قالت صحيفة "washington post" الأمريكية، الثلاثاء 15 فبراير/شباط 2022، إن البيت الأبيض شكل فريقاً أطلق عليه اسم "فريق النمر"، مهمته رسم السيناريوهات والخطط لكيفية الرد على كافة التحركات الروسية مع أوكرانيا، من العرض المحدود للقوة إلى الغزو الكامل، على حد تعبير الصحيفة.
يأتي ذلك وسط توقعات استخباراتية أمريكية بأن تبدأ روسيا في غزو أوكرانيا في الفترة ما بين 15 و20 فبراير/شباط الجاري، بينما تسعى واشنطن للضغط على موسكو ووقف أي هجوم عسكري من خلال مجموعة من العقوبات الاقتصادية وتقديم الدعم العسكري لكييف.
الصحيفة الأمريكية أوضحت أن فريق النمر أجرى تمرينين لعدة ساعات، أحدهما من مسؤولي الحكومة الأمريكية لإعداد سيناريوهات، وتجميع كتيب يلخص مجموعة من الاستجابات المحتملة السريعة، بدءاً من اليوم الأول، وامتداداً على نحو أسبوعين من وقوع غزو روسي لأوكرانيا.
الصحيفة نقلت عن مسؤولين كبار في إدارة بايدن قولهم إن هذا الجهد لم يساعدهم فقط على توقع التداعيات المحتملة، بل دفعهم أيضاً إلى اتخاذ إجراءات في وقت مبكر، مثل فضح حرب المعلومات الروسية قبل تنفيذها، لتقويض قوتها الدعائية.
مهام "فريق النمر" الأمريكي
قالت الصحيفة إن فريق النمر يتكون من مجموعة متنوعة من الخبراء الذين يعالجون مشكلة معينة، من أجل الاستعداد والانقضاض، وجرى تشكيله بعد اكتشاف مسؤولي الأمن القومي الأمريكي في تشرين الأول/أكتوبر 2021، علامات مقلقة على زيادة كبيرة في القوات الروسية على حدود أوكرانيا.
رغم اعتراف مسؤولي مجلس الأمن القومي بأنهم قد لا يتمكنون من توقع تحركات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وقادته العسكريين، لكنهم قالوا إن التمرين والتخطيط القوي لا يزالان يستحقان العناء.
قال فينر: "الحقيقة هي أن ما قد يفعله الروس في نهاية المطاف ليس من المرجح أن يكون مطابقاً بنسبة 100 في المئة لأي من هذه السيناريوهات، لكن الهدف هو أن يكونوا صورة طبق الأصل قريبة بما يكفي لما يقومون به في نهاية المطاف، بحيث تكون الخطط مفيدة من حيث تقليل مقدار الوقت الذي نحتاجه للاستجابة بفاعلية، هذا هو الهدف كله حقاً".
كما لفتت الصحيفة إلى أن عدداً من مسؤولي إدارة بايدن هم من قدامى المحاربين، وشهدوا غزو الروس لشبه جزيرة القرم، وتعلموا العديد من الدروس من تلك التجربة، وشاهدوا كيفية تعزيز بوتين لسلطته.
إذ قال أندريا كيندال تيلور، المحلل السابق في وكالة المخابرات المركزية "سي آي إيه" لروسيا، والذي يعمل الآن زميلاً بارزاً في مركز الأمن الأمريكي الجديد، هذه المرة: "إنه لأمر رائع مدى التحذير الذي تمكنت واشنطن من تقديمه". "إنهم أكثر استعداداً بكثير هذه المرة".
خُطط لمواجهة الغزو الروسي
لفتت الصحيفة إلى أن "فريق النمر" يقوم بوضع الخطط والاستراتيجيات، التي لم يتم الإبلاغ عنها مسبقاً، للتأكد من أنه ليس البيت الأبيض فقط، بل كافة الوكالات التي قد تحتاج إلى الرد على الغزو الروسي مستعدة، وجاهزة للانطلاق.
كما كشفت أن "فريق النمر" ولد رسمياً في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، عندما طلب مستشار الأمن القومي جيك سوليفان من أليكس بيك مدير مجلس الأمن القومي للتخطيط الاستراتيجي، قيادة جهود التخطيط عبر وكالات متعددة، وجرى استدعاء وزارات الدفاع والخارجية والطاقة والخزانة والأمن الداخلي، مع الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، للنظر في احتمالية وقوع أزمة إنسانية.
