من المرتقب أن تحمل زيارة رئيس الحكومة الإسبانية، بيدرو سانشيز، غداً الخميس 7 أبريل/ نيسان 2022 إلى المغرب حلاً لمجموعة من الملفات العالقة بين البلدين منذ بداية الأزمة السياسية.
ومن بين الملفات التي ستتجه إلى حل نهائي لها ملف إعادة فتح الحدود البرية بين المغرب ومدينتي سبتة ومليلية، الواقعتين في التراب المغربي والخاضعتين للحكم الذاتي الإسباني.
وسنة 2019 أُغلقت الحدود البرية بين المغرب ومدينتي سبتة ومليلية بقرار أُحادي من الرباط، هذا الأخير الذي اعتبر أن تهريب السلع يؤثر على اقتصاد المملكة.
ويمتهن مئات المغاربة تهريب السلع من مدينتي سبتة ومليلية إلى باقي المدن داخل المغرب؛ حيث يعملون على حمل أكياس ضخمة مُحملة بالبضائع الإسبانية فوق ظهورهم لإدخالها إلى الأراضي المغربية وبيعها.
انتظار فتح معابر سبتة ومليلية
وينتظر مسؤولو وساكنة مدينتي سبتة ومليلية، إلى جانب العمال المغاربة بمدن الشمال، ما ستسفر عنه زيارة رئيس الحكومة الإسباني للمغرب، خاصة في ما يتعلق بإعادة فتح المعابر البرية، لا سيما أنهم عانوا من اختناق اقتصادي بفعل إغلاق الحدود.
وكشف تقرير أنجزه البرلمان المغربي في سنة 2019 عن وجود حوالي 3500 امرأة، يمتهنّ التهريب، إذ أورد التقرير أن "إيقاف التهريب الذي أصبح يهدد الأمن الصحي والاقتصادي للمغرب لا يؤثر فقط في المشتغلين في تجارة حمل البضائع المهربة من النساء والرجال، بل في الحركة التجارية لكل من إقليمي تطوان والمضيق والفنيدق لارتباط جزء من التجارة فيهما بالسلع المهربة من باب سبتة المحتلة".
ورغم أن المغرب قد أطلق بدائل لهذه الفئة عبر تخصيص حوالي 45 مليون دولار لإنجاز عدد من المشاريع، لكن هناك فئة أخرى بالمغرب تنتظر فتح المعابر، وهي فئة العمال القانونيين.
وقال شكيب مروان، الكاتب العام للعمال المغاربة في سبتة، إن حوالي 8600 من العمال الذين تربطهم عقود عمل قانونية بسبتة ومليلية يعلقون آمالهم على هذا التطور في العلاقات بين المغرب وإسبانيا.
وأضاف المتحدث في تصريح لـ"عربي بوست" أن "دعم إسبانيا لمقترح الحكم الذاتي أعاد المفاوضات حول عدد من الملفات، سواء المتعلقة بالهجرة أو الحدود البحرية أو معبري سبتة ومليلية".
وقال المتحدث: "نحن كعمال نريد استئناف عملنا بسبتة، ونؤاخذ على الحكومة الإسبانية إقصاءنا من أي تعويض أو دعم مالي جراء هذا التوقف، رغم أننا كنا نؤدي ضرائب تصل إلى 24٪".
زيارة رئيس الحكومة الإسباني للمغرب.. افتتاح مرحلة جديدة
تأتي زيارة رئيس الحكومة الإسباني للمغرب بعد الرسالة التي وجهها إلى ملك المغرب، يوم 18 من شهر مارس/آذار 2022، أكد من خلالها دعم إسبانيا لمقترح الحكم الذاتي الذي يتقدم به المغرب لإنهاء نزاع الصحراء.
وينتظر من زيارة رئيس الحكومة الإسباني للمغرب أن تطوي الصفحة الأخيرة من أزمة دبلوماسية استمرت لما يقارب السنة بين البلدين، كان سببها استقبال إسبانيا لإبراهيم غالي، زعيم جبهة البوليساريو الانفصالية بهوية مزيفة لتقي العلاج.
وتوجد بين المغرب وإسبانيا مصالح مشتركة ويجمع التعاون بينهما في عدد من الملفات، من قبيل الهجرة، ومحاربة الإرهاب، والشراكة الاقتصادية، إذ تعد إسبانيا حالياً الشريك التجاري الأول للمغرب، وأن الأخير هو الشريك التجاري الثالث لإسبانيا من خارج أوروبا بحجم مبادلات يقارب 17 مليار يورو.
أحمد نور الدين، باحث في القضايا الدولية والاستراتيجية، قال إن زيارة رئيس الحكومة الإسباني للمغرب تأتي في إطار تدشين مرحلة جديدة وغير مسبوقة بين الجارين، تتم فيها إعادة تحديد العلاقة بشكل مشترك للقرن الحادي والعشرين".
وأضاف المتحدث في تصريح لـ"عربي بوست" أن من الملفات التي ستطرح للنقاش بين المغرب وإسبانيا فتح المعابر مع مدينتي سبتة ومليلية، واللتين تعانيان من اختناق إن لم نقل احتضاراً منذ اندلاع الأزمة بين البلدين.
وبالإضافة إلى فتح المعابر، يقول المتحدث إن زيارة رئيس الحكومة الإسباني للمغرب ستليها عودة الخطوط البحرية بين موانئ البلدين لتسهيل عبور أزيد من مليوني مغربي خلال عطلة الصيف وحدها، وربما ما يقارب هذا الرقم في باقي فترات السنة، وهو مصدر مهم للدخل بالنسبة لمدن الجزيرة الخضراء وألمرية وغيرها.
وكان من ضمن الحجج التي قدمها وزير خارجية إسبانيا، خوسيه مانويل ألباريس أمام برلمان بلاده، لاستئناف العلاقات بين بلاده والمغرب "حجم الأضرار الاقتصادية التي عانت منها مدينتي سبتة ومليلية"، حسب ما نقلته جريدة "الباييس" الإسبانية يوم 23 مارس/آذار، وفي ذلك إشارة إلى أن إسبانيا تكبدت خسائر اقتصادية جراء هذا الإغلاق.
قرارات سيادية
وفي غياب أي إعلان رسمي حول تاريخ فتح الحدود البحرية والبرية بين المغرب وإسبانيا، تظل كل الاحتمالات واردة، إذ يعتبر الحسن جفالي، أستاذ باحث وخبير في العلاقات الإسبانية المغربية، أن "فتح الحدود البحرية هو أمر عادي، ولا يحتاج إلى أي مفاوضات، غير أن الحدود البرية تطلب تنسيقاً دقيقاً وإجراءات سيتم الإعلان عنها".
جفالي، وفي تصريح بـ"عربي بوست"، قال إن "فتح الحدود هو قرار سيادي سواء بالنسبة للمغرب أو إسبانيا، وأن اللقاء بين الملك محمد السادس ورئيس الحكومة الإسباني هو بداية تحول في العلاقات بين البلدين، وسيرسم خارطة طريق في طبيعة العلاقات بين البلدين".
من جانبه، رجح الكاتب العام للعمال المغاربة في سبتة، في تصريحه لـ"عربي بوست" أن يتم فتح الحدود البحرية أولاً، وبعدها معبري سبتة ومليلية، متوقعاً أن يتم ذلك بعد شهر رمضان.
ومن الآثار التي خلفتها القطيعة بين المغرب وإسبانيا عدم استطاعة عدد من الأسر تبادل الزيارات وصلة الرحم، يضيف مروان، والذي يشدد أن الفئة التي ينتمي لها لا علاقة لها بالقطاع غير المهيكل (التهريب المعيشي)، والذي قامت الحكومة المغربية بتوفير بديل لهم عبر دمجهم بالمنطقة الحرة الاقتصادية للفنيدق.
وكان المغرب قد استثنى إسبانيا، كمحطة عبور، خلال تنظيمه عملية مرحباً لاستقبال المغاربة المقيمين بالخارج، والذي نُظمت يوم 15 يونيو/حزيران 2021، حيث تم الاقتصار على العبور من فرنسا وإيطاليا.
وتجدر الإشارة إلى أن آخر عملية مرحباً التي ضمت أيضاً الحدود البحرية والمعابر البرية مع إسبانيا، كانت سنة 2019، حيث بينت إحصائيات رسمية لإدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة المغربية، أن أزيد من 2,9 مليون مغرﺑﻲ مقيم بالخارج عاد إلى أرض الوطن.
في السياق ذاته، يقول الباحث في القضايا الدولية والاستراتيجية أحمد نور الدين، إن "إسبانيا قامت بمراجعة موقف الحياد السلبي في نزاع الصحراء، وعبرت عن ذلك في رسالة رئيس حكومتها، وننتظر الآن ترجمة ذلك عملياً على الساحة الأوربية وفي الأمم المتحدة بالإضافة إلى حظر أنشطة الانفصاليين فوق أراضيها".
وأضاف المتحدث في تصريح لـ"عربي بوست" أن "هذا التقارب سيساهم في تلمس الحلول لباقي القضايا العالقة، والتي هي بحاجة إلى كثير من روح التوافق والحكمة وبعد النظر من أجل الوصول إلى أرضية مشتركة ترضي الطرفين".
ومن الملفات التي توقع الباحث في القضايا الدولية والاستراتيجية أن تكون ضمن جدول أعمال زيارة رئيس الحكومة الإسباني للمغرب ملف ترسيم الحدود البحرية بين البلدين وما يترتب عنها من إشكالات استغلال الثروات في الجرف القاري للسواحل المغربية قبالة جزر الكناري.