قال موقع Middle East Eye البريطاني يوم الثلاثاء 5 أبريل/نيسان 2022 إن سلسلة من الهجمات التي يُزعم أنها نُفِّذت عن طريق مجموعات مسلحة روسية في منطقة تعدين عن الذهب بجمهورية إفريقيا الوسطى، خلّفت وراءها مئات القتلى وأجبرت الآلاف على الفرار عبر الحدود إلى السودان.
إذ إن هذا العنف المميت، الذي نُسب إلى مرتزقة مجموعة فاغنر الروسية، التي يُقال إن رئيسها يفغيني بريغوجين الحليف المقرب للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يقدم دليلاً آخر على المناورة الجيوسياسية وحُمَّى الذهب التي تتكشف في هذه المنطقة بالقارة الإفريقية، في ظل اتخاذ موسكو موقف الضد من الأمم المتحدة وفرنسا.
فاغنر يقتل المئات في إفريقيا الوسطى
ففي سلسلة من الهجمات التي وقعت بين 14 و18 مارس/آذار 2022، قتلت المجموعة المسلحة الروسية مدنيين من السودان وتشاد وجمهورية إفريقيا الوسطى، وذلك حسبما أبلغ الناجون موقع Middle East Eye.
وفقاً لشهود عيان، وقعت الهجمات على بعد 200 كم غرب الحدود مع السودان وعلى بعد 400 كم من بانغي، عاصمة جمهورية إفريقيا الوسطى، وتحديداً في منطقة تدعى أنداها.
حيث فرّ الآلاف من المنطقة، وفقد عمال مناجم الذهب الصغيرة مقتنياتهم من الذهب وممتلكاتهم التي تساوي ملايين الدولارات، وأبلغ الناجون موقع Middle East Eye أنهم يعتقدون أن منفذي الهجمات يتبعون مجموعة فاغنر، التي يُعتقد على نطاق واسع أن لها وجوداً في السودان، وكذلك في جمهورية إفريقيا الوسطى، منذ عدة سنوات.
كما يعتقد المراقبون أن القوات الروسية تستهدف طرد عمال المناجم من المنطقة من أجل تهريب الذهب والماس إلى روسيا.
توطيد علاقات السودان وروسيا
في المقابل فقد تراجعت أسعار الروبل الروسي بعد الهجوم الذي شنته روسيا ضد أوكرانيا، وبعد فرض العقوبات على روسيا من القوى الغربية. لكن تدابير السيطرة على رأس المال ساعدت في استقرار العملة الروسية، مع تكهن البعض بأن احتياطيات الذهب في روسيا تستخدمها الحكومة الروسية لدعم الروبل.
بحسب موقع Middle East Eye، فإن الحكومة العسكرية في السودان تطلعت، منذ انقلاب 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021 الذي جاء بها إلى سدة الحكم، لتعزيز العلاقات القائمة بالفعل مع موسكو، والاعتماد على هذه العلاقات.
في سياق متصل عندما ترك آدم زكريا، 35 عاماً، و20 من أقاربه، منطقة تعدين الذهب في دارفور بسبب انعدام الأمن في هذا الجزء من السودان، واتجهوا نحو جمهورية إفريقيا الوسطى بحثاً عن مزيد من الذهب، لم يظن أن الأمر سوف ينتهي به بفقدان ستة أشخاص من أقاربه وغالبية الأموال التي كان يمتلكها.
قال زكريا: "الموقف كان جيداً جداً منذ عام 2018″، وذلك في حديثه مع موقع Middle East Eye من منطقة أم دافوق، وهي أول نقطة لدخول السودان عبر الحدود مع جمهورية إفريقيا الوسطى.
كما أضاف: "بدأنا في شراء الأراضي أو استئجارها، بحثاً عن الذهب. جمعنا آلاف الدولارات شهرياً، وكنا نعمل بجانب مواطنين من إفريقيا الوسطى وآخرين من تشاد والنيجر. كانت منطقة أنداها غنية جداً بالذهب. وكان جميع عمال المناجم سعداء".
فيما أوضح زكريا أن أكثر من 50 سودانياً، ومن بينهم 6 من أقاربه، قُتلوا بسبب هجمات القوات الروسية. وعلى سبيل تقديم الأدلة الداعمة، اطلّع موقع Middle East Eye على صور لعدد من الضحايا الذين فقدوا حياتهم.
هجمات بالمروحيات على المناجم
فيما قال زكريا إن الروس استخدموا أسلحة ثقيلة، بما في ذلك هجمات عن طريق المروحيات والدبابات ومركبات الدفع الرباعي المسلحة وتابع قائلاً: "ما شهدناه كان وحشياً ودموياً للغاية. لقد استخدموا هذه القوات والأسلحة العدوانية ضد المدنيين، بما في ذلك ذبح التجار وعمال التعدين، فضلاً عن نهب الذهب والأموال".
كما يعتقد المواطن السوداني أن مجموعة فاغنر هي التي تقف وراء الهجمات، مضيفاً أن الشركات الروسية "تريد طرد عمال التعدين التقليديين كي تسيطر على مناطق تعدين الذهب في جمهورية إفريقيا الوسطى- ثم في منطقة الساحل كلها- لنفسها".
فقدان آلاف الدولارات بسبب هجمات فاغنر
في نفس السياق، قال مواطن سوداني آخر يدعى زكريا محمد عبد الله، وقع ضحية الهجمات، إنه فقد آلاف الدولارات بالإضافة إلى كليوغرامات من الذهب وأبلغ موقع Middle east Eye أن عمال التعدين نشطون في جمع الذهب والماس أيضاً في منطقة سيلونكا، التي تبعد حوالي 15 كم عن أنداها.
كما أوضح: "كان ذلك المشهد الأشد عدوانية الذي رأيته في حياتي. لقد ذبحوا الجميع. رأيت 20 جثة ملطخة في دمائها بصورة عشوائية. لقد نهبونا بعد أن فررنا باستخدام الدراجات النارية كي نعبر الحدود إلى أم دافوق".
في حين اتهم عبد الله القوات السودانية بفتح الباب أمام الوجود الروسي في المنطقة، وقال أيضاً إن الجيش السوداني كان متمركزاً على الحدود مع جمهورية إفريقيا الوسطى وإنه أساء معاملته وأساء معاملة عمال التعدين الفارين.
صراع بين فاغنر والأمم المتحدة
بحسب ما أفادت به خدمة الرسائل الإخبارية Africa Confidential، فإن الصراعات بين مجموعة فاغنر وبعثة الأمم المتحدة في جمهورية إفريقيا الوسطى (مينوسكا)، قد ساءت مؤخراً؛ إذ إن احتجاز أربعة جنود فرنسيين بتحريض روسي في مطار بانغي ومغادرة مانكير ندياي، رئيس بعثة مينوسكا الأممية، أدى إلى تحفيز عملية تصفية حساب.
ففي مارس/آذار 2022 زار ندياي موسكو للشكوى من مجموعة فاغنر، لكنه لم يحصل على أي ضمانات. وبعد عودته، قال علناً إن المجموعة المسلحة الخاصة كانت مصدر إشكال للأمم المتحدة وكذلك فرنسا.
في حين ردت مجموعة فاغنر وداعموها بتنظيم تظاهرات ضد بعثة مينوسكا ونشرت اتهامات على الإنترنت بأن موظفي الأمم المتحدة كانوا مشاركين في عمليات تهريب واغتصاب وتهريب أطفال، إضافة إلى عدد من الجرائم الشنيعة الأخرى.
من جانبه، أخبر المحلل السوداني عبد المنعم مادبو موقع Middle East Eye بأن الصراع على الموارد- ولا سيما الذهب- في المنطقة تزايد منذ عام 2017، عندما سمح الرئيس السابق عمر البشير للروس بالتعدين على الحدود بين السودان وجمهورية إفريقيا الوسطى.
كما أوضح مادبو: "كان للمجموعة المسلحة الروسية وجود من أجل التعدين في المنطقة. أتاحت الحكومة في السودان للروس أن يكون لهم حضور في البلاد، والحكومة في جمهورية إفريقيا الوسطى مكَّنَت الروس من أجل مساعدة بانغي في القتال ضد ميليشات سيليكا المسلحة".
فيما قال في حديثه مع الموقع إن المنافسة بين الفرنسيين والروس مستمرة وإنه توقع تصعيد موسكو؛ نظراً إلى أنها تريد تأمين كميات ضخمة من الذهب في سياق الحرب في أوكرانيا. وتابع قائلاً: "الروس يوسعون نفوذهم في المنطقة، بجانب كثير من التقارير الواردة من شهود عيان يؤكدون أن شركة فاغنر تطرد عمال التعدين وتستولي على المنطقة بأكملها".
مصالح روسيا في إفريقيا
في المقابل يُعتقد أن روسيا أوكلت إلى فاغنر مهمة النهوض بمصالحها الاستراتيجية حول إفريقيا.
ففي حديث مع موقع Middle east Eye، قال الدكتور سليمان بلدو المحلل في الشأن السوداني: "إنه توسع بسعر زهيد، لأن قوات المرتزقة يتحالفون مع الأنظمة العسكرية الفاسدة المستبدة التي لا تحظى بشعبية، ويحوزون لأنفسهم جزءاً كبيراً من الثروات الطبيعية في هذه البلاد مقابل تقديم خدماتهم الأمنية إلى حكامها الذين لا يحظون بشعبية".
كما ذكر بلدو أن الإدارة العسكرية في السودان وقفت بجانب روسيا، لكنه أضاف أن موسكو عاجزة عن مساعدة السودان بسبب الأزمة الاقتصادية الدولية الحالية والعقوبات المفروضة عليها في أعقاب الهجوم الروسي على أوكرانيا.
الدكتور سليمان بلدو المحلل في الشأن السوداني قال كذلك: "النظام العسكري بقيادة الجنرال عبد الفتاح البرهان وحميدتي اختار الوقوف صراحة بجانب روسيا في وقت كانت قواتها تشن هجوماً ضد بلد ذي سيادة في أوروبا، مما يبعث برسالة إلى بقية العالم بأن المجلس العسكري لا يزال عازماً على قمع مطالب الشعب السوداني للتحول بقيادة مدنية إلى نظام ديمقراطي".
مشدداً على أنه في المدى القصير، سوف يكون لدى روسيا القليل من الوسائل للمساعدة في الأزمة الاقتصادية في السودان، بخلاف استمرار إمداد الأسلحة إلى الجيش، والخدمات الأمنية والسياسية التي تواصل مجموعة فاغنر تقديمها إلى كل من الجيش وقوات الدعم السريع على حد قوله.
في المقابل أنكرت وزارة الخارجية السودانية مؤخراً أن مجموعة فاغنر لديها حضور في البلاد.