمة نحو قصر قرطاج يوم 15 مايو/أيار 2022، وأطلقنا عليها تسمية "الزحف نحو قصر قرطاج"، وستكون مسيرة سلمية يُشارك فيها التونسيون من كل جهة ومنطقة في البلاد، وسنُعبّر من خلالها عن مواقف ثابتة وصارمة من الشعب التونسي.
سنقوم بذلك ليعلم الرأي العام الوطني والدولي أنه ليست هناك موافقة ولا إجماع ولا مصادقة ولا مساندة لما يقوم به قيس سعيد، على عكس ما يريد أن يُوهم به الرأي العام الوطني والدولي أو "الشعب يريد" كما يقول ويوهم به الجميع.
مسيرة "الزحف"، والمقصود باللفظ هو الهبة الشعبية، للقول بأعلى صوت "لا" لما ينوي قيس سعيد القيام به، وتأكيد الموقف الرافض قطعيّاً لما يرمي سعيد القيام به من تغييرات غير قانونية واستيلاء واختطاف للدولة التونسية.
دأبتم على توجيه الاتهام لقيس سعيّد باستهداف "الدستوري الحرّ" بالذات بصيغ مُختلفة، هل يعود ذلك في تقديركم لإعلانكم ترشّحكم للانتخابات الرئاسية المُقبلة بما يعني أنك منافسته؟
الأكيد أنه يعلم أن الحزب الدستوري الحرّ من يتصدّر المشهد السياسي، وليس بناءً على نتائج سبر الآراء، بل بناءً على نبض الشارع وهيكلته الصلبة الموجودة في كامل البلاد ونشاطه على الميدان الذي يكاد لا يتوقّف مهما كانت الظروف والتوقيت والسياق.
كما أنه يعلم أن حزبنا مُنافس جدي ومرشّح أن يحصل على أغلبية الأصوات في الانتخابات المقبلة، مما جعله يسعى لتغيير نظام الاقتراع نحو نظام اقتراع على مقاسه، ويقطع الطريق أمام الحزب الدستوري الحرّ.
كما أن قيس سعيد يعلم ويعي جيّداً أنني مُنافسة جديّة في الانتخابات الرئاسية المقبلة، وهو يريد أن يستأثر لنفسه بكلّ السلطات والمحطات السياسية والانتخابية المقبلة، ويريد أن يفرض هيمنة داخل المجتمع ترتقي إلى دولة الخلافة.
تتحدّثون وتُطالبون منذ 25 يوليو/ تموز بما تسمونه تنقية المُناخ الانتخابي، ما المقصود؟
تنقية المُناخ الانتخابي ضرورة مهما كان الوضع القانوني في البلاد، وبتنقية المُناخ الانتخابي يُمكن أن نأمل في نتائج انتخابات مُغايرة لما هو موجود ولما كان عليه طيلة المحطات الانتخابية السابقة.
وهذه التنقية تشمل في جانب منها وسائل الإعلام المطلوب منها طرح القضايا الحقيقية والجوهرية بعُمق أكثر، وتجنّب أن تتحوّل عدة منابر إلى تصفية حسابات مع طرف سياسي مُعيّن، تحت ضغط التعليمات لتقزيمه وتعويمه ونشر أخبار غير صحيحة بخصوصه.
ويجب أن تُعامل كل الأطراف على قدم المساواة من طرف وسائل الإعلام وتمكينها من نفس الحيّز والظهور الإعلامي لتطبيق مبدأ تكافؤ الفرص، كما تنصّ على ذلك المواثيق الصحفية وما هو معمول به في الدول الديمقراطية.
سبر الآراء كذلك، اليوم يمثل ذراعاً أساسية للفساد السياسي، وقد ساهم خلال هذه الفترة في مزيد من تعكير وتوتير الأوضاع عبر محاولة تصدير الحزب الشبح (في إشارة إلى حزب قيس سعيد غير الموجود والذي تعتمده مؤسسات سبر الآراء وتضعه في قائمة خيارات المسُتجوبين في عمليات سبر الآراء)، ووضع شخصيات وجهات وأحزاب في قائمة الخيارات يعلم الجميع أنه لا نشاط فعلياً لها في الساحة السياسية أو حتى وزن، وهذا لا يجب أن يتواصل.
تنقية المُناخ الانتخابي تمرّ كذلك في جانب كبير منها عبر هيئة الانتخابات، فمن الواضح أن هناك ضغوطاً دولية تُسلّط على قيس سعيد اليوم لعدم التخلي عن هيئة الانتخابات وحلّها، نظراً لأنه كان في مُخطّطاته حلّها، وهو ما جعله اليوم يسعى للتوفيق بين تلك الضغوط ورغباته ومشاريعه الشخصية.
وسيُبقي سعيّد على هيئة الانتخابات ظاهريّاً لكنه سيغيّر تركيبتها مما سيجعلها مُرتبطة بالسلطة التنفيذية ويحوّل هيئة الانتخابات إلى هيئة قيس سعيد بعد أن كانت بعلم الجميع هيئة التوافقات وحركة النهضة.
والأهم في تنقية المناخ الانتخابي من كل ذلك، هو المال السياسي الفاسد وخاصة التمويل الأجنبي للجمعيات الذي يدخل عبرها ليمرّ إلى الأحزاب السياسية لتمويل حملاتها الانتخابية.
ومن جانب آخر هناك العديد من الجمعيات التي قامت باستقطاب الناخبين تحت غطاء العمل الخيري والتبرّعات، وفي اللحظات الأخيرة تتحول إلى حزب سياسي يُشارك في الانتخابات كما كان الحال مع حزب قلب تونس ورئيسه نبيل القروي، ونحن قدمنا شكايات بالخصوص ورفعنا العديد من القضايا لكن الدولة لا تريد القطع مع المال السياسي الفاسد ومنعه.
وبطبيعة الحال لا ننسى الأُخطبوط الجمعياتي الذي يعمل لصالح حركة النهضة والذي يتلقى تمويلات أجنبية وتقوم بالدمغجة ونشر الفكر الظلامي وتوزيع الإعانات بالاعتماد على قوائم الناخبين الذين تُحوّل أصواتهم وتوُجّه خلال الانتخابات إلى حركة النهضة.
فمهما تم تغيير النظام الانتخابي ستكون أصوات هؤلاء مضمونة وتمثّل خزاناً انتخابياً ثابتاً لحركة النهضة.. هذا كله ترفض الدولة الخوض فيه لتنقية المُناخ الانتخابي، مما يطرح العديد من نقاط الاستفهام.