يشهد قطاع غزة انخفاضاً حاداً في مخزونات الأسمنت ومواد البناء، في ضوء قيام الجانب المصري بفرض قيود على صادراته المتعلقة بمواد البناء إلى غزة، ما دفع باتحاد المقاولين إلى الإعلان عن توقف تنفيذ المشاريع المتعاقد عليها والمشاريع تحت التنفيذ، بعد أن قفزت أسعار مواد البناء إلى أكثر من 30%.
وفي ضوء هذه التقليصات ارتفعت أسعار الأسمنت بأكثر من 40% من 380 شيكلاً للطن إلى 530 شيكلاً (سعر صرف الدولار مقابل الشيكل 3.25)، كما ارتفعت أسعار الحديد بأكثر من 35% من 3100 شيكل للطن إلى 4600 شيكل، فيما ارتفعت مستلزمات التشطيب كالألمونيوم والجرانيت لأكثر من 25%.
وقال مصدر في سلطة المعابر والحدود في غزة لـ"عربي بوست" إن واردات الأسمنت القادمة من مصر تراجعت بأكثر من 70% منذ 10 من مارس/آذار 2022، من 3 آلاف طن أسبوعياً إلى أقل من ألف طن.
وأوضح أن ما يتم توريده من كميات عبر الجانب المصري يقتصر استخدامه على تلبية احتياجات مشاريع الإعمار التي تمولها مصر في غزة. كما أوقف الجانب المصري واردات الألمونيوم والجرانيت.
البدائل صعبة
وأضاف المصدر: "تغطي الواردات القادمة من مصر نحو 40% من احتياجات قطاع غزة فيما يخص المواد الخاصة بالمشاريع الإنشائية. وبسبب القيود الجديدة، فقد ارتفعت الأسعار بصورة كبيرة بسبب انخفاض المعروض وشحه في الأسواق، وهو ما أدى إلى توقف العمل بعشرات المشاريع الإنشائية بالإضافة لمشاريع إعادة الإعمار".
وتابع المصدر أن من الصعب تعويض العجز الذي كانت توفره مصر من متطلبات عملية الإعمار خلال وقت قصير، كما أن عملية البحث عن موردين جدد من دول كإسرائيل أو الأردن أو تركيا لن تكون مجدية من الناحية الاقتصادية بسبب ارتفاع أسعاره التي تفوق أسعار ما يتم استيراده من مصر، بسبب ارتفاع تكاليف النقل والتأمينات المالية التي تطلبها شركة أبناء سيناء لأي واردات تأتي من خارج مصر إلى قطاع غزة.
وتواجه غزة تحدياً اقتصادياً في ضوء توقف المشاريع الإنشائية، فبعد مرور قرابة 10 أشهر على انتهاء الحرب الإسرائيلية في مايو/ أيار 2021، لا يزال الجزء الأكبر من عملية الإعمار متوقفاً، بسبب القيود الإسرائيلية على واردات الأسمنت وحديد التسليح خشية وصوله لحركة حماس واستثماره في عملية بناء الأنفاق والمواقع العسكرية.
كما أن أحد الآثار المباشرة لتوقف المشاريع الإنشائية وعملية الإعمار، هو الخشية من تكبد المقاولين خسائر مالية كبيرة نتيجة عجزهم عن تسليم المشاريع الممولة دولياً، والتي تنتهي بتاريخ زمني محدد، أو تحمل الشرط الجزائي لفسخ العقود في حال تأخرت عملية تسليم المشاريع في وقتها المحدد.
تفاهمات التهدئة على المحك
فيما قال مصدر قيادي في حركة حماس لـ"عربي بوست" إن المستوى السياسي للحركة يجري اتصالات مكثفة مع مسؤولي المخابرات المصرية لإقناعهم بالتراجع عن قرار فرض قيود على دخول مواد الإعمار لغزة لما لهذا القرار من آثار اقتصادية كارثية على غزة، كون عملية الإعمار تسير ببطء شديد ولا يمكن لغزة أن تتحمل مزيداً من الضغط الاقتصادي.
وأوضح أن ذلك "من شأنه أن ينسف تفاهمات التهدئة وتكون له تداعيات خطيرة على المنطقة".
وأضاف المصدر أن الرد من قبل المخابرات المصرية جاء بأن هنالك قراراً سيادياً من قبل الرئاسة بالعمل على تقليص صادرات السلع الاستراتيجية في ضوء الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا، خشية أن تؤثر سلباً على احتياجات السوق المحلي.
وأوضح رد المخابرات أن العمل جارٍ على الإيفاء بالتعاقدات المتفق عليها بين القطاع الخاص في غزة ونظرائهم في مصر حتى 30 يوماً من تاريخ 10 مارس/آذار 2022، ولكن وتيرة إدخالها ستكون أقل مما كان عليه في السابق.
وتشرف مصر على عدد من مشاريع إعادة الإعمار في غزة، ضمن منحة 500 مليون دولار التي أعلن عنها الرئيس عبد الفتاح السيسي بعد حرب غزة الأخيرة في مايو/أيار 2021 تتضمن إنشاء 3 مدن سكنية في وسط وشمال قطاع غزة، وإقامة عددٍ من مشاريع البنى التحتية في منطقة الشريط الساحلي لغزة.
تداعيات اقتصادية
ويعتبر قطاع الإنشاءات والمقاولات في غزة من أكثر القطاعات الاستراتيجية، حيث يبلغ عدد الشركات المسجلة ضمن اتحاد المقاولين 250 شركة، ويقدر عدد العاملين فيه بأكثر من 30 ألف عامل بشكل مباشر، بالإضافة لمساهمته في توفير 20 ألف فرصة عمل في حال اكتمال الدورة الاقتصادية لعمل مصانع البلوك والحجارة.
أسامة كحيل الرئيس السابق لاتحاد المقاولين في غزة قال لـ"عربي بوست" إن الاتحاد بصدد دراسة مجموعة من الخيارات للتعامل مع هذه الأزمة، من بينها إعادة النظر في عقود الإنشاءات المتفق عليها مع الممولين الدوليين، كون الأسعار الحالية لمواد البناء لا تغطي التكاليف التشغيلية.
وأضاف: "كما طلبنا من وزارة الأشغال العمل على تحديد أولويات المشاريع التي تحتاج إلى إنجاز وفق الموارد المتاحة، أو تحمل الحكومة والممولين الأجانب فروقات الأسعار".
وتعد الشراكة التجارية بين مصر وغزة مفتاحاً لحل الكثير من الأزمات التي تواجه قطاع غزة نظراً للقيود والاشتراطات الإسرائيلية على دخول المواد من معبر كرم أبوسالم، والتي تخضع غالباً لقيود تتعلق بمنع دخول الجزء الأكبر من السلع بحجة "الاستخدام المزدوج"، والتي تصنفها إسرائيل على أنها مواد قد تستغل في نشاطات عسكرية من قبل حركة حماس.
بالإضافة لذلك تتمسك حكومة حماس في غزة بهذه الشراكة مع مصر، كونها تساهم في توفير إيرادات مالية شهرية تقترب من 15 مليون دولار نظير الضرائب والجمارك التي تفرضها على الواردات القادمة من مصر.