انطلقت مفاوضات جديدة بين الجانبين الروسي والأوكراني، الثلاثاء 29 مارس/آذار 2022، في مدينة إسطنبول التركية بعد محاولات حثيثة من أنقرة لعقد المفاوضات على أراضيها تمهيداً للقاء مباشر يمكن أن يجمع بين زعيمي البلدين المتصارعين في حرب منذ شهر ونيف، بحسب ما صرح به الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
المفاوضات التي بدأت دون مصافحة، حسب التلفزيون الأوكراني، ليس من المؤكد بعد أن تفضي إلى وقف إطلاق نار دائم، بيد أن تصريحات روسية وأوكرانية سبقت المفاوضات توحي بالاستعداد لتقديم بعض التنازلات أملاً في تحقيق السلام.
شروط روسيا وإمكانية التنازل
فمن جانبها تلمح روسيا إلى استعدادها للتخلي عن شرط "تطهير أوكرانيا من النازيين"، حسب ما نقلته صحيفة "سوزجو" التركية عن "فاينانشيال تايمز" البريطانية، لكنها في الوقت ذاته لا تزال تصر على ضرورة عدم انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو.
في السياق ذاته، قال المتحدث باسم الكرملين ديميتري بيسكوف، الإثنين 28 مارس/آذار الجاري، إنه "لا يستطيع أحد التحدث عن تقدم في المفاوضات على الرغم من أنها ستنطلق وجهاً لوجه".
وأشار إلى أن عقد اجتماع "محتمل" بين بوتين وزيلينسكي لا يزال "مستبعداً" حالياً.
وبالرجوع إلى تصريح سابق لنائب رئيس الأركان العامة الروسية، سيرغي رودسكوي، الجمعة 26 مارس/آذار الجاري، قال إنه "جرى تخفيض القدرات القتالية للقوات الأوكرانية بشكل كبير، وهذا الأمر يتيح لروسيا تركيز الجزء الأكبر من جهودها على الهدف الرئيسي؛ وهو تحرير دونباس".
هذا الأمر يعني أن الجيش الروسي بات يركز الآن على محور الحدود الجنوبية لأوكرانيا، بعيداً عن طموحه للسيطرة على العاصمة كييف، كما كانت تقارير توحي بذلك مطلع الهجوم، خاصة أن روسيا تبدو متعثرة في مدينة ماريوبول ذات الاستراتيجية الكبيرة حيث ستربط المناطق التي يسيطر عليها الانفصاليون مع بعضها في حال دخلتها روسيا.
ومنذ بدء الحرب، تطالب روسيا بأربعة مطالب رئيسية: إعلان الحياد الأوكراني، واعتراف أوكرانيا رسمياً بضم روسيا لشبه جزيرة القرم، التي استولت عليها موسكو في عام 2014، وأن منطقة دونباس (شرق أوكرانيا) التي يسيطر عليها الانفصاليون المدعومون من روسيا مستقلة، والمطلب الثالث هو نزع السلاح من أوكرانيا، وأخيراً إزالة أو تخفيف العقوبات الغربية عن روسيا.
أقصى طموحات أوكرانيا
أما وجهة النظر الأوكرانية حول المفاوضات في إسطنبول، فقد صرح وزير الخارجية الأوكراني الإثنين 28 مارس/آذار الجاري، بأن "أكثر ما تطمح إليه" كييف من مفاوضاتها مع الروس في تركيا هو "الاتفاق على وقف إطلاق النار".
وأشار إلى أن المسألة الإنسانية ستكون "الحد الأدنى" في المفاوضات، أما "الحد الأقصى" فهو التوصل لاتفاق بشأن وقف إطلاق النار.
في المقابل، تبدو أوكرانيا مستعدة للموافقة على العديد من هذه المطالب كما يقول تقرير لمجلة Economistالبريطانية، بما في ذلك التخلي عن احتمال عضوية الناتو وقبول نوع من التسوية بشأن الأراضي التي سيطرت عليها روسيا.
لكنْ هناك نقطتان شائكتان بشكل كبير، الأولى هي تعريف روسيا المتشدد لنزع السلاح، إذ تريد من أوكرانيا أن تخفض جيشها إلى خمسين ألف جندي، أي خمس حجمها الحالي، وبعد شهر من المقاومة الشديدة يبدو أن قلة في أوكرانيا على استعداد للموافقة على مثل هذا الشرط، كما تقول الإيكونومست.
أما النقطة الثانية فهي الاعتقاد الأوكراني بأن فلاديمير بوتين لن يسحب قواته من مناطق شرق وجنوب أوكرانيا التي غزاها أو على وشك غزوها، وتقول التجربة المريرة في عام 2014، إن القوات الروسية بقيت في دونباس، رغم مطالبتها بالانسحاب بموجب اتفاقيات مينسك 2014-2015.
وقبيل انطلاق المفاوضات، اجتمع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالوفدين الروسي والأوكراني في قصر دولما باهتشه الرئاسي بمدينة إسطنبول، وأكد أمامهما أن "للطرفين مخاوف مشروعة" لكن إطالة أمد الحرب في أوكرانيا التي اندلعت في 24 فبراير/شباط الماضي "ليست في صالح أحد".
وأضاف أن تركيا التي كانت شاهدة على العديد من المآسي في منطقتها تسعى لعدم تكرار تلك المآسي شمال البحر الأسود.