أصدر وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس تعليمات لقوات الجيش بفرض حصار جنين بطريقة مشددة، وذلك من خلال إغلاق المعابر والمنافذ التجارية، وتلك المخصصة للأفراد، في مشهد يحاكي ما يتعرض له قطاع غزة من حصار إسرائيلي منذ ما يزيد عن عقد ونصف.
وبدأ الجيش الإسرائيلي بفرض طوق أمني مشدد على المدينة عبر إغلاق معبري الجلمة والريحان اللذين يربطان المدينة بالخط الأخضر، كما منعت حركة التنقل بالدخول أو الخروج من وإلى المدينة سواء أكان مشياً على الأقدام أو من خلال المركبات، وفرض الجيش حظراً على دخول التجار الفلسطينيين من حملة بطاقات BMC إلى داخل الخط الأخضر.
بالإضافة لذلك مُنع سكان المدينة دون استثناء من الذهاب لمدينة القدس أو الصلاة في المسجد الأقصى طيلة شهر رمضان، كما فُرض حظر على تنقل العائلات والأفراد المتزوجين من عائلات داخل الخط الأخضر.
وأفاد شهود عيان من المدينة لـ"عربي بوست" بأن "قوات الجيش قامت بنصب كمائن وحواجز متنقلة على المداخل الجنوبية بين محافظتي جنين ونابلس، كما قامت بإغلاق كل الفتحات في الجدار الفاصل بمكعبات أسمنتية، كما انتشرت قوات الجيش على طول الشريط الفاصل مع المستوطنات والخط الأخضر، وتقوم هذه القوات بدوريات ليلية لفرض حظر للتجوال على مستوى المركبات بعد الساعة العاشرة مساء، وتقوم بإطلاق النار على كل جسم متحرك يقترب من الحدود أو السياج الفاصل".
حصار جنين.. انتقام إسرائيلي واضح
تأتي هذه القرارات بعد أن أوعز رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت بفحص ضلوع البيئة القريبة المحيطة بمنفذَي العمليات الأخيرة وهما ضياء حمارشة وحازم رعد، والعمل على معرفة وتحديد كل من ساعدهما بشكل أو بآخر أو كان على علم بنواياهما في تنفيذ عمليتي بني براك وديزنغوف اللتين أوقعتا 7 قتلى إسرائيليين وسط مدينة تل أبيب.
وأفادت صحيفة "يديعوت أحرونوت" بأن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية تعمل على عزل مدينة جنين عن باقي المناطق الفلسطينية لمنع امتداد موجات العنف لمناطق أخرى، نظراً لما تمثله المدينة من رمزية بالنسبة للعمل المقاوم.
ووصف محافظ المدينة اللواء أكرم الرجوب القرارات الأخيرة التي أقرها غانتس بسياسة "العقاب الجماعي"؛ لأن ذلك من شأنه أن يكون له تداعيات خطيرة على المستوى الاقتصادي والأمني والاجتماعي، وتابع: "عندما نتحدث عن منع التجار الفلسطينيين وأبناء شعبنا من داخل أراضي الـ48 من دخول جنين ومنع العمال من الوصول لأماكن عملهم، كأنك تقول بشكل واضح أنا أمارس سياسة إرهاب الدولة تجاه كل مواطني جنين".
ماذا يعني حصار جنين؟
تقع مدينة جنين أقصى شمال الضفة الغربية، وتعد من كبرى المحافظات الفلسطينية إذ تبلغ مساحتها 583 كيلومتراً مربعاً، فيما يُقدر عدد سكانها بنحو 40 ألف نسمة.
وتعتبر المحافظة بمثابة مركز تجاري هام بالنسبة لمناطق المثلث، إذ يعتمد اقتصاد المدينة على عمليات البيع والشراء التي يقوم المواطنون الفلسطينيون من داخل الخط الأخضر، والذين يقصدون المدينة لشراء مستلزماتهم المعيشية من المراكز التجارية في المدينة بسبب انخفاض أسعارها مقارنة بالأسعار الموجودة في السوق الإسرائيلي.
وقد أدى هذا الترابط الاقتصادي مع مرور الوقت إلى تطور العلاقة لمستوى اجتماعي، فالعديد من الفلسطينيين سواء من مدينة جنين أو مناطق المثلث تزوجوا من بعضهم البعض، وباتت تربطهم علاقات أسرية وعشائرية، بسبب سهولة الحركة والتنقل وقلة انتشار الجيش في المناطق الحدودية.
علاوة على ذلك، فإن قرار الجيش بفرض حصار على المدينة قد يؤدي لأزمات اقتصادية، نظراً لوجود أكثر من 5 آلاف عامل من مدينة جنين يعملون داخل الخط الأخضر، وبالنظر للإجراءات الإسرائيلية الأخيرة فقد بات هؤلاء العمال في دائرة الخطر من إمكانية فقدان تصاريحهم وحتى حقوقهم العمالية في حال استمر حصار المدينة لفترة أطول.
وأفاد رجل الأعمال منتصر موسى، مدير شركة رمسيس للسياحة والسفر، في حديث لـ"عربي بوست"، بأن "قرار الجيش بحصار المدينة أدى إلى توقف الشركة عن العمل، إذ إن الجزء الأكبر من عمل الشركة يتمثل في نقل المواطنين من مركز المدينة إلى مدن القدس ورام الله وبيت لحم والخليل، وصدور القرار في هذا التوقيت من شهر رمضان سيحرم الشركة من عشرات الرحلات اليومية لزيارة المسجد الأقصى أو التسوق من مناطق كنابلس ورام الله".
أمام هذا الواقع الجديد الذي تتعرض له المدينة، خرجت دعوات من نشطاء واقتصاديين فلسطينيين لتخصيص يوم تسوق في الأسبوع، مخصص لمدينة جنين، لتعويض العجز المتوقع من السيولة التي كان يوفرها فلسطينيو الداخل من عمليات التسوق داخل جنين، والذين لم يعد بمقدورهم دخول مدينة جنين بسبب القرارات الأخيرة الصادرة عن الجيش.
نصر عبد الكريم، أستاذ الاقتصاد في الجامعة العربية الأمريكية في جنين، قال لـ"عربي بوست" إن "هذه الدعوات مهمة لإنقاذ المدينة من خطر الانهيار أو الدخول في دوامة من الركود الاقتصادي، ولكن مدى نجاحها يتوقف على الإجراءات الإسرائيلية بالسماح لسكان الضفة الغربية بزيارة المدينة والتسوق منها، وهو ما يعني عملياً كسر الحصار عن المدينة، وخطوة كهذه ستخضع لتقييم أمني لدى إسرائيل قبل إقرارها".
وأضاف: "تضم محافظة جنين أكثر من 8 آلاف منشأة تجارية، ويمر أسبوعياً نحو 25 ألف مواطن من فلسطينيي مناطق المثلث للتسوق من المدينة، تقدر مشترياتهم الأسبوعية من المدينة ما بين 5 و7 ملايين شيكل (1.5-2 مليون دولار)، وبالنظر لفروقات الدخل بين الفلسطينيين في الضفة الغربية وإسرائيل، فإنه لا يمكن تعويض كامل قيمة المشتريات، ولكنها ستساهم في تخفيف آثار القرار الإسرائيلي".