كشف موقع Middle East Eye البريطاني، في تقرير نشره يوم الإثنين 7 مارس/آذار 2022، عن تعاون مسؤولي الخارجية المصرية مع الدبلوماسيين اليونانيين من أجل إزالة مصر من قائمة البلاد التي تواجه انتقادات من قِبل الاتحاد الأوروبي في الأمم المتحدة بسبب انتهاكات حقوق الإنسان لديها.
حيث حاول الدبلوماسيون اليونانيون إقناع أعضاء الاتحاد الأوروبي الآخرين بإسقاط أية إشارة إلى مصر في بيان موجه إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في 2017، وذلك وفقاً لمذكرة لوزارة الخارجية المصرية حصل عليها موقع Middle East Eye.
تعهُّد يوناني بدعم مصر
لكن بعد أن فشلوا في ذلك، تعهد الدبلوماسيون اليونانيون بالعمل على تخفيف انتقادات الاتحاد الأوروبي الموجهة إلى السجل الحقوقي للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وذلك حسبما أوضحت الوثيقة.
في حين أثارت المذكرة المُسربة تساؤلات حول الدعم الموجه لمصر داخل دوائر الاتحاد الأوروبي برغم الانتهاكات الحقوقية الموثقة واسعة النطاق المشهودة بمصر في ظل حكم السيسي منذ عام 2013.
تأتي كذلك في وقت يواجه فيه مجلس حقوق الإنسان نداءات من نحو 200 مُشرِّع أوروبي لتأسيس آلية لمراقبة حقوق الإنسان في مصر، خلال دورته الـ49 التي بدأت في 28 فبراير/شباط الماضي.
يُذكر أن هذه المذكرة التي يعود تاريخها إلى 28 مايو/أيار 2017، كُتبت عن طريق مسؤولين في مكتب وزير الخارجية المصري الحالي، سامح شكري.
مسودة أوروبية ضد مصر
حيث تصف المذكرة الجهود المزعومة من جانب الدبلوماسيين اليونانيين في بروكسل وجنيف نيابة عن مصر، حينما كان مسؤولو الاتحاد الأوروبي يجهزون مسودة بيان قبل الدورة الـ35 لمجلس حقوق الإنسان، التي كان من المنتظر عقدها في الشهر التالي لذلك التاريخ.
كان البيان سيُقرأ خلال مناقشة البند الرابع، عندما يستطيع أعضاء الأمم المتحدة والمنظمات المعتمدة تسليط الضوء على حالات حقوق الإنسان التي يعتقدون أنها تتطلَّب اهتماماً من المجلس.
فيما استخدم الاتحاد الأوروبي مناقشات البند الرابع بصفة روتينية لانتقاد دول محددة بسبب سجلها الحقوقي. لكن الكتلة لم تدرج بياناً للدورة الـ35 -وهي المرة الأولى التي يفشل فيها الاتحاد الأوروبي في ذلك- بعد عدم اتفاق الدول الأعضاء على الصياغة.
جاء في المذكرة: "أبلغ الدبلوماسيون اليونانيون أنهم أصدروا تعليمات لطلب الحذف التام لأي إشارة إلى مصر، لكنهم يدركون أن هذا من شبه المستحيل؛ في ضوء المعارضة التي يواجهونها من بلاد مُهمة ونافذة داخل الاتحاد الأوروبي".
ورد كذلك أنه إذا فشلت جهود حذف أي إشارة إلى مصر، فسوف يستهدف الدبلوماسيون "تعديل البيان وتلطيفه بقدر الإمكان"، مشيراً إلى أنهم كانوا سيحاولون أن يحذفوا من المسودة أية إشارة إلى "عمليات القتل خارج نطاق القضاء وحالات الاختفاء القسري".
طلب دعم فرنسا لمصر
لكن عند الإشارة إلى الانتقادات المتكررة من قِبل الاتحاد الأوروبي لمصر، أوصى مكتب شكري بـ"إبداء درجة من اللامبالاة لهذه الحركات الطفولية وعدم انشغالنا بها"، وذلك وفقاً لما جاء في المذكرة.
فيما أوصت كذلك بأن يكون حشد تأييد مصر بين أعضاء الاتحاد الأوروبي مقصوراً على اليونان وقبرص والمجر وفرنسا، "من أجل طلب دعم [هذه الدول] لحذف الفقرة التي تشير إلى مصر".
في السياق ذاته لا يزال من غير الواضح ما إذا كان فشل الاتحاد الأوروبي في إصدار بيان خلال الدورة الـ35، متأثراً بالخلافات المتعلقة بموقف الكتلة من مصر، وقيل آنذاك إن اليونان أعاقت البيان، بسبب "انتقاده غير البنّاء الموجه للصين".
لكن في حديث مع وكالة Reuters، قال مسؤول يوناني: "موقف اليونان يتلخص في أن الانتقاد غير البنّاء، والانتقائي في حالات كثيرة، ضد بلاد محددة لا يُيَسِّر تعزيز حقوق الإنسان في هذه الدول، ولا تطوير علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي".
من جانبه قال كلاوديو فرانكافيلا، محامي الاتحاد الأوروبي في منظمة هيومن رايتس ووتش، إن المزاعم المتعلقة بوجود جهود يونانية-مصرية للتأثير على موقف الاتحاد الأوروبي، كانت "مُقلقة للغاية"، وذلك خلال حديثه مع موقع Middle East Eye.
كما أشار فرانكافيلا إلى بيانَي الاتحاد الأوروبي اللذين أصدرهما في مناقشتي البند الرابع للدورتين التاليتين في 2020 و2021، واللذين بدأ كلاهما بالاعتراف بـ"الدور الرئيسي [الذي تضطلع به مصر] على صعيد الأمن والاستقرار الإقليميَّين، وإدارة الهجرة، وجهود مكافحة الإرهاب".
في حين أوضح أن "الاتحاد الأوروبي واصل الإبقاء على نهج شبه الإطراء في صياغته للمخاوف من السجل الحقوقي الخاص بمصر في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وهو ما يأتي على النقيض الصارخ من اللغة الأشد حزماً التي تُستخدم مع بلاد أخرى في البيانين نفسهما".
كما أخبر موقع Middle East Eye قائلاً: "بدلاً من السعي لكيل المديح بلا أساس، ينبغي للاتحاد الأوروبي أن يعيد النظر بجدية في نهجه تجاه مصر، وأن يدين إدانة قاطعة، أزمة حقوق الإنسان في ظل حكم الرئيس السيسي، وأن يتخذ خطوات نحو تأسيس آلية لمراقبة مصر، منتظرة منذ عهد طويل، على أن ترفع تقاريرها إلى الأمم المتحدة".
سجل مصر الحقوقي
تشير مذكرة وزارة الخارجية المصرية كذلك إلى أن مصر ربما تكون قد سعت للتأثير على بيانات سابقة للاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بسجلها الحقوقي.
حيث تصف الانتقادات الموجودة في بيان الاتحاد الأوروبي للدورة الـ34 لمجلس حقوق الإنسان، بأنها "الإشارة الأخف إلى مصر في جميع بيانات الاتحاد الأوروبي"، وتدّعي المذكرة أن البيان "صيغ بالتشاور مع مصر".
كما تتنبأ المذكرة بأن الاتحاد الأوروبي سوف يواصل إثارة الحديث عن انتهاكات حقوق الإنسان في مصر، بسبب "قناعاته بأن هذه البيانات تزعج [مصر]، ومن ثم فإنها تمثل أداة ضغط".
في حين تذكر كذلك غياب "المصالح الضرورية المباشرة" التي تحفز الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي للتعاون مع مصر، مثل "عقود الأسلحة التي تساوي عشرات المليارات، والاتفاقات على استضافة مئات الآلاف من اللاجئين الأجانب، ووجود دور عسكري أو أمني في التعامل مع أي أزمة معينة".
في السياق ذاته يشير مكتب الخارجية المصرية إلى الخطوات، وضمنها الضغط على أوروبا عن طريق عرقلة التعاون في برنامج استشاري حول الهجرة غير النظامية.
كذلك، يشير إلى إلغاء شكري اجتماعاً خُطط لعقده مع فيديريكا موغيريني، الممثلة العليا لسياسة الأمن والشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي، بوصفه مثالاً على "المواقف التنفيذية التي تنقل إلى الجانب الأوروبي رسالة امتعاض من جانبنا بطريقة براغماتية".
تسريبات مزعومة
من جانبه قال المتحدث باسم الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمنية للاتحاد الأوروبي، بيتر ستانو، في تصريح لموقع Middle East Eye، إنه بينما لن يعلّق الاتحاد الأوروبي أبداً على التسريبات المزعومة، "فإن حقوق الإنسان تعد أساسية بالنسبة لتعامل الاتحاد الأوروبي مع مصر، وليست مرهونة بجوانب أخرى من تعاوننا".
كما أوضح موقع Middle East Eye أنه تواصل مع وزارتي الخارجية المصرية واليونانية للحصول على تعليق، لكنه لم يتلقَّ أي ردٍّ حتى وقت النشر.