كما باقي دول العالم، يُطلق لقب السيدة الأولى في تونس على زوجة الرئيس، لكن في قصر قرطاج يبقى الأمر ربما مختلفاً، فالسيدة الأولى لا تكون بعيدة عن حكم زوجها، بل كل واحدة منهن تركت بصمتها في الحكم.
وعرفت تونس سبع سيدات أُول وهُن زوجات لخمسة رؤساء، زوجتين لبورقيبة، وزوجتين لبن علي، وزوجة للمبزع، وزوجة للمرزوقي، وزوجة للباجي قائد السبسي، وزوجتي محمد الناصر وفي الأخير زوجة قيس سعيد.
السيدة الأولى في تونس
كانت أول سيدة أولى في تونس هي الفرنسية ماتيلد لوران، التي تغير اسمها إلى مفيدة بورقيبة بعد زواجها من أول رئيس لتونس لحبيب بورقيبة، إلا أن دورها السياسي كان ضعيفاً.
بدأت قوة السيدة الأولى في تونس مع قدوم وسيلة بن عمار، الزوجة الثانية للحبيب بورقيبة، والتي لعبت دوراً سياسياً نشيطاً أثناء استقرارها في قصر قرطاج لمدة أربعة وعشرين عاماً.
كانت وسيلة بن عمار أو ورقيبة، التي حملت لقب "الماجدة" تمثل السلطة الموازية لحكم الرئيس بورقيبة منذ تعرفه عليها وهي امرأة متزوجة، وحتى اقترانه بها في حفل ما زال أرشيف التلفزيون التونسي يحتفظ به.
لعبت وسيلة بورقيبة دوراً كبيراً في الحياة السياسية التونسية، فالمرأة ركزت قوتها وأصبحت تضغط لتسمية عدد من الوزراء في الحكومات التونسية في عهد زوجها، كما أنها كانت وراء الإطاحة بعدد كبير منهم.
ومن بين الوزراء الذين ساهمت وسيلة في الإطاحة بهم الوزير أحمد بن صالح سنة 1969، كما أنها حالت دون تسمية محمد الصياح وزيراً أول سنة 1980، وكانت وراء تسمية محمد مزالي لهذا المنصب ولكنها ما لبثت أن انقلبت عليه هو الآخر بعد ذلك.
وكما السياسة الداخلية، لعبت الزوجة الثانية لبورقيبة دوراً هاماً في السياسة الخارجية لتونس عندما حملت لقب السيدة الأولى في تونس، إذ إنها وقفت ضد الوحدة مع ليبيا التي أعلنت يوم 12 يناير/كانون الثاني 1974.
أيضاً، كانت السيدة الأولى في تونس داعمة للقضية الفلسطينية، وكانت وراء استضافة الفلسطينيين في تونس بعد إخراجهم من العاصمة اللبنانية بيروت سنة 1982.
وكانت وسيلة بورقيبة وراء تعيين الكثير من الحكومات في تونس في عهد زوجها الرئيس الحبيب بورقيبة، كما أنها دفعت بإسقاط حكومات أخرى، خصوصاً عندما بدأ زوجها يتقدم في السن.
مسكت وسيلة بورقيبة مقاليد الحكم في تونس من وراء الستار بعدما تمكنت الشيخوخة من الحبيب بورقيبة، إلى حين إسقاط حكمه سنة 1987 وصعود رئيس آخر، اسمه زين العابدين بن علي.
كان الكل في تونس يضرب ألف حساب لوسيلة بن عمار، فالمرأة القوية القادمة من عائلة أرستقراطية استطاعت أن تتزعم ما يعرف بـ"البلدية" وهم السياسيون الذين ينحدرون من تونس العاصمة، مقابل السياسيين المنحدرين من منطقة الساحل.
ليلى الطرابلسي
انتهى عهد الحبيب بورقيبة وجاء عهد ديكتاتور آخر في تونس كان اسمه زين العابدين بن علي ومعه سيدة أولى جديدة لتونس، وهي نعيمة الكافي التي حملت لقب نعيمة زين العابدين بن علي.
كانت نعيمة الكافي الزوجة الأولى للرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي، وهي أم بناته الثلاث غزوة ودرصاف ونسرين، قبل أن تسحب منها ليلى الطرابلسي بساط المجد وتتربع بقوة على عرش القوة في قصر قرطاج.
لم يكن لنعيمة الكافي أي دور سياسي في حياة زوجها زين العابدين بن علي وعاشت في الظل، وهي الآن تعيش في منزل الرئيس السابق بسوسة من بعد هروبه للمملكة العربيّة السعوديّة ووفاته فيها.
وعلى عكس الزوجة الأولى لزين العابدين كانت الزوجة الثانية، ليلى الطرابلسي، المرأة الأشهر من نار على علم، والتي حملت لقب السيدة الأولى في تونس إلى غاية سنة 2011، سنة الإطاحة بزوجها خلال الربيع العربي.
كانت ليلى الطرابلسي تملك محل حلاقة في العاصمة التونسية قبل أن تخالط عالم المال والأعمال بفضل زوجها الأول، ثم التقت بزوجها الثاني زين العابدين بن علي قبل أن يصبح رئيساً لتونس لتتغير حياتها، وحياة كل التونسيين معها.
كانت ليلى الطرابلسي أو ليلى بن علي تمتلك سلطات استثنائية في تونس، هذه السلطات التي فاقت رئيس الحكومة والجيش، وفي بعض المرات تفوق السلطة التي يملكها زوجها الرئيس.
كانت يد ليلى طويلة في كل المؤسسات في تونس شأنها شأن وسيلة بورقيبة، فمثلاً كان يمكنها أن تعين وزيراً وتطيح بآخر، كما أنها ترسل من تشاء سفيراً للبلاد التي تشاء، وتأتي بمن تشاء من أي مكان وتُقعده في الزاوية.
لم تكن ليلى الطرابلسي الوحيدة المستفيدة من منصب زوجها، بل حتى أسرتها وعائلتها وكل من يحمل لقب "الطرابلسي"، الذين استفادوا من من نفوذها داخل المؤسسات وكونوا ثورات استثنائية، إذ تعتبر عائلة الطرابلسي من أغنى العائلات في تونس.
لم تكن الثروة هي طموح السيدة الأولى في تونس، لكن كانت تأمل لأكثر من ذلك، إذ كانت صحيفة لوموند الفرنسية قد كشفت عن خطة كانت تعدها ليلى بن علي للإطاحة بزوجها 2013.
ليلى بن علي التي تكبرت وتجبرت في قرطاج كانت تُعد إلى إعلان استقالة الرئيس لأسباب صحية، والدعوة لانتخابات عامة تتوج بفوزها، بعد ترشيح الحزب الحاكم لها.
زوجة قيس سعيد
هي إشراف شبيل، وإشراف سعيّد بعدما حملت لقب زوجها، الرئيس التونسي الحالي قيس سعيد، وهي السيدة الأولى الحالية لتونس، وهي أم أبناء الرئيس، عمر، وسارة، ومنى.
تسير إشراف سعيّد في الظل إلى جانب زوجها، وتظهر معه في المناسبات الرسمية، لكنها لا تحمل لقب السيدة الأولى في تونس، الذي جردها زوجها منه عند توليه مقاليد الحكم في 2019.
وبما أن الرئيس لم يكمل ولايته الأولى في تونس، فتأثير زوجته على قرارات الحكم لم يظهر بشكل كبير، إلا أنه حسب المعلومات التي حصل عليها "عربي بوست" فإن زوجة الرئيس تجد نفسها في كثير من الأحيان محرجة من قرارات زوجها.
ومن بين الأمور التي تعارضها الزوجة بشكل صامت الإجراءات المتخذة ضد المجلس الأعلى للقضاء، كونها قاضية وكانت مستشارة بمحكمة الاستئناف، ووكيل رئيس المحكمة الابتدائية بتونس.
لكن ما يميز فترة حكم الرئيس قيس سعيّد أن السيدة الأولى في تونس ليست هي من تتحكم في أمور القصر، بل هناك امرأة أخرى تقف في الخفاء وهي عاتكة شبيل، شقيقة زوجة الرئيس، وواحدة من المحاميات البارزات في تونس.
ودخلت عاتكة شبيل إلى قصر قرطاج فأصبحت كلمتها يحسب لها الحساب، وهي من اقترحت على زوج أختها الرئيس أن يتولى توفيق شرف الدين منصب وزير الداخلية.
وكانت صحيفة الشارع المغاربي قد نقلت تفاصيل كواليس تؤكد انضمام شقيقة زوجة رئيس الجمهورية المحامية عاتقة شبيل، في تحريك المشهد السياسي بقصر قرطاج.
زوجات رئيس في الظل
وكما كان لبعض زوجات رؤساء تونس دور كبير في تحريك المشهد السياسي في البلاد، فإن البعض منهن اخترن العيش خلف أضواء الشهرة، وكان وجودهن عابراً في قصر قرطاج.
ومن بين هؤلاء الزوجات مفيدة بو رقيبة، الزوجة الأولى للحبيب بورقيبة، ونعيمة الكافي الزوجة الأولى لزين العابدين بن علي، اللتان تطلقتا قبل وصول زوجاهما إلى سدة الحكم.
أيضاً عاشت بياتريس راين، زوجة الرئيس الأسبق منصف المرزوقي بعيداً عن الأضواء ولم تظهر معه في أي مناسبة رسمية باستثناء واحدة في يوليو/تموز 2013، بمناسبة زيارة الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند إلى البلاد.
أما السيدة الأولى في تونس السابقة، شاذلية سعيدة فرحات قائد السبسي، زوجة الرئيس الراحل القائد باجي سبسي فقد عاشت حياة الزهد مما جلبه منصب زوجها، إلا أنها كانت حريصة على الظهور في كل المناسبات الرسمية.