وسط تحذيرات بيئية خطيرة، قال موقع Business Insider الأمريكي، الأحد 20 فبراير/شباط 2022، إن التقديرات الحديثة تشير إلى أن سكان العالم يستخدمون نحو 129 مليار قناع وجه كل شهر، أي ما يقرب من 3 ملايين قناع في الدقيقة، وذلك بعدما اشتدت الحاجة إلى الأقنعة ضمن التدابير الاحترازية الرامية لمكافحة جائحة فيروس كورونا المستجد.
فيما كشفت دراسة أُجريت في ديسمبر/كانون الأول 2021، عن زيادة بنسبة 9000% في كمية نفايات الأقنعة بالمملكة المتحدة خلال أول سبعة أشهر من الوباء.
كانت مخلفات الأقنعة تسربت إلى كل ركن من أركان حياتنا، من أرصفة المدن إلى مراكز الإنترنت والتجمعات، وكما جرفتها أمواج البحار إلى شواطئ جزر سوكو النائية في هونغ كونغ، حمَلتها لتخنق أسماك الأخطبوط قبالة سواحل فرنسا.
يأتي ذلك بعدما تحولت الأقنعة ذات الاستخدام لمرة واحدة إلى علامة بارزة على عصر جائحة كورونا، لكن هذه الأقنعة كانت وما زالت، منذ أول إقرارٍ لتدابير الإغلاق والاحتراز من الوباء في عام 2020، كارثةً بيئيةً في طور التكوُّن.
جبال من النفايات
حيث أعرب علماء ومدافعون عن البيئة عن مخاوف جمة بشأن الزيادة المطردة في جبال النفايات الناتجة عن مخلفات الأقنعة الطبية. وهم يتوقعون أن تكون لهذه النفايات عواقب وخيمة على البيئة، خاصة عندما تشق هذه الأقنعة طريقها المحتوم إلى موارد المياه من أنهار وبحيرات وبحار ومحيطات.
كذلك، تشمل المخاوف حلقات الأذن البلاستيكية في الأقنعة ومخاطر وصولها إلى السلاحف والطيور وغيرها من الحيوانات، فضلاً عن أن الأسماك قد تتغذى على ألياف البلاستيك الداخلة في صناعة الأقنعة، وتنقلها إلى الإنسان عند تناولها.
إضافة إلى ذلك، أجرى فريق علمي بقيادة ساربر سارب، أستاذ هندسة الكيمياء في جامعة سوانسي في ويلز، دراسة عن تلوث الأقنعة، اختبروا فيها تسعة أنواع من الأقنعة ذات الاستخدام لمرة واحدة، ليكتشف سارب وفريقه أن جزيئات البلاستيك الدقيقة المنبعثة عن الأقنعة بعد غمرها في الماء لمدة معينة والعصارة الناتجة عنها -أي الجزيئات المنبعثة في السوائل- شبيهة بسائل شاي مسموم.
جسيمات سامة
من جهته، أكد سارب أن الأقنعة نتجت عنها كميات كبيرة من الجسيمات النانوية من مواد السيليكون والمعادن الثقيلة، مثل الرصاص والكادميوم والنحاس وحتى الزرنيخ، حتى إن كل قناع يطلق مئات -وأحياناً آلاف- الجسيمات السامة، وهي مواد يمكن أن تسبب أضراراً تعطِّل سلاسل الغذاء البحرية بأكملها وتلوث مياه الشرب.
بدوره، يقول جون هوسيفار، مدير قسم حماية المحيطات بمنظمة Greenpeace USA الأمريكية: "إن شركات صناعة البلاستيك وجدت في أزمة كورونا فرصةً سانحة [لنشر منتجاتها من البلاستيك]، واجتهدوا لإقناع صناع السياسات وعامة الناس بأن المواد القابلة لإعادة الاستخدام ملوثة وخطيرة، وأن الاعتماد على منتجات البلاستيك التي تستخدم لمرة واحدة أمرٌ ضروري للحفاظ على سلامتنا".
الاستهلاك العالمي للبلاستيك
بحسب موقع Business Insider، بلغت حملة العلاقات العامة التي أطلقتها كبرى شركات البلاستيك بالولايات المتحدة ذروة مكاسبها في يوليو/تموز 2020، عندما أدلى رئيس اتحاد صناعة البلاستيك ومديره التنفيذي ببيانٍ أمام الكونغرس، قال فيه إن منتجات البلاستيك ذات الاستخدام لمرة واحدة ضرورةٌ صحية في ظل الوباء، وزعم أن "هذا البلاستيك ينقذ أرواح الناس".
بينما لفت خبراء حماية البيئة إلى أن حملة ترويج الخوف التي شنتها شركات صناعة البلاستيك آتت أكلها، فقد كشف تقرير "منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية" عن زيادة بنسبة 300% في الاستهلاك العالمي للبلاستيك المستخدم لمرة واحدة منذ أن بدأت جائحة كورونا.
كما أن تحايل شركات البلاستيك بأهمية الأقنعة في ظل الجائحة وفَّر عذراً منطقياً للحكومات في تقاعسها عن تمويل حلول مستدامة أو بديل عن الأقنعة ذات الاستخدام لمرة واحدة.
في حين زاد، خلال الشهور الأخيرة، انتشار متحورات كورونا شديدة العدوى، مثل "دلتا" و"أوميكرون"، وزاد معه ترويج مسؤولي الصحة العامة لاستخدام أقنعة التنفس الأشد فاعلية مثل أقنعة KN95s وN95s غير الجراحية، بدلاً من أقنعة القماش القابلة لإعادة الاستخدام، ومن ثم يُتوقع أن يستمر إنتاج الشركات لأقنعة الاستخدام لمرة واحدة شهوراً مقبلة.
لكن الحل لأزمة نفايات الأقنعة يبدو أنه لن يأتي من الحكومات، بل من الشركات الناشئة التي قد تبتكر حلاً للنجاة من هذه الكارثة.
إذ يقول هوسيفار، من منظمة Greenpeace USA، إن "الشخص الذي سيبتكر معدات وقاية شخصية قابلة لإعادة الاستخدام وبأسعار مقبولة سيكسب أموالاً كثيرة"، لكن هذا الحل قد لا يكون كافياً أو فعالاً في الحد من أزمة نفايات الأقنعة.
في سياق متصل، أظهر إحصاء لوكالة رويترز، الأحد 20 فبراير/شباط الجاري، أن أكثر من 421.72 مليون نسمة أُصيبوا بفيروس كورونا المستجد على مستوى العالم، في حين وصل إجمالي عدد الوفيات الناتجة عن الفيروس إلى ستة ملايين و251057.
فيما تم تسجيل إصابات بالفيروس في أكثر من 210 دول ومناطق منذ اكتشاف أولى حالات الإصابة في الصين في ديسمبر/كانون الأول 2019.