مع دخول الحرب الروسية على أوكرانيا يومها الثالث عشر، أصبح الكثير من المشاهد التي تصوّر ما يحدث في أوكرانيا، تعيد للذاكرة مشاهد وصوراً لما حلّ بالمدن السورية جراء العمليات التي شنتها روسيا هناك دعماً لنظام بشار الأسد منذ العام 2015.
هذه الحرب التي تشنها روسيا على أوكرانيا تتشابه فيها أساليب الهجوم مع الأساليب التي شنها الجيش الروسي ضد فصائل المعارضة السورية لنظام الأسد، ويبرز التشابه بين ما يجري في أوكرانيا وسوريا بشكل رئيسي في 4 جوانب رئيسية.
الأسلحة الثقيلة
استخدمت روسيا في أوكرانيا عدداً من الأسلحة الثقيلة في قصفها للمدن، وبعضها استخدمتها موسكو في عملياتها العسكرية بسوريا.
السلاح الأخطر والأبرز الذي تستخدمه روسيا في أوكرانيا، القنابل العنقودية، وهو نفس السلاح الذي ضرب به الجيش الروسي أحياء شرق حلب في العام 2016، بعدما حُوصر المدنيون هناك إلى جانب مقاتلين من فصائل المعارضة، إضافة إلى استخدام هذه القنابل ضد مناطق في حمص وإدلب وحماه.
تأكيد استخدام روسيا للقنابل العنقودية في أوكرانيا، جاء على لسان الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرج، الجمعة 4 مارس/آذار 2022، الذي قال في تصريح للصحفيين: "رصدنا استخدام قنابل عنقودية ونرى تقارير عن استخدام أنواع أخرى من الأسلحة، وهو ما يمثل انتهاكاً للقانون الدولي".
العديد من مقاطع الفيديو التي تم التأكد من صحتها، أظهرت استخدام روسيا للقنابل العنقودية المُحرمة دولياً في مناطق عدة بأوكرانيا، من بينها مدينة خاركيف.
تُعرف الذخائر العنقودية بالأضرار العشوائية ومعدلات الوفيات المرتفعة التي تسببها في المناطق المدنية، وهذا النوع من القنابل المستخدم في أوكرانيا وسوريا ينفجر في الجو، وينشر عشرات القنابل الصغيرة على مساحة بحجم ملعب كرة قدم، وفقاً لما ذكرته منظمة "هيومن رايتس ووتش".
إلى جانب القنابل، تستخدم روسيا طائراتها الحديثة من طراز سوخوي في ضرب مواقع أوكرانية، وكان سلاح الجو الروسي أحد أبرز الأسباب التي أدت لتراجع المعارضة السورية لصالح نظام الأسد.
إحدى الطائرات الروسية التي سقطت في مدينة تشيرنهيف بأوكرانيا، ونشرت صورتها وكالة رويترز، من طراز سوخوي 24، ويحمل ذيل الطائرة رقم 24 أيضاً، وهو نفس رقم الطائرة ونوعها، التي ظهرت في أحد التقارير التي أعدتها قناة "روسيا اليوم" من قاعدة حميميم الروسية في سوريا.
دمار المدن
أكثر ما يلفت في مشاهد الحرب الروسية على أوكرانيا، شكل الأحياء والمناطق الأوكرانية التي شهدت عمليات قصف ومواجهات، والتي باتت تشبه إلى حد كبير أحياء ومناطق سورية شاركت روسيا بقصفها وفي الهجوم بالقوات عليها.
العديد من مقاطع الفيديو التي نشرتها وسائل إعلام أوكرانية وغربية، أظهرت مباني مدمرة وأحياء تغيَّر شكلها من شدة القصف، ومنازل تحترق، وشوارع امتلأت بآثار سقوط الصواريخ والمدافع عليها.
هروب المدنيين
الهجوم الروسي على عدد من المدن الأوكرانية إلى جانب المواجهات، تسبب في مغادرة أعداد كبيرة من الأوكرانيين لمنازلهم خوفاً من الموت، وبحسب آخر تقدير للأمم المتحدة، الثلاثاء 8 مارس 2022، فإن ما لا يقل عن مليوني أوكراني أصبحوا لاجئين منذ بداية الهجوم الروسي على أوكرانيا.
مشاهد المدنيين الأوكرانيين الفارين من مدنهم، تشبه إلى حد كبير مشاهد فرار السوريين من القصف الذي كانت تشنه الطائرات الروسية والأخرى التابعة لنظام الأسد، كما أن الشيء المشترك في مشاهد الحرب على أوكرانيا وفي سوريا، حصار المناطق واستهدافها.
من المناطق التي تحاصرها حالياً روسيا، مدينة ماريوبول، وتسعى في ذات الوقت إلى محاصرة كييف وخاركيف وسومي وميكولايف.
كانت روسيا قد شاركت في محاصرة أحياء حلب الشرقية في العام 2016، إضافة إلى مساهمتها في حصار مناطق الغوطة الشرقية بريف دمشق وقصفها، قبل أن يضطر سكانها للخروج عام 2018.
كان تكتيك روسيا في سوريا، يقوم على تطويق ومحاصرة المناطق التي تقاوم قوات الأسد وروسيا، ثم يتم قصفها بالطائرات والمدافع، ووضع المُحاصرين في حالة استنزاف ما يؤدي إلى قتل كثيرين منهم، قبل أن يضطروا للاستسلام.
الممرات "الإنسانية"
عمدت روسيا في سوريا إلى إنشاء ممرات إنسانية للسكان في المناطق التي حاصرتها وقصفتها، وكذلك تفعل الآن في أوكرانيا.
كانت موسكو قد حددت مناطق بعينها سمحت للسوريين المحاصرين بالخروج إليها وخصوصاً مناطق الشمال السوري المحاذية لتركيا.
الأمر نفسه تفعله روسيا في أوكرانيا، حيث حددت للأوكرانيين الراغبين بالخروج من الممرات الإنسانية طرقاً يُجبرون على سلكها، وتفضي بالنهاية إلى الأراضي الروسية أو البيلاروسية.
في الحالة التي كان يخرج فيها المدنيون من المناطق المحاصرة بسوريا ويبقى المقاتلون، كانت روسيا تتبع سياسة "الأرض المحروقة" عبر تكثيف القصف وتوسيع عمليات الهجوم.
أحد المشاهد المتشابهة في عمليات الإجلاء هو "باصات النقل" التي يتم استخدامها لنقل المدنيين، ففي أوكرانيا باتت "الباصات" الصفراء مرتبطة بعملية نقل النازحين واللاجئين، وفي سوريا باتت "الباصات الخضراء" ترمز إلى عمليات تهجير السوريين من مدنهم.
على الرغم من تشابه الأحداث والمشاهد بين أوكرانيا وسوريا، إلا أن المختلف هو وضع اللاجئين، فالبنسبة إلى السوريين كانت خيارات اللجوء أمامهم محدودة، وكان عليهم خوض رحلات الموت في البحار وصولاً إلى أوروبا، أو المشي على الأقدام بين بلدان القارة الأوروبية وصولاً إلى دول اللجوء، في حين أن الدول فتحت أبوابها للاجئين الأوكرانيين.