بينما نقلت عن مسؤولين إشارتهم لاشتراك مجتمع الاستخبارات الأمريكي، الذي يدرس مسارات عمل مختلفة، تتعلق بعمل الروس ومخاطر ومزايا كل واحدة منها. من مستوى الهجوم المحدود الذي يستحوذ على جزء من أوكرانيا، إلى غزو واسع النطاق، بهدف استبدال حكومة الرئيس فولوديمير زيلينسكي، واحتلال جزء كبير من البلاد أو كلها.
قال مسؤول في مجلس الأمن القومي الأمريكي، طلب عدم كشف هويته: "ليس على أحد معرفة ما يفعلونه، لكن نختار سلسلة سيناريوهات معقولة، ونخطط ضدها، على افتراض أن أياً منها قد يحدث".
كتيّب "فريق النمر"
وأشارت الصحيفة إلى أن الكتيب الذي يعده "فريق النمر" يذهب إلى ما هو أبعد من سيناريوهات ساحة المعركة، مثل كيفية التعامل مع اللاجئين الأوكرانيين، الذين قد يتدفقون إلى بولندا ورومانيا، وكيفية تأمين السفارة الأمريكية في كييف، وما نوع العقوبات التي يجب فرضها على موسكو بالضبط، وكيفية مواجهة هجوم إلكتروني متطور.
كما لفتت إلى أنه جرى توزيع الكتيب الذي أعده فريق النمر ويتكون من قرابة 30 ورقة وتقييماً استخباراتياً، على مختلف المسؤولين بينهم القادة العسكريون والمدنيون في وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون".
بينما يتناول الدليل أيضاً ما سماه "الدرجة الثانية"، مثل الانتقام الروسي من أي عقوبات، واتخذ المسؤولون إجراءات، لضمان حصول أوروبا الغربية على إمدادات من الغاز الطبيعي، في حالة سعي روسيا لإيقاف تدفقات الطاقة، في حين نسقت وزارة الخارجية والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية مع الشركاء بشأن خطوات لتخفيف الأثر الإنساني لغزو دولة.
إذ قال مسؤول مجلس الأمن القومي: "بشكل عام، أنت تخطط لمواجهة السيناريو الأسوأ، ومن ثم تقوم بالمعايرة، ومن الأفضل القيام بذلك بهذه الطريقة بدلاً من التخطيط لسيناريو وسيط والوقوع في حالة توقف".
مواجهة الرواية الروسية "الكاذبة"
من بين أبرز اهتمامات "فريق النمر"، الجهود الروسية للترويج للرواية الكاذبة بأن أوكرانيا، بمساعدة الغرب، تستعد لشن هجوم في شرق أوكرانيا، وأن روسيا هي الضحية.
في الأسابيع الأخيرة، رفعت الحكومة الأمريكية السرية عن معلومات استخباراتية، حول مثل هذه الجهود، بما في ذلك مؤامرة "العلم الكاذب" المحتملة التي ستقوم فيها موسكو بتفجير يقتل الروس العرقيين في أوكرانيا، أو في روسيا نفسها، ثم تلوم كييف كذريعة محتملة لغزو.
يعتقد المسؤولون الأمريكيون أن مثل هذه المعلومات المضللة هي جزء أساسي من استراتيجية روسيا. وقال مسؤول كبير في الإدارة، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، لمناقشة القضية، إنه "أبلغ باستراتيجية الإدارة بالكشف عن تخطيط موسكو لعمليات، مثل الكشف الأخير عن مقطع الفيديو المزيف، حيث اتهمت الولايات المتحدة الكرملين بالتخطيط لتصوير فيديو لهجوم مفبرك".
عندما غزت روسيا شبه جزيرة القرم في عام 2014، لم يكن لدى الولايات المتحدة وأوروبا حزم عقوبات جاهزة للانطلاق. وقال دانييل فرايد، الذي كان حينها منسق سياسة العقوبات بوزارة الخارجية، إنه باستثناء عقوبات حقوق الإنسان، فإن الولايات المتحدة لم تفكر قط في فرض عقوبات على روسيا.
قال مسؤول مجلس الأمن القومي: "لم تكن لدينا نفس الموارد