في أول أيام الهجوم العسكري الروسي على أوكرانيا يوم 24 فبراير/شباط 2022، أعلنت موسكو سيطرتها على محيط محطة تشيرنوبل النووية الأوكرانية، وكان بداخله 210 من الفنيين والموظفين الذين ما زالوا محتجزين بداخله ويعملون بدون توقف إلى غاية اليوم الأربعاء 16 مارس/آذار 2022.
صحيفة "Wall Street Journal" قالت في تقرير لها إن موقع أسوأ كارثة نووية في العالم أصبح سجناَ خطيراً بشكل متزايد، حيث يعاني موظفو منشآت النفايات المشعة في محطة تشيرنوبل الأوكرانية إجهاداً نفسياً وبدنياً، بسبب العمل دون توقف لما يقرب من ثلاثة أسابيع.
"رهائن" داخل محطة تشيرنوبل النووية
قال فالنتين هيكو، وهو من قدامى المحاربين ومشرف في إحدى منشآت محطة تشيرنوبل، إن 210 من الفنيين وموظفي الدعم في وضع يائس؛ حيث تحتجزهم روسيا كرهائن منذ أن كانوا يجرون الإصلاحات المتعلقة بالسلامة في الموقع، الشهر الماضي.
فيما تقول صحيفة "وول ستريت جورنال" إنه منذ الساعات الأولى من الحرب يحتجز جنود روس العاملين المرهقين، تحت تهديد السلاح. عملوا دون توقف لما يقرب من 500 ساعة.
كما أضاف هيكو: "الوضع النفسي يتدهور". فيما هدد بعض الفنيين، الذين طالبوا بالعودة إلى ديارهم، بالخروج، متجاوزين الدبابات الروسية المتوقفة في الخارج. وقال المشرف، الذي احتفل بعيد ميلاده الستين في الأسر الأسبوع الماضي: "الكل يريد العودة إلى دياره، لكننا نعلم أننا بحاجة إلى البقاء".
عمل دون توقف في ظروف صعبة
منذ 23 فبراير/شباط الماضي، يعمل الفنيون وموظفو الدعم في محطة تشيرنوبل دون توقف، لمراقبة مستويات النقل الكهربائي ودرجة الحرارة داخل المحطة العملاقة التي تحتوي على نفايات مشعة.
كما أنهم يعانون من سوء التغذية بعدما انحسر نظامهم الغذائي على الأطعمة المعلبة، التي أعدها طباخ يبلغ من العمر 70 عاماً.
يتتبع الجنود الروس حركات الموظفين في تشيرنوبل عبر متاهة الممرات الخرسانية في المحطة النووية، كما أنهم صادروا هواتفهم. ولم يتمكن خبراء الطاقة الذرية في العالم من معرفة ما يحدث داخل تشيرنوبل؛ حيث تناقضت الروايات بشأن حالة المنشأة وطاقمها.
في مكالمات استغرقت دقيقة واحدة، سمح الجنود الروس للعمال بمهاتفة أسرهم، وقد أخبروهم عن التعب الشديد والدوار والغثيان والصداع الرهيب، بحسب ما تنقل صحيفة وول ستريت جورنال.
هذا الإرهاق يتحول إلى تمرد، حيث يردد الموظفون صباح كل يوم النشيد الوطني الأوكراني عبر مكبرات الصوت. بينما تدعم الحكومة الأوكرانية دعوات عمال تشيرنوبل لممر آمن لإجلاء المنهكين واستبدالهم بموظفين آخرين، لكن روسيا ترفض.
ماذا تقول وكالة الطاقة الذرية؟
أبلغت الهيئة المنظمة لقطاع الطاقة النووية في أوكرانيا، الثلاثاء 15 مارس/آذار، الوكالة الدولية للطاقة الذرية بأن سيطرة روسيا على منشآت النفايات المشعة في محطة تشيرنوبل تحد من تدفق المعلومات منها، بما يمنع أوكرانيا من الرد بشكل كامل على جميع أسئلة الوكالة.
كما قالت الوكالة، في بيان: "قالت الهيئة التنظيمية للمرة الأولى اليوم إن المعلومات التي تتلقاها بخصوص تشيرنوبل تخضع لسيطرة القوات العسكرية الروسية، ولذلك لا يمكنها دائماً تقديم أجوبة تفصيلية على كل أسئلة الوكالة".
أضافت أن هذا هو الحال أيضاً فيما يخص محطة زابوريجيا للطاقة النووية التي تسيطر عليها روسيا.
منطقة نووية شديدة الإشعاع
انفجر المفاعل الرابع في محطة تشيرنوبل للطاقة في أبريل/نيسان 1986، ما أدى إلى تلويث معظم أنحاء أوروبا، في واحدة من أسوأ الكوارث النووية في تاريخ البشرية.
صحيفة New York Times الأمريكية قالت، في تقرير سابق، إن الحقول والأحياء في منطقة تشيرنوبل شمال أوكرانيا بأكملها لا تزال مهجورة وشديدة الإشعاع، إذ إنها تبدو آخر مكان على وجه الأرض يرغب أيُّ طرفٍ في غزوه.
لكن في حين أن معظم الاهتمام كان حول غزوٍ من قِبَلِ روسيا ينصبُّ على زيادة تعبئة القوات والأعمال العدائية اليومية في الشرق، فإنها أقصر طريق للوصول إلى كييف وإسقاط النظام هناك.
تغطي منطقة تشيرنوبل نحو ألف ميل مربع على امتداد أقصر طريقٍ مباشرٍ من الحدود مع بيلاروسيا إلى كييف. وفي حين أنه ليس بالضرورة طريق الغزو الأكثر احتمالاً من الشمال، لأنه مليءٌ بالمستنقعات والغابات الكثيفة، لم تستبعد أوكرانيا اتِّباع هذا الطريق.
كان مفهوم المنطقة المحظورة في محطة تشيرنوبل عندما أقامتها السلطات السوفييتية قبل ثلاثة عقود، هو الحد من خطورة الحادث الذي وقع في المحطة النووية، من خلال عزل هذه المنطقة.
تقع الجسيمات المُشِعَّة المتروكة في التربة أو المُحاصَرة تحت هيكل المفاعل المُدمَّر، بينما تتحلَّل ببطءٍ ولن تشكِّل خطراً كبيراً على الجنود، طالما أنهم لم يبقوا في مناطق شديدة الإشعاع. لكن يجب التخلي عن بعض أماكن هذه الأرض لمئاتٍ من السنين.