بقبقاب خشبي يُحدث ضجيجاً على الأرضية، دخل فارس ملتفاً بعدة "مناشف"، متجهاً نحو النرجيلة التي أعدها له أحد العاملين في الحمام، وانتظر الأخير حصوله على إكراميته المعتادة.
اعتاد فارس منذ حوالي شهرين القدومَ إلى حمام السوق بشكل أسبوعي، ليس حباً بالعادات والتقاليد، ولا رغبة منه في إحياء الماضي، وإنما بحثاً عن ماء ساخن وجو دافئ يمكنه من الاستحمام، بعدما استحال الأمر في منزله مع استمرار انقطاع الكهرباء بشكل غير منطقي.
ويقول فارس إن الكهرباء باتت شبه غير موجودة في منزلهم، فهي تأتي ساعة وتغيب خمس ساعات متواصلة، وخلال قدومها تنقطع عدة مرات بحجة الضغط على شبكة الكهرباء مع الاستهلاك المرتفع، ويتابع فارس أن هذا الوضع جعل من موضوع تسخين الماء أمراً مستحيلاً، وخاصة مع أيام الشتاء الباردة، وبعدما اضطر في إحدى المرات الانتظار عدة أيام كي يتمكن من الاستحمام قرر إيجاد حل لهذه الأزمة، وكان الحل الأنسب التوجه لحمام السوق، ويختم مبتسماً: "بهذه الطريقة أوفر فرصاً لبقية أفراد أسرتي كي يتمكنوا من الاستحمام".
لم يُنكر فارس أن هذه الخطوة زادت من مصاريفه الشهرية وحمَّلته عبئا جديداً كان في غنى عنه، لكنه لا يملك حلاً أفضل، ومع الأيام بات المكان له عنده طابع خاص، إذ يجتمع فيه مع أصدقائه الباحثين عن حمام ساخن.
تسخين الماء شبه مستحيل
وفي الحمام ذاته، جلس رجلان ملتفان بالمناشف أيضاً يتبادلان بعض الأحاديث، وأكدا أنهما يزوران الحمام بشكل أسبوعي، وهما مستمتعان بالمكان، ويشرح أحدهما وهو يقيم في منطقة جديدة عرطوز في ريف العاصمة، بأن الكهرباء تأتي نصف ساعة خلال اليوم فقط، وبالتالي من المستحيل تسخين الماء، وحتى المياه غير متوفرة في منطقتهم، وهم يشترونها بزمن مرتفع، فسعر العشرة براميل يبلغ عشرين ألف ليرة سورية، لهذا وجدا أن القدوم للحمام والاستحمام أوفر وأمتع.
ويخبرنا صاحب الحمام بأنهم يستخدمون المازوت لتسخين الماء، وفي الماضي كانوا يستخدمون الحطب ولكن الحمام اليوم غير مهيّأ لاستخدام هذه المادة، وهو أيضاً مرتفع السعر ثمن الكيلو 1500 ليرة سورية، ويشتكي صاحب الحمام من أزمة المحروقات الغائبة التي تكبده مبالغ طائلة وتدفعه مع استمرار انقطاع الكهرباء للاعتذار من الزبائن وإغلاق الحمام.
بعيداً عن الحمامات العامة، قرر سامي الالتحاق بنادٍ رياضي بعد عمله كي يتمكن من الاستحمام هناك، وأوضح سامي أنه يدفع شهرياً حوالي 50 ألف ليرة كرسم اشتراك، وهو غير مهتم بممارسة التمارين بقدر اهتمامه بالماء الساخن الموجود هناك.
فالرياضة بعد سبع ساعات عمل أمر غير ممتعة بالنسبة له، ولكن تسخين الماء على الغاز هو أمر أكثر عناء، ويشرح سامي أن الغاز غير متوفر أيضاً ولا يمكنه خسارة جرة الغاز التي يبلغ سعرها بالسوق السوداء حوالي 100 ألف ليرة سورية من أجل الاستحمام، وهو مبلغ غير قليل، كما أن استخدام الطاقة الشمسية أمر غير ممكن له فهو مقيم بالأجر وتكلفة تجهيزات الطاقة الشمسية تبلغ حدود المليوني ليرة، لهذا كان النادي حلاً مثالياً يوفر له نوعاً من التسلية وحماماً دافئاً.
الشمس للتدفئة
على كراسي الحدائق انتشر عدد كبير من الناس حاول كل منهم اختيار أفضل موقع للتدفئة بأشعة الشمس بدلاً من البقاء في المنزل والتعرض للبرد، ويخبرنا أحد الجالسين بأنه يمضي عدة ساعات في الحديقة أو التنزه في الشوارع من أجل تدفئة جسده، فالبيوت باردة من الداخل على خلاف الشوارع في هذه الفترة من العام، ويتابع أن المازوت المستخدم في المدافئ غير متوفر بكثرة، وفي حال رغب بشرائه من السوق السوداء سيكلف اللتر الواحد حوالي 3 آلاف ليرة، كما أن التدفئة بالكهرباء مستحيلة مع الانقطاعات المستمرة لها.
وفي الحديقة نفسها تجمعت عدة نسوة لتناول الفطور على العشب، واصطحبت كل منهن صنفاً خاصاً وبدأن تبادل الأحاديث، وأخبرتنا إحداهن أنهن قررن الاستفادة من دفء الطقس والاجتماع في الخارج كي يمنحن بطارية الشحن في منازلهن فرصة كي تمتلئ، وفي الوقت ذاته لتقليل استخدام الغاز لتحضير القهوة أو الشاي، كما أن ذهابهن للمطعم أمر شبه مستحيل.