"رجال حول الملك"، "نافذون في مملكة العاهل الأردني"، "أقوى رجالات عبد الله الثاني"، كلها ألقاب متنوعة تعكس طبيعة الرجال النافذين والشخصيات السياسية المحيطة بالعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، وذلك للثقة التي منحهم إياها العاهل الأردني، مما جعلهم مقربين حوله ومؤثرين في صنع القرارات في شتى المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية، فأصبحت لهم بصمة واضحة وقبول واضح في أوساط المجتمع الأردني.
وتتوزع الفئات المقربة من العاهل الأردني على ثلاث دوائر، تتمثل الفئة الأولى بحسب رؤية المحلل والمستشار السياسي محمد الملكاوي، بفئة كبار المسؤولين من أمثال مدير مكتبه ورئيس الديوان الملكي وأمين عام الرئاسة، وهم كبار الموظفين التنفيذيين لقرارات وتوجيهات العاهل الأردني وأي شيء له علاقة به وبالديوان الملكي.
أما الفئة الثانية فتتمثل في المستشارين الذي يعينهم العاهل الأردني والذين يتمتع الكثير منهم بخبرات عالية جداً في المسائل السياسية والأمنية والحزبية وعلى المستوى الشعبي، وهؤلاء دائماً يقدمون استشارات للعاهل الأردني، والتي قد يأخذ بها أو لا يأخذ أو يقوم بتعديلها.
فيما تتمثل الفئة الثالثة في بعض الجهات الأساسية في الأردن، وترجع بحسب طبيعة الاختصاص والقضايا التي يريد العاهل الأردني الاستشارة فيها. فإذا كانت قضية أمنية-استخباراتية، فإنّ الجهات الأمنية هي من تقدم الإستشارة والنصح، فإذا كانت معنية عسكرية فالقوات المسلحة تقدم الاستشارات التي لها علاقة بالأمور العسكرية.
ومن هنا فإنّ الشخصيات المحيطة والوازنة التي يستأنس العاهل الأردني بها كثيرة وربما لا حصر لها، بل العديد منهم يتمتعون بقدر من الاحترام والحظوة، لكنّ القليل منهم من كان له تأثير على صناعة قرارات العاهل الأردني.
نستعرض في هذا التقرير تلك الدائرة الصغيرة من الشخصيات المقربة من العاهل الأردني والتي تملك الحظوة والتأثير الأكبر في صناعة القرارات على المستوى الأردني.
سمير الرفاعي.. أبرز الرجال حول الملك
يعد سمير الرفاعي الشخصية الأولى بامتياز المقربة من العاهل الأردني الملك عبد الله، نظراً للحضور التاريخي لعائلة الرفاعي على المستوى السياسي منذ تأسيس الدولة الأردنية. فالعائلة الحاكمة تثق ثقة مطلقة بعائلة الرفاعي التي يصنفها البعض على أنّها من "طبقة النبلاء في الأردن".
وعندما تتحدث عن سمير الرفاعي، فإنّك تتحدث عن الجانب السياسي وعن إدارة الكثير من الملفات السياسية في الدولة.
والده زيد الرفاعي هو من أكسب سمير هذه الحظوة والثقة لدى الملك، باعتبار أنّ له يداً طولى في تنصيب العاهل الأردني عبد الله الثاني ملكاً على الأردن، وإقناع الملك الراحل الحسين بن طلال بتحييد شقيقه الأمير حسن. الأمر الذي أكسب زيد الرفاعي وعائلته حظوة وثقة، بل جعل عائلة الرفاعي مقربة من العاهل الأردني.
في هذا السياق يؤكدّ المستشار السياسي والأمني المقرّب من دوائر القرار الأردنية، محمد الملكاوي، في تصريحات إلى "عربي بوست"، أنّ السبب الرئيسي لكون زيد الرفاعي مقرباً من العاهل الأردني يعود إلى معاصرته لحقبة الملك الراحل حسين بن طلال. وكان زيد الرفاعي سياسياً بارزاً شغل منصب رئيس الوزراء مرتين، كما شغل عدة مناصب في الأردن.
فهو شاهد على الكثير من المحطات المهمة في التاريخ الأردني، ويمتلك خبرات كبيرة جداً في إدارة كثير من الملفات، وهو أحد الشخصيات المقربة التي يحترم رأيها العاهل الأردني والكثير من القيادات السياسية الأردنية، ولديه خبرة عميقة جداً في التاريخ الأردني.
ويعد سمير الرفاعي (الابن) حفيد سمير الرفاعي (الجد) الذي شغل أيضاً منصب رئيس الوزراء لأكثر من مرة، كما شغل عدة مناصب في الدولة. من هنا فإنّ عائلة الرفاعي تعدّ- بحسب رؤية الملكاوي- عائلة عريقة لها عمق وباع سياسي كبير جداً، وهذا ما جعل العائلة مقربة جداً من دوائر صنع القرار ومن العاهل الأردني الذين تطرح من خلالهم العديد من الأمور.
تلك الحظوة أكسبت سمير الرفاعي مهمة كلفه بها الملك تتمثل في بلورة مسيرة الإصلاح السياسي في الأردن، وهو ما منحه لقب "مهندس الإصلاح السياسي" في الأوساط السياسية. فقد وجه الملك عبد الله الثاني بتشكيل اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية برئاسة رئيس الوزراء الأسبق سمير الرفاعي، وذلك جنباً إلى جنب مع 93 شخصية، منهم مسؤولون سابقون وشخصيات حزبية من المعارضة والموالاة والنقابات.
جعفر حسان.. مهندس قرارات الملك
يعتبر منصب مدير مكتب العاهل الأردني أحد أهم المناصب في الأردن، فهو حلقة الوصل بين الديوان الملكي وبين المسؤولين في الحكومة الأردنية، ويكاد يكون صاحب هذا المنصب هو الشخص الأقوى والأكثر قرباً من العاهل الأردني عبد الله الثاني، ورجل المهمات الصعبة في إدارة المشهد السياسي الأردني سواء على المستويين الداخلي أو الخارجي.
يترأس هذا المنصب حالياً جعفر حسان، وهو سياسي ووزير أردني سابق عمل في عدّة مناصب شملت وزير التخطيط والتعاون الدولي بين 2009 و2013، إضافة إلى أنّه شغل ذات المنصب (مدير المكتب الملك عبد الله الثاني) بين 2014 و2018، كما شغل منصب نائب رئيس الوزراء وزير دولة للشؤون الاقتصادية في عام 2018، الأمر الذي أكسبه حظوةً كبيرة لدى العاهل الأردني وجعله من المقربين.
ويأتي تعيينه جعفر حسان مؤخراً في منصب مدير مكتب الملك مرة أخرى بالتزامن مع أحداث الفتنة في البلاد، كخطوة وصفت بأنّها تسعى لإعادة ترميم العلاقة مع الجانب الإماراتي-السعودي، نظراً لأنّ الرجل يتمتع بعلاقات مميزة مع مسؤولين بهذه الدول بالإضافة إلى مقربين مثل محمد دحلان وباسم عوض الله.
وبحسب مصادر سياسية خاصة، فقد أراد العاهل الأردني من خلال هذا التعيين أن يرسل رسالة إلى كل من أبوظبي والرياض أنّ الأردن منفتح لتحسين العلاقات، وأنّه لا يوجد إشكالية في استمرار هذه العلاقة حتى وإن ثبت أنّ هناك أدواراً سعودية -إماراتية في قضية "الفتنة" وقضية الأمير حمزة.
يرجع المستشار السياسي محمد الملكاوي، لـ"عربي بوست" السبب الحقيقي في كون جعفر حسان من أهم الشخصيات المقربة للعاهل الأردني إلى مقدرته على أن يفهم كيف يفكر العاهل الأردني، وماذا يريد وكيف ينفذ بحرفية ومهنية قرارات وتوجهات العاهل الأردني.
من هنا فإنّ شخصية حسان تكمن قوتها الحقيقية في هندسة القرارات الداخلية التي تصاغ في أروقة المطبخ السياسي الأردني، فهو يعدّ بمثابة "ساعي البريد" الذي يبلغ من خلالها حسان القرارات إلى كافة المسؤولين في الدولة، وهو بمثابة حلقة الوصل بين العاهل الأردني وأقطاب السياسة الأردنية، حيث يعتمد عليه العاهل الأردني في تبليغ قراراته وتصديرها سواء إلى مجلس الوزراء أو إلى مجلس النواب والمسؤولين الأردنيين بشكل عام.
الأمير غازي بن محمد.. مهندس السياسة الدينية بالأردن
على الرغم من أنّ شخصية الأمير غازي بن محمد بعيدة عن الأضواء الإعلامية، إلا أنّ للرجل الذي ينتمي للعائلة الهاشمية تأثيراً كبيراً على صنع القرار السياسي سواء على المستويين الداخلي أو الخارجي.
يعدّ الرجل أحد الشخصيات المقربة من الملك عبد الله الثاني، وهو ابن عم ملك الأردن، وشغل منصب كبير مستشاري الملك للشؤون الدينية والثقافية، والمبعوث الشخصي للملك عبد الله الثاني. كما عمل مستشاراً للملك عبد الله لشؤون العشائر، ومساعداً في الديوان الملكيّ الهاشمي. وكان أيضاً مستشاراً للملك الحسين لشؤون العشائر.
كان العاهل الأردني يبتعثه في العديد من المهام، حيث مثّل الأمير غازي الملك عبد الله الثاني مرات عديدة في أثناء سفر الملك، سواء تلك المتعلقة بالجانب الديني أو الثقافي.
الأمير غازي الذي ينتمي إلى العائلة الهاشمية كان هدفه الأول تنفيذ رؤية العاهل الأردني الملك عبد الله والتي تتطلب تقديم "النموذج الأمثل للإسلام" الذي يحتاجه العالم.
فقد عمد العاهل الأردني على تقديم شخصية الأمير غازي إلى هذه المهمة باعتباره أكثر الشخصيات في العائلة الهاشمية على صلة بالحالة الدينية، وهذا ما يؤكده د. عايد الجبور، مفتي الهيئة الهاشمية للمصابين العسكريين وأحد الشخصيات المقربة من الأمير غازي بن محمد، الذي يرى أنّ الدولة الأردنية قامت على أساسين، هما الشرعية الدينية من خلال نظام الحكم الهاشمي، والتنوع والتعدد الذي قاد إلى الانفتاح في داخل الدولة وخارجها.
وقد شكلت رسالة عمَّان في العام 2004 التي كان الأمير غازي أحد أهم من قاموا بصياغتها وبلورتها، منحنى هاماً على الصعيد العالمي وأكدت أنّ الهاشميين يمثلون رسالة الإسلام المعتدل الوسطي والبعيد كل البعد عن الغلو والتطرف والتعصب والعنف والإرهاب ويقبل بالحوار والانفتاح على الآخر.
المستشار السياسي محمد الملكاوي يؤكدّ أيضاً أنّ شخصية الأمير غازي بن محمد أثبتت على مدى سنوات طويلة جداً أنّ لديها القدرة إدارة الملف الديني والشؤون الدينية الإسلامية وفي إبراز الخطاب الديني الوسطي والمعتدل على مستوى الدولة الأردنية، وذلك بدعم من العاهل الأردني.
ويعمد الأمير غازي على تقديم الاستشارات الدينية بين يدي الملك عبد الله الثاني، فهو شخصية مقربة منه ونافذة وتتمتع بقدر من الاحترام الكبير، إضافة إلى أنّه يحظى بثقة واحترام الشارع الأردني على المستوى السياسي والحزبي والعشائري والديني.
تلك الحظوة التي اكتسبها الأمير تعود بحسب رؤية الملكاوي من والده الأمير محمد بن طلال الذي لديه العمق السياسي الكبير، ولكونه الشقيق الأصغر للملك حسين والذي عينه رئيساً لمجلس شيوخ العشائر الأردنية وهو منصب مهم يتيح التواصل بين الديوان الملكي الهاشمي والعشائر الأردنية، وفي عام 1973 عينه الملك الحسين في منصب الممثل الشخصي له ليمثله في العديد من المناسبات.
الأمر الذي أهل أبناءه ومنهم الأمير غازي لأن يكونوا قريبين من العاهل الأردني الملك عبد الله، فهم تربوا بالبيت الهاشمي العريق الذي يصنع به القرار السياسي والسيادي والذي صنعت فيه القرارات الوطنية.
فهد الخيطان.. الواجهة الإعلامية ورجل التسريبات
يعد فهد الخيطان أحد أهم الواجهات الإعلامية المهمة التي يعتمد عليها العاهل الأردني، وذلك لارتباط الرجل بسيرة إعلامية حافلة، تمثلت في شغله للعديد من المناصب منها رئيس تحرير لصحيفة العرب اليوم في عام 2011، ومن ثمّ رئيس مجلس إدارة تلفزيون المملكة، وفي مايو/أيار 2021 تمّ تعيينه في منصب مدير إدارة الإعلام والاتصال في الديوان الملكي الهاشمي، حيث قدّم الخيطان استقالته من رئاسة مجلس إدارة قناة "المملكة".
المنصب الأخير في الديوان الملكي كان مكافأة للدور الذي لعبه الخيطان، كون الرجل يصنف على أنّه "رجل التسريبات" الأول في الأردن، فيما يدور من أحداث مهمة حول البلاد، وكان آخرها قضية "الفتنة"، المرتبطة بالأمير حمزة بن الحسين.
من هنا فإنّ العاهل الأردني يعتمد على الخيطان إذا ما أراد جس نبض الشارع الأردني عبر قيام الأخير بنشر تسريبات، خصوصاً أنه يمتلك الضوء الأخضر من القصر لمعالجة الكثير من الأحداث إعلامياً ومحاولة توجيه الرأي العام عبر الدفع بمعلومات يريد العاهل الأردني منها جسّ النبض أو تصحيح بعض المعلومات المغلوطة التي تدور حولها.
الخيطان متهم بتسريب معلومات حساسة مهمة حول المعتقلين الذين ارتبطوا بقضية "الفتنة"، كما أنّه متهم بتسريب أسرار متعلقة بالدولة، وكان أهمها المقالة التي نشرها الخيطان في صحيفة الغد حول القضية المتعلقة بالأمير حمزة بن الحسين تحت عنوان: "خمس حقائق حول الفتنة ورموزها"، وتحدث فيها عن حقائق اعتبرها المواطنون والمراقبون تجاوزاً لقرار منع النشر من قبل المدعي العام.
الأمر الذي اعتبره المراقبون والمحللون دلالة على أنّ الخيطان يأخذ تسريباته تلك من القصر مباشرة ومن الأجهزة الأمنية والاستخباراتية في الأردن، كون ما يتطرق له الخيطان في مقالاته لا تجرؤ وسائل الإعلام الأردنية الرسمية منها والخاصة على الاقتراب منها.
ووسط أزمة الثقة التي يعيشها العاهل الأردني في أوساط الشارع الأردني، وعلى مستوى الأشخاص المحيطين به، فإنّه يحتاج إلى إبراز وجوه إعلامية تقوم بتمرير العديد من المعلومات والتسريبات، وتنبري دفاعاً عن سياساته.
وأشارت مصادر سياسية مطلعة لـ"عربي بوست"، إلى أنّ الخيطان يعدّ صديقه المقرّب، فالعلاقة بينهما شخصية وأنّهما مقربان من بعضهما البعض، فلا يكاد يمرّ أسبوع إلا ويلتقي به العاهل الأردني أسبوعياً مرة على الأقل، حيث يسعى العاهل الأردني لأنّ تكون كل الأوراق في يديه وأنّ كل الشخصيات الذين حوله تكون من معرفته الشخصية المباشرة بهم كونه يعيش أزمة ثقة.