وجَّهت السلطات المصرية اتهامات بنشر "أخبار كاذبة" لمحتجزين شُوهِدوا في مقاطع فيديو وهم يتعرضون للتعذيب في قسم شرطة بالقاهرة، وأضافت -وفقاً لما نشرته صحيفة The Guardian البريطانية- أن المعتقلين هم مَن تسبَّبوا في الإصابات التي لحقت بهم.
وصوَّرَ ما يصل إلى 13 شخصاً محتجزين في قسم شرطة السلام الأول، مُتَّهمين بارتكاب جرائم صغيرة غير معروفة، مقاطع فيديو متعدِّدة يقولون إنها تُظهِر الانتهاكات التي تعرَّضوا لها على أيدي ضباط الشرطة وقوات الأمن.
إذ تُظهِر مقاطع الفيديو التي سُجِّلت في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وحصلت عليها صحيفة The Guardian البريطانية، معتقلين مُعلَّقين في وضعٍ مؤلم وأيديهم مربوطة خلف ظهورهم. ونُشِرَ مقطعٌ يُظهِر عدة محتجزين يتحدثون إلى الكاميرا وهم يشيرون إلى إصاباتهم، بما في ذلك كدماتٌ كبيرة وجروحٌ في الرأس.
تعليق السلطات المصرية
بعد نشر المقاطع على الإنترنت، زعمت النيابة المصرية أن المعتقلين هم مَن "تسبَّبوا في إصاباتٍ لأنفسهم"، باستخدام عملة معدنية، وأضافت أن السلطات صادرت الهواتف المحمولة المستخدمة في تصوير مقاطع الفيديو.
وقال عمرو مجدي، من منظمة هيومن رايتس ووتش، الذي راجع مقاطع الفيديو: "بناءً على ما رأيته في مقاطع الفيديو، بدت المقاطع أصلية. ومع ذلك، تصف النيابة الإصابات التي لحقت بهم على أنها سبَّبها المحتجزون أنفسهم باستخدام عملة معدنية، وهو أمرٌ غير منطقي تماماً ولا يتطابق في الواقع مع نوع علامات الضرب والجروح التي تظهر في مقاطع الفيديو". وأضاف: "تصريحات النيابة ليست حتى مخيبة للآمال. أعتقد أن الكلمة الصحيحة هي أنها محاولةٌ مضحكة للتغطية على انتهاكات الشرطة".
كما أشار مجدي إلى أن النيابة لم تأتِ على أيِّ ذِكرٍ لمقطع فيديو يُظهِر محتجزين اثنين معلقين في وضع مؤلم وأذرعهما خلف ظهورهما، وهو أمر يكاد يكون من المستحيل على أيِّ معتقلٍ أن يفعله بنفسه.
وبحسب أحد شهود المحاكمة، مَثلَ المعتقلون أمام نيابة أمن الدولة العليا في مصر بعد بيان النيابة بتهمة الانتماء إلى جماعة إرهابية، وإساءة استخدام الإنترنت، ونشر معلومات كاذبة بقصد تقويض الأمن القومي، وتلقي أموال أجنبية بشكل غير قانوني.
ظلَّ المعتقلون محتجزين منذ ذلك الحين على ذمة المحاكمة، ومنذ اندلاع جائحة كوفيد، يمكن عقد جلسات الاستماع عن بُعد من خلال شبكاتٍ تلفزيونية آمنة تربط المحكمة والمُدَّعى عليهم. لقد سهَّلَ ذلك احتجاز المعتقلين إلى أجلٍ غير مسمى.
كان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قد أشاد باستراتيجية الحكومة الوطنية لحقوق الإنسان، ووصفها بأنها "علامةٌ فارقة في تاريخ مصر"، عندما أُطلِقَت العام الماضي 2021. وأوضحت الاستراتيجية أن "حقوق الإنسان في مصر تُعزَّز في مؤسسات الشرطة"، وأن "التعذيب بأشكاله كافة جريمة" لا تسقط بالتقادم.
محمد لطفي، من المفوضية المصرية للحقوق والحريات، وهي منظمة حقوقية مقرها القاهرة، قال إنه يعتقد أن السلطات قامت بقمع المحتجزين في قسم شرطة السلام لمنع المعتقلين الآخرين في المقام الأول من تصوير أو بث مقاطع فيديو مماثلة، وأضاف: "أعتقد أن مقاطع الفيديو أحدثت الكثير من الضوضاء ونُشِرَت على نطاقٍ واسع… كانت الفكرة هي التنكيل بهم بقوة من أجل أن يكونوا عِبرة". وأضاف: "الآن إذا تم تسريب مقطع فيديو، حتى لو أرسله المحتجزون إلى أفراد عائلاتهم، فسيكون أفراد الأسرة قلقين بشأن نشره، لأنهم لا يريدون أن يزيد الوضع سوءاً".
انتقادات لحقوق الإنسان في مصر
يأتي هذا في وقت تواجه فيه مصر انتقادات متواصلة من منظمات حقوقية ودول غربية بشأن وضع حقوق الإنسان في بلاده؛ حيث وجَّهت دول غربية، من بينها أمريكا، انتقاداً نادراً لمصر، حيث دعتها في بيان موحَّد إلى وضع نهاية لملاحقة النشطاء والصحفيين والمعارضين السياسيين بموجب قوانين مكافحة الإرهاب، كما حثتها على الإفراج عن المعتقلين منهم دون قيد أو شرط.
البيان المشترك الذي اعتبرته وكالة رويترز للأنباء الأول من نوعه تجاه مصر منذ تسلّم الرئيس عبد الفتاح السيسي الحكم في البلاد عام 2014، يأتي بعد أن وقَّعت عليه 31 دولة، بينها الولايات المتحدة الأمريكية، وتلته فنلندا أمام مجلس حقوق الإنسان في جنيف.
حيث طالبت 31 دولة أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة مصرَ بالتوقف عن اللجوء إلى قوانين مكافحة الإرهاب لتكميم أفواه المعارضين والمدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين وإبقاء المنتقدين في الحبس الاحتياطي إلى أجل غير مسمى.