خلُص تقرير حقوقي حديث إلى أن السلطات المصرية استخدمت "العنف الجنسي الممنهج" أثناء عملية الاحتجاز كوسيلة للتعذيب ومعاقبتهم وإخضاعهم لسيطرة السلطة، ولانتزاع "الاعترافات"، وبث الخوف في نفوسهم، طبقاً لما نشره موقع Middle East Eye البريطاني، الجمعة 8 أبريل/نيسان 2022.
حيث وثق التقرير، الصادر عن الجبهة المصرية لحقوق الإنسان ومبادرة الحرية (منظمات غير حكومية)، أكثر من 650 حالة عنف جنسي بحق المعتقلين وأقاربهم بين عامي 2015 و2022، "في انتهاك واسع النطاق لحقوق الإنسان".
تم توثيق حالات العنف الجنسي تلك من خلال "المقابلات مع الناجين/ات والمحامين/ات وأفراد الأسرة، وكذلك من خلال مراجعة وتحليل ملفات بعض القضايا، والتي قام فيها المحتجزون بإبلاغ وكلاء النيابة حول تعرضهم لوقائع عنف جنسي أثناء احتجازهم، في حين لم يُحاسب الجناة والمتورطون في هذه الانتهاكات، حتى عندما تم توثيق الانتهاكات من قبل المسؤولين الحكوميين".
"الخوف من الانتقام"
التقرير الحقوقي، الذي حمل عنوان "لا أحد آمناً من العنف الجنسي خلال الاحتجاز بمصر"، لفت إلى أن "المحتجزين يواجهون عقبات في السعي لتحقيق المساءلة أو إمكانية العلاج والتعافي؛ بسبب الخوف من انتقام سلطات الدولة، وكذلك الخوف من الوصم الاجتماعي المحيط بالاعتداء الجنسي".
فيما كانت مقرات الأمن الوطني في العباسية ولاظوغلي بمحافظة القاهرة، وأبيس بالإسكندرية مسرحاً لـ 80% من هذه الحوادث الموثقة.
كما يوضح التقرير أن هذه الانتهاكات غالباً ما تحدث في فترات الاختفاء القسري حين لا "يتمكن المحتجزون من الاتصال بمحامين أو الإبلاغ عن الانتهاكات التي تعرضوا لها أو توثيقها".
وكثيراً ما يحدث العنف الجنسي أثناء الاستجواب في مقرات الأمن الوطني، حيث يتعرض المعتقلون للاغتصاب والتحرش والصعق بالكهرباء في أعضائهم التناسلية أو التهديد بالعنف الجنسي بحقهم أو بحق أفراد عائلاتهم لانتزاع "الاعترافات".
في حين ينوّه التقرير إلى أن "هذه الاعترافات غالباً ما تستخدم كدليل ضدهم خلال المحاكمات".
معاناة لا تنتهي
بينما لا تنتهي الاعتداءات الجنسية بإطلاق سراح المعتقلين، إذ تتطلب إجراءات المراقبة في كثير من الأحيان التردد على مراكز الشرطة، ما يعرضهم لانتهاكات متجددة بما فيها من ألم يمثله التردد على مواقع تعرضهم لانتهاكات سابقة، بحسب التقرير.
من جهته، قال عمرو أحمد، مدير أبحاث في مبادرة الحرية: "منذ لحظة الضبط، لا يكون هناك ضمان لعدم التعرض للعنف الجنسي داخل أماكن الاحتجاز المصرية. إن المعتقلين، وكذلك أسرهم وأحباءهم، يتعرضون للعنف الجنسي المروع على يد سلطات الدولة".
بدوره، قال كريم طه، نائب مدير الجبهة المصرية لحقوق الإنسان، إن "الضحايا يواجهون تحديات كبيرة في التحدث عما تعرضوا له علانية، وفي ظل غياب تحقيقات مستقلة، فإن القضايا التي وثقناها يمكن القول إنها تمثل جزءاً صغيراً من إجمالي الأعداد الذين تعرضوا لاعتداءات".
كريم لفت إلى أن "العنف الجنسي على يد سلطات الدولة مُنتشر بشدة، ويعد مجرد وسيلة أخرى تستخدمها السلطات للسيطرة على أجساد وحياة أولئك الذين تعتبرهم رعاياها".
كذلك طالبت أليسون مكمانوس، مديرة الأبحاث في مبادرة الحرية، الولايات المتحدة باتخاذ موقف من هذه الانتهاكات في مصر، مؤكدة أنه يقع على عاتق المسؤولين الأمريكيين، باعتبار واشنطن شريكاً أمنياً للقاهرة، إدانة العنف الجنسي الذي يحدث في أماكن الاحتجاز المصرية وضمان ألا تُعتمد أي مشاركة لمعلومات أمنية يتم الحصول عليها من خلال التعذيب.
فيما استطردت أليسون قائلة: "علينا أن نؤكد لمن رووا قصصهم وشهاداتهم بشجاعة على الرغم من وصمة العار ومخاوف الانتقام الذي لا يمكن تصوره بأنهم لم يفعلوا ذلك بدون جدوى".
"أسوأ أزمة حقوقية"
بحسب منظمات حقوقية دولية، تشهد مصر في ظل حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي، أسوأ أزمة حقوقية منذ عقود؛ فلا يزال عشرات الآلاف من منتقدي الحكومة، ومن بينهم صحفيون ومدافعون حقوقيون، مسجونين بتهم ذات دوافع سياسية، والعديد منهم في الحجز المطول قبل المحاكمة.
كما تستخدم السلطات غالباً تهم الإرهاب ونشر أخبار كاذبة ضد النشطاء السلميين، وضايقت واعتقلت أقارب معارضين في الخارج.
في حين أدى تفشي فيروس كورونا المستجد إلى تفاقم الأوضاع المزرية بالسجون المكتظة.
غير أن القاهرة عادةً ما تنفي صحة الانتقادات الموجهة إلى سجلها الحقوقي، وتؤكد احترامها الكامل للحريات والحقوق باستمرار، معتبرةً أن بعض المنظمات الحقوقية الدولية تروِّجها في إطار "حملة أكاذيب" ضدها.
كان السيسي قد أعلن، الإثنين 25 أكتوبر/تشرين الأول، إلغاء تمديد حالة الطوارئ التي كانت سارية في البلاد منذ سنوات، مؤكداً أن بلاده أصبحت "بفضل شعبها ورجالها المخلصين، واحةً للأمن والاستقرار في المنطقة".
تجدر الإشارة إلى أنه في 14 أغسطس/آب 2013، فضَّت قوات من الجيش والشرطة اعتصامين لأنصار الرئيس الراحل محمد مرسي، في ميداني "رابعة العدوية" و"النهضة"، وفق تقارير محلية.
فيما أسفرت عملية الفض عن سقوط 632 قتيلاً، منهم 8 من رجال الشرطة، حسب "المجلس القومي لحقوق الإنسان" في مصر (حكومي)، فيما قالت منظمات حقوقية محلية ودولية (غير رسمية) إن أعداد الضحايا تجاوزت هذا العدد.