دقت طبول الحرب بين روسيا وأوكرانيا، ونفذت موسكو وعيدها، وبدأت عملياتها العسكرية على جارتها الشرقية، فبدأت عملية نزوح الآلاف من الطلاب المغاربة في أوكرانيا والملايين الهاربين من ويلات الحرب للبحث عن أرضٍ آمنة.
وفي أوكرانيا يوجد ملايين من الجالية العربية، إلا أن الاستثناء أن البلد أصبح قبلة للراغبين في إكمال دراساتهم العليا، إذ يتوجه سنوياً الآلاف من المغاربة إلى مختلف الجامعات الأوكرانية.
ويعتبر الطلاب المغاربة في أوكرانيا ثاني أكبر جالية أجنبية تدرس في الجامعات الأوكرانية، إذ يُقدر عددهم بـ12 ألف طالب، يدرسون بدرجة أولى الطب والصيدلة والدراسات الدبلوماسية.
ويلجأ الطلبة المغاربة للدراسة في أوكرانيا أولاً بسبب تسهيلات دخول كليات مميزة كالطب والصيدلة والهندسة، على عكس المغرب، الذي يفرض مجموع درجات عالياً، بالإضافة إلى انخفاض تكلفة العيش في أوكرانيا مقارنة بدول أوروبية أخرى.
وفور بدء تهديد روسيا لأوكرانيا بالحرب، طالب المغرب الطلاب المغاربة في أوكرانيا بمغادرة البلاد، وخصَّص لهم طائرتين، لكن بعضهم اختار طواعية عدم المغادرة.
وعاد من الطلبة المغاربة ما بين 3 آلاف و4 آلاف طالب، عقب طلب السفارة المغربية بالعودة قبل بداية القصف، فيما يوجد حالياً ما بين 8 آلاف و9 آلاف طالب ما زالوا عالقين تحت القصف.
رحلة الهرب للحدود
يخوض آلاف الطلاب المغاربة في أوكرانيا رحلة الهروب إلى الحدود الشرقية للبلاد، هرباً من القصف الروسي، الذي استهدف المدن الشرقية والجنوبية في أوكرانيا.
ولليوم الثاني يخوض أيمن خطيف، الطالب بجامعة خاراكوف الأوكرانية، رحلةً على متن القطار للتنقل من مدينته التي يدرس فيها شرق أوكرانيا إلى مدينة أوديسا، ثم إلى الحدود الغربية، ليستطيع مغادرة التراب الأوكراني.
يقول أيمن إنه كان من الصعب جداً ركوب القطار، بسبب تدافُع مئات الأشخاص الأوكرانيين والأجانب، وكان من الضروري تشكيل جماعة للدخول بالقوة إلى القطار.
أيمن الذي يتابع معه "عربي بوست" مسار الرحلة، منذ يوم أمس، على الساعة الثانية بتوقيت غرينتش، يقول إنه ركب القطار من المحطة رفقة المئات من الأشخاص.
وبعد مرور 24 ساعة تقريباً يقول أيمن إن القطار توقف أكثر من 3 ساعات في الظلام، بعدها قرر التحرك، لكن عكس المسار الذي كان يسلكه، وعاد بالاتجاه الذي جاء منه، يعني غرب البلاد.
أيمن شأنه شأن الآلاف من الطلبة يحاول اتباع التعليمات التي وضعتها وزارة الخارجية المغربية، التي طلبت منهم التوجه إلى حدود ثلاث دول مجاورة، وهي رومانيا وهنغاريا وسلوفاكيا، حيث سيتم إنشاء خلايا للاستقبال والمرافقة.
تقول مريم خطيف، شقيقة أيمن لـ"عربي بوست"، إن "شقيقي تأخر في عودته للبلاد هو وآلاف مثله بسبب الإجراءات، كأوراق سفرهم المعطلة، مثل الإقامة وجواز السفر، وتصريح اللقاح الصحي، الذي سيخول لهم الدخول أو العودة إلى أوكرانيا مستقبلاً".
تضيف مريم أن "هذه الإجراءات كان من الضروري القيام بها، لأنه من دونها لن يتم استقبالهم مرة أخرى، وتضيع سنوات دراستهم وجهودهم"، مضيفة "كنا عازمين إعادته للمغرب في أول طائرة، لكن القوات الروسية هاجمتهم الليلة الموالية".
الطلاب المغاربة في أوكرانيا
أما في خراكوف وسومي فالأمر أشبه بـ"نهاية العالم"، هكذا وصف أحد الطلبة الذي تواصل معه "عربي بوست" لدقائق، قبل أن ينقطع الخط ثم يختفي حتى عن عائلته.
وحسب مصادر من المكان عينه فإن الطلبة في خراكوف، الذين لم يستطيعوا المغادرة إلى اليوم الأحد، 27 فبراير/شباط 2022، وجدوا أنفسهم مقيدين بسبب ضعف شبكة الإنترنت، وتعطل نظام البنواك والمصارف، وبالتالي وجدوا أنفسهم من دون أموال كافية للرحلة.
ولأنها حالة الحرب، فالمؤونة أصبحت شبه مختفية في مدينة خراكوف وسومي بدرجة أولى، كما أن القوات الروسية، حسب مصادر من المكان نفسه التجأت إلى قنوات توزيع الغاز وقامت بتعطيلها.
وقضى طلاب مغاربة كغيرهم من المواطنين المقيمين في أوكرانيا ليلة تحت الأنفاق، للهروب من القصف الروسي الذي استهدف مناطق سكن المدنيين، وذلك تنفيذاً لتعليمات السلطات الأوكرانية.
وانتشرت العشرات من التسجيلات على مواقع التواصل الاجتماعي، خصوصاً إنستغرام، للطلبة يوثقون عملية القصف الروسي على أماكن استقرار المدنيين، بالإضافة إلى عملية الاختباء في الملاجئ، وعملية النزوح إلى الحدود الغربية لأوكرانيا.
تحركات رسمية
ونظّمت عائلات الطلبة المغاربة العالقين في أوكرانيا، أمس الأول الجمعة، 25 فبراير/شباط 2022، وقفةً احتجاجية أمام مقر وزارة الخارجية في العاصمة الرباط، للمطالبة بالعمل على ترحيل العالقين.
والدة أحد الطلبة العالقين على الحدود البولونية تقول في حديثها مع "عربي بوست" إنها تواصلت مع الرقم الذي وضعته وزارة الخارجية، وأخبرتهم بأن ابنها عالق على الحدود مع بولونيا، في درجة حرارة متدنية، ولا يستطيعون اجتياز الحدود".
تقول المتحدثة "إن الجيش البولوني أعطى الأولوية للأوكران، لكن السفارة أخبرتها بضرورة تحلي الصبر، لأن حالة الحرب على الجميع، والسلطات المغربية نسقت من أجل السماح للمغاربة باجتياز المعابر الحدودية مع ثلاث دول".
أُم الطالب التي تحدثت لـ"عربي بوست" ليست الوحيدة، فآلاف الأسر المغربية تنتظر مرابطةً أمام جهاز الهاتف، لانتظار خبر من فلذات أكبادها.
وعن عدم مغادرتهم أوكرانيا قبل بداية القصف، يقول بعض الطلبة المغاربة في أوكرانيا لـ"عربي بوست"، إن الجامعات لم تسمح لهم بالمغادرة، ولم يحصلوا على ترخيص عميد الجامعة، الضروري لمغادرة التراب الوطني.
وأضافت المصادر ذاتها أن الذين غادروا قبل بدء القصف أغلبهم حاصل على الشهادات الجامعية، ويخضع لفترة تدريب، وبالتالي فهو غير محتاج للترخيص، أما غير ذلك فكان من المستحيل المغادرة.
أيضاً، من بين أسباب عدم مغادرة أوكرانيا قبل بدء القصف، اتباعاً لتعليمات وزارة الخارجية، كما يقول بعض الطلبة، أن الجامعة تتحفظ على جوازات سفرهم إلى حين إتمام رسوم التسجيل، فكانوا مضطرين إلى الانتظار بعض الأيام حتى إتمام هذه الإجراءات، لكن الحرب كانت أسرع منهم.
وكان مصدر مطلع كشف لجريدة هسبريس أن 181 مغربيا وافدا من أوكرانيا اجتازوا إلى حدود أمس السبت مختلف نقط العبور الحدودية بالبلاد.