اضطر طلاب تونسيون في أوكرانيا إلى الهروب من "المذبحة المحتملة" التي كان يمكن أن يتعرضوا لها داخل البلاد، إلى الفوضى على الحدود الرومانية التي تشهد تدفق بعض الأجانب واللاجئين الأوكرانيين منذ بدء العملية العسكرية الروسية قبل نحو أسبوع، طبقاً لما أورده موقع Middle East Eye البريطاني، الخميس 3 مارس/آذار 2022.
كانت بعض القوى السياسية والشخصيات التونسية قد استنكروا ما وصفوه بـ"تأخر وتخبُّط" سلطات بلادهم في إجلاء مواطنيها العالقين في أوكرانيا.
فيما كان "فضي"، وهو طالب تونسي، يحلم بأن يكون طبيباً، لذلك عندما بدأ سنته الأولى بكلية الطب في مدينة دنيبرو بشرق أوكرانيا في يناير/كانون الثاني الماضي، لم يعتقد قط أن الغزو الروسي سيُوقفه عن مساره، بعد ثلاثة أشهر فقط من بدايته، حيث إنه لم يعد طالباً، بل أصبح لاجئاً.
كان "فضي"، القادم من مدينة صفاقس الساحلية، يخطط للبقاء في دنيبرو لمدة ست سنوات. الآن يحتاج إلى مكان آخر للدراسة والعيش.
في حين قال "فضي" لموقع Middle East Eye البريطاني بعد وصوله إلى معبر سيريت الحدودي بين أوكرانيا ورومانيا، يوم الإثنين 28 فبراير/شباط: "لقد أمضيت ثلاثة أيام مستيقظاً قبل مغادرتنا. كانت هناك طائرات جوية تحلق فوق دنيبرو وكنا نسمع القنابل وصفارات الإنذار طوال الليل".
خبرة التعامل مع الأزمات
يعد "فضي" واحداً من آلاف الطلاب العرب الذين فروا من أوكرانيا إلى رومانيا. لكنه أوضح أن إجلاءهم يرجع الفضل فيه إلى رجل واحد فقط هو نديم البحري.
في غضون ذلك، وصلت الطالبة الجزائرية أسماء، التي يعيش والداها في تونس العاصمة، مع "فضي"، مساء الإثنين. وأخبرت الموقع البريطاني بأنها مدينةٌ بكلِّ شيءٍ لنديم البحري، الذي نظَّم عملية الإجلاء، رغم أنها كانت على اتصالٍ بالحكومة التونسية.
و"البحري" هو طبيب تونسي ومدير Dnipro Service، وهي شركة استشارات تعليمية تساعد الطلاب من شمال إفريقيا للتقدم إلى الجامعات في أوكرانيا منذ عام 2006.
من جهته، أوضح "البحري" أنه اعتاد إدارة الأزمات الآن. في البداية كان القتال في دونباس في عام 2013، ثم جائحة كوفيد-19 في عام 2020، مضيفاً: "لدينا بالفعل خبرةٌ لوجستية لإجلاء الأشخاص من أوكرانيا".
تنسيق إجلاء الطلاب
كما أجرى "البحري" وفريقه اتصالات مع السفير التونسي في موسكو؛ لتنسيق إجلاء الطلاب التونسيين من أوكرانيا.
في الإطار ذاته، كان الشابي وعبيد، المتطوعان اللذان أرسلتهما السفارة التونسية في صربيا، يحاولان العثور على دفعة جديدة من الطلاب الذين كان من المفترض أن يَصلوا ذلك الصباح، وذلك في أثناء وجودهما عند معبر سيريت الحدودي يوم الثلاثاء 1 مارس/آذار الجاري.
بينما جمعت الحكومة التونسية موظفيها من السفارات عبر أوروبا الشرقية معاً ونشرتهم عند كل معبر حدودي لاستقبال الطلاب الوافدين. وبعد ساعةٍ من البحث عنهم في كل مكان، وصل الأول. عندما دخل، كان عبد الله، طالب الطب البالغ من العمر 22 عاماً في عامه الرابع، يرتدي سترة بعباءة من الفرو وكان يسحب حقائبه بحثاً عن وجه مألوف.
بدورهم، رحب مبعوثو السفارة التونسية بعبد الله، في حين قدَّم المتطوعون الرومانيون المأكولات والمشروبات الساخنة. واستغرق عبد الله 22 ساعة للوصول من دنيبرو إلى الحدود، ولم ينم دقيقة واحدة في الطريق.
تعقيباً على تلك الرحلة الشاقة، قال عبد الله: "كان هناك كثير من نقاط التفتيش. كل نصف ساعة كانت هناك واحدة وكانوا يتحققون من وثائقنا".
كان هناك 30 تونسياً فقط في هذه الدفعة، أي أقل بكثير من الـ250 في الليلة التي سبقتها.
بعد ذلك، كان أحمد، البالغ من العمر 22 عاماً، والذي كانت يده اليمنى في قالبٍ من الجبس بعد أن تحطَّمَت بين بابي مترو الأنفاق في مترو دنيبرو، يعبر المعبر، وقال: "قالب الجبس سيئ، أحتاج إلى إعادة كلِّ ذلك حين أصل إلى تونس".
إلى جانب أحمد، كانت يوشكا، كلبته من سلالة يوركشاير تيرير، واقفةً وترتجف من البرد القارس؛ الأمر الذي دفع الشابي أخذها إلى الحافلة، حيث سيغادر الوافدون الجدد قريباً إلى بوخارست، حيث ستقلهم رحلات الطيران العارض إلى تونس العاصمة.
"تأخُّر تحرك السلطات التونسية"
كان تونسيون مقيمون بأوكرانيا قد طالبوا سلطات بلادهم بتخصيص طائرة لإجلائهم إلى تونس، في إطار المخاوف من تداعيات الأزمة.
من جهتها، استنكرت حركة النهضة التونسية، في بيان أصدرته السبت 26 فبراير/شباط الماضي، "تأخُّر" سلطات بلادها في إجلاء مواطنيها العالقين بأوكرانيا، لافتة إلى أنها "تتابع بقلق كبير، تداعيات الحرب، على أوضاع أبناء الجالية التونسية المقيمين بها".
فيما دعت السلطةَ القائمة إلى "تحمُّل مسؤوليتها في التعجيل بالتدارك واتخاذ ما يلزم من الإجراءات لحماية التونسيين وتسهيل عودتهم إلى أرض الوطن"، مُعبّرة عن "تعاطفها وتضامنها التام مع أبنائها (التونسيين) العالقين بأوكرانيا وعائلاتهم"، متمنية لهم "العودة (لتونس) في أقرب الآجال".
يشار إلى أن أول رحلة جوية تحمل تونسيين قادمة من رومانيا كانت قد وصلت يوم الثلاثاء 1 مارس/آذار، إلى مطار قرطاج الدولي في العاصمة تونس.
جدير بالذكر أن أكثر من 1500 تونسي يقيمون بأوكرانيا ويتركزون في 4 مدن، هي أوديسا على البحر الأسود، ودينبرو وخاركوف على حدود روسيا، ونسبة ضئيلة بالعاصمة كييف، وفق جمعية "الجالية التونسية في أوكرانيا".