كشفت مصادر "عربي بوست" أن عدداً من نواب البرلمان التونسي المنحل تم استدعاؤهم اليوم الخميس، 31 مارس/آذار 2022، بسبب مشاركتهم في جلسة افتراضية للبرلمان أمس الأربعاء، 30 مارس/آذار.
مصادر "عربي بوست" قالت إن النواب الذين تم استدعاؤهم سيمثلون أمام فرقة مكافحة الإرهاب بالقرجاني، وسط العاصمة التونسية، لأن التهمة تتعلق بـ"المس بسلامة الدولة".
وأعلن قيس سعيّد مساء الأربعاء، 30 مارس/آذار 2022، حل البرلمان التونسي؛ من أجل ما وصفه بـ"الحفاظ على الدولة ومؤسساتها، وحفاظاً على الشعب التونسي".
قرار قيس سعيّد جاء ساعات من عقد البرلمان التونسي المنحل جلسةً افتراضية، شاركت فيها أغلب الكتل النيابية، وتم التصويت خلالها على مشروع قانون يلغي الإجراءات الاستثنائية التي اتخذها الرئيس.
ليست هذه المرة الأولى التي يَعقد فيها البرلمان التونسي المنحل جلسةً افتراضية بعد الإجراءات الاستثنائية في 25 يوليو/تموز 2021، لكن هذه الجلسة عرفت حضور أغلبية النواب في البرلمان.
انطلاق التحقيقات
بالتزامن مع عقد مجلس النواب الجلسة البرلمانية الافتراضية، استقبل الرئيس التونسي قيس سعيد وزيرة العدل ليلى الجفال، هذه الأخيرة التي طلبت من وكيل الدولة بمحكمة الاستئناف فتح تحقيق ضد النواب الذين حضروا الجلسة.
وانطلق الوكيل العام لدى محكمة الاستئناف في تونس، مباشرة بعد لقاء سعيد بوزيرة العدل في الإجراءات الجزائية ضد النواب المشاركين في الاجتماع، والذين بلغ عددهم 116 نائباً، بتهمة "تكوين وفاق إجرامي، والتآمر على أمن الدولة".
ووفق ما أكدته مصادر خاصة لـ"عربي بوست"، فقد تلقى رئيس كتلة حركة النهضة، عماد الخميري، استدعاءً رسمياً للتحقيق معه على خلفية مشاركته في الجلسة العامة البرلمانية، الأربعاء، كما أكدت المصادر نفسها أن النائب عن حركة "تحيا تونس"، وليد الجلاد، تلقَّى كذلك استدعاءً للتحقيق معه غداً الجمعة.
ورجَّحت المصادر نفسها، التي تحدث معها "عربي بوست"، أن يشمل التحقيق والتتبّعات القضائية التي كلّف سعيد وزيرة العدل بالانطلاق فيها، كلَّ النواب من مختلف الكتل البرلمانية، الذين أخذوا الكلمة خلال الجلسة العامة على أقلّ تقدير، في حال لم تشمل كل النواب الذين شاركوا فيها.
ماذا يقول الفصل 72؟
استند الرئيس قيس سعيّد على الفصل 72 من الدستور لحل البرلمان التونسي، هذا الفصل الذي يقول إن "رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة، ورمز وحدتها، يضمن استقلالها واستمراريتها، ويسهر على احترام الدستور".
وقبل ليلة من حل البرلمان التونسي، أي يوم 29 مارس/آذار 2022، صرّح بأنه لم يحُل البرلمان لأن الدستور لا يُخول له ذلك، وأنّه وجد الخيار الأنسب هو تجميد نشاطه وتعليق عمله.
الأكثر من ذلك هو أن الرئيس قيس سعيّد، أعلن سابقاً، بناء على الأمر الرئاسي (عدد 117) تعليق جميع أبواب الدستور التونسي، ما عدا التوطئة والبابين الأول والثاني، الخاصّة بالمبادئ العامة، أي أنه اليوم استند على الفصل 72 الذي يقع ضمن الباب الرابع المعلق من الدستور.
الأستاذ والخبير الدستوري التونسي رابح الخرايفي قال إنه "خلافاً للفصل 72 من الدستور، الذي اعتمد عليه سعيد في قراره بحلّ البرلمان، فمن الناحية القانونية والدستورية حالة الاستثناء المُعلنة في البلاد، منذ 25 يوليو/تموز، تبيح للرئيس اتخاذ قرارات لا سند قانونياً أو دستورياً لها".
وأضاف المتحدث في تصريح لـ"عربي بوست" أن "منطق حالة الاستثناء التي تعيشه تونس لا يخضع لأي قانون مكتوب أو سارٍ، خاصة أنه بعد تفعيل الفصل 80 من الدستور، في 25 يوليو/تموز، وإصدار الأمر الرئاسي عدد 117، تم تقريباً تعليق الدستور، وأصبح الأمر 117 هو السند القانوني لإدارة المرحلة الاستثنائية".
واعتبر الخرايفي أن "الفصل 72 من الدستور التونسي كلّف سعيد بحماية وحدة الدولة، التي هدّدها اجتماع البرلمان أمس، وما حملته الجلسة العامة من المصادقة على قانون يفتح الباب أمام انقسام حاد في أجهزة الدولة".
وأشار المتحدث إلى أن "الرئيس سعيد، في تقدير الخرايفي، يعتمد ويلجأ للمبدأ الدستوري والنظرية التي تصبّ في خانة دفاع الدولة الشرعي عن نفسها، وتواصلها ووحدتها ومؤسساتها واستقرارها"، وفق تعبيره.
موقف النهضة
لحدود الساعة، ومنذ إعلان الرئيس قيس سعيد عن حل البرلمان التونسي، لم تُصدر حركة النهضة أي موقف رسمي، ولم يكشف أي من قياداتها أو نواب كتلتها في الإعلام عن موقف الحركة أو حتى موقفه الشخصي، في انتظار الحسم في الموقف النهائي.
ووفق ما أكدته مصادر من داخل حركة النهضة لـ"عربي بوست" فإن النقاشات الداخلية بخصوص الموقف من قرار الحلّ لا تزال متواصلة حتى مساء اليوم الخميس، 31 مارس/آذار 2022.
وأضافت المصادر نفسها أن "قرار حلّ البرلمان التونسي بشكل عام يخدم دعوة النهضة المتكررة للتوجه نحو انتخابات تشريعية ورئاسية سابقة لأوانها، خلافاً لوضعية تعليق النشاط، التي لا تسمح بالضغط للتوجه نحو انتخابات، كما في وضعية حلّ البرلمان".
لكن في المقابل، تؤكد المصادر نفسها أن حلّ البرلمان لن يتبعه بالضرورة التوجه لانتخابات تشريعية أو رئاسية سابقة لأوانها، أو حتى في الموعد الذي حدّده الرئيس سعيد، بـ17 ديسمبر/كانون الأول 2022، بالإضافة إلى عدم الثقة في الجهة التي ستُشرف على الانتخابات، والإطار التشريعي الذي سيتم تنظيمها وفقه.
فالأهمّ من كل ذلك، حسب مصادر "عربي بوست"، في تحديد الموقف النهائي لحركة النهضة من حلّ البرلمان، هو إمكانية توجه قيس سعيد لتنقيح القانون الانتخابي، أو إصدار مرسوم يمنع مشاركة الأحزاب التي كانت أحد مكونات الحكم في تونس منذ 2014.
ردود أفعال
حزب التيار الديمقراطي الذي شارك نوابه أمس الأربعاء في الجلسة العامة للبرلمان التونسي المنحل عقد اجتماعاً عاجلاً استثنائياً لمكتبه السياسي في ساعة متأخرة من ليلة أمس الأربعاء، 30 مارس/آذار 2022.
وفق ما كشفته مصادر خاصة لـ"عربي بوست"، فقد خُصص لتدارس تبعات الخطاب الأخير للرئيس قيس سعيد، وقراره بحلّ البرلمان، وخلص إلى موقف رافض لقرار الحل.
نعمان العش، رئيس الكتلة النيابية للتيار الديمقراطي، قال في تصريح لـ"عربي بوست"، إن قرار حلّ البرلمان "خرق آخر للدستور، وتأكيد قاطع للنوايا الانقلابية لرئيس الجمهورية قيس سعيد، ولنزعته نحو الاستبداد".
وأضاف العشّ أن المكتب السياسي للحزب أكد كذلك "رفضه استعمال القضاء والقوات الحاملة للسلاح لترهيب النواب المشاركين في الجلسة العامة، وستتشكل لجنة محامين للدفاع عن النواب الذين ستشملهم تتبعات قضائية.
كما دعا العشّ التونسيين إلى الانتفاض بكل الأشكال السلمية والقانونية ضد ما اعتبره "انحرافاً خطيراً ينذر باستمرار الفساد واستفحاله، وبتهاوي الدولة وإفلاسها".
رئيسة حزب الدستوري الحر، عبير موسي، التي رفضت المشاركة ونواب حزبها في الجلسة البرلمانية، أمس الأربعاء، عقدت ندوة صحفية اليوم الخميس، 31 مارس/آذار 2022، وطالبت قيس سعيد بالمرور إلى تنظيم انتخابات سابقة لأوانها في غضون ثلاثة أشهر منذ تاريخ حلّ البرلمان.
وقالت موسي إنّ حزبها وأنصارها يواصلون الضغط بكل الطرق السلمية لضمان عدم حياد سعيد عن طريق تنظيم انتخابات، وأكدت أنها ستقاضي الرئيس قيس سعيد محلياً ودوليّاً في حالة عدم التزامه بإجراء انتخابات تشريعية بعد 90 يوماً كما ينصّ الدستور في وضعية حلّ البرلمان.
“لماذا المصادر مجهولة في هذه القصة؟
بموجب إرشادات موقع “عربي بوست”، نستخدم المصادر المجهولة فقط للمعلومات التي نعتقد أنها تستحق النشر والتي تأكدنا من مصداقيتها، لكننا غير قادرين على الحصول عليها بأية طريقة أخرى.
نحن ندرك أن العديد من القراء يشككون في مصداقية ودوافع المصادر التي لم يتم الكشف عن أسمائها، لكن لدينا قواعد وإجراءات لمعالجة هذه المخاوف، منها أنه يجب أن يعرف محرر واحد على الأقل هوية المصدر، ويجب أخذ موافقة مسؤول القسم قبل استخدام المصادر المجهولة في أية قصة. نحن نتفهم حذر القراء، لكن يجب تفهم أن المصادر غالباً تخشى على وظائفها أو علاقاتها التجارية، وسلامتها.”