قالت وكالة Bloomberg الأمريكية في تقرير نشرته يوم الإثنين 21 مارس/آذار 2022 إن الرئيس الأمريكي جو بايدن انجرَّ على مضضٍ إلى إقامة علاقاتٍ أقرب مع ملك السعودية المنتظر، ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، بعد أن أجبره الهجوم الروسي على أوكرانيا على إعادة التفكير في نهج المواجهة الذي كان يتبعه، وذلك بالتزامن مع معاناة الولايات المتحدة للحد من ارتفاع أسعار النفط.
لكن المشكلة تكمُن في أن ولي العهد محمد بن سلمان ليس مستعداً لمجاراته بعد.
إذ جاء لين الموقف الأمريكي، على حد وصف نحو 10 أشخاص مطلعين على النقاش الدائر، في أعقاب أشهر من جهود بعض المسؤولين البارزين داخل الإدارة لإقناع الرئيس القلق بأن تجاهل الحاكم الفعلي للمملكة سيُعرقل أهداف السياسة الخارجية الأمريكية.
تغير نظرة أمريكا إلى السعودية
في ما وصف أحد المسؤولين الهجوم الروسي بأنه حدثٌ يُمثّل تحوّلاً في النموذج الفكري، ويُغيّر الطريقة التي تنظر بها الولايات المتحدة إلى السعودية.
قال ثلاثة أشخاصٍ مطلعين على المسألة إنّ الجانبين كانا يحاولان ترتيب مكالمةٍ هاتفية بين بايدن وولي العهد للمرة الأولى، لكن التوترات أصبحت عميقةً الآن بدرجةٍ ستجعل إجراء المكالمة يستغرق بعض الوقت.
بينما قالت المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض يوم الإثنين 21 مارس/آذار 2022 إنّ خبر تقدُّم البيت الأبيض بطلبٍ رسمي لإجراء مكالمة مع ولي العهد هو خبرٌ "عارٍ تماماً من الصحة"، كما نفت قيام السعوديين برفض طلب الرئيس.
كما أضافت المتحدثة إميلي هورن: "تحدث الرئيس إلى الملك سلمان في التاسع من فبراير/شباط 2022. وقد استعرضا خلال المكالمة أجندة أعمالٍ ثنائية إيجابية تغطي مواضيع المناخ، والأمن، والتعاون في مجال الطاقة. وقد كان هناك تفاعلٌ بين فرق البلدين على جميع المستويات منذ إجراء تلك المكالمة المهمة. ولم تجرِ مناقشة إجراء أي مكالمات لاحقة على مستوى الرئيس، نظراً لمستوى التفاعل المنتظم والمستمر في الوقت الراهن".
لكن مسؤولاً أمريكياً طلب عدم ذكر اسمه قال إنّ السعوديين لا يُعارضون بروتوكول حديث الرئيس إلى نظيره الملك. وأضاف المسؤول أنّ بايدن كان منفتحاً على فكرة الحديث مع الأمير محمد، مشيراً إلى أنّه كان على استعدادٍ للقاء ولي العهد لو كان الأخير قد حضر اجتماع مجموعة العشرين في روما شهر أكتوبر/تشرين الأول 2021.
مواجهة تحديات كبيرة
لكن بايدن وضع نفسه في مواجهة تحدٍّ كبير بعد توليه المنصب في يناير/كانون الثاني 2021، حين وعد بإعادة توجيه سياسته الخارجية بعيداً عن الشرق الأوسط ومنح حقوق الإنسان أولويةً أكبر. وحينها قالت المتحدثة باسمه إن نظيره هو الملك سلمان، ووصفت هذا التحول بأنه "إعادة معايرة" للعلاقات.
لكن الولايات المتحدة تعتمد على السعودية في 7% من وارداتها النفطية، وهو رقمٌ لن ينخفض كثيراً إلا في حال زيادة الإنتاج المحلي- وهو أمرٌ سيعارضه التقدميون في حزب بايدن. كما تُعَدُّ السعودية بمثابة ثقلٍ إقليمي مُوازن لإيران، التي يشُن وكلاؤها المسلحون هجماتٍ شبه يومية على حلفاء الولايات المتحدة في مختلف أرجاء الشرق الأوسط.
في حين جاء الهجوم الروسي على أوكرانيا الآن ليزيد الأمور تعقيداً. إذ تسبب في ارتفاع أسعار البنزين، التي تريد إدارة بايدن خفضها سريعاً قبل أن يتوجه الناخبون إلى صناديق الاقتراع في الانتخابات النصفية، ويسلموا السيطرة على الكونغرس للديمقراطيين.
رغم ذلك لن تكون إعادة بناء العلاقات مهمةً سهلة. إذ يُنظر لقرار بايدن بتجاوز الأمير محمد والتعامل فقط مع والده المسن على أنه إهانةٌ شخصية في الرياض- وهي إهانةٌ لن تُنسى بين ليلةٍ وضحاها.
كما يشعر قادة البلاد بالاستياء من الاهتمام الذي تُغدقه الولايات المتحدة على جارتهم الصغيرة قطر، ويشتكون من أن الولايات المتحدة تتواصل معهم لطلب الخدمات فقط.
دعم إيران للمسلحين
لكن السعودية وإسرائيل والإمارات تريد من الولايات المتحدة هذه المرة أن تتطرق للمخاوف بعيدة المدى حول دعم إيران للجماعات المسلحة، وأن تُقدّم ضمانات أمنية دائمة، قبل أن يحتشدوا جميعاً وراء جهود بايدن لعزل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وتخفيف الضغط على أسواق الطاقة.
ففي مقابلةٍ أُجرِيَت مؤخراً مع مجلة The Atlantic الأمريكية، سُئِلَ ولي العهد إن كان بايدن قد أساء فهمه؛ فأجاب: "هذا أمرٌ لا يشغلني ببساطة. والتفكير في مصالح أمريكا متروكٌ له". وبسؤاله عن فكرة إبعاد السعودية، أجاب الأمير محمد: "فليفعل ذلك".
بينما وصف شخصٌ مطلعٌ على موقف الإدارة، طلب عدم ذكر اسمه، الأمير محمد بأنه كان عابس الوجه، وهي سمةٌ معبرة عن موقف الولايات المتحدة تجاه حليفٍ رئيسي في وقتٍ أزمةٍ دولية.
فيما قال أشخاصٌ مطلعون على المسألة إنّ أكبر العراقيل في طريق تليين النهج الأمريكي كانت الرئيس ووزير خارجيته أنتوني بلينكن إذ يخشى بايدن بحسب الأشخاص المطلعين من ردود الأفعال في واشنطن بينما يشعر بلينكن بالقلق من أن محمد بن سلمان لا يزال يفعل أشياء تستحق الإدانة.
في حين قال المدير التنفيذي لمنظمة هيومن رايتس ووتش، كينيث روث، خلال مقابلةٍ أجراها للحديث عن مكالمته مع بلينكن إنّ الدبلوماسي الأمريكي "أقر بالقيود التي تواجهها الحكومة في ما يتعلّق بالموازنة بين قيمها ومصالحها المتضاربتين".
لكن وكما ابتعد بايدن بكل قوته عن السعوديين في بداية فترته؛ يخشى البعض في واشنطن الآن من أنه قد يقدم تنازلات أكثر من اللازم في سبيل العودة لحشد الشركاء ضد بوتين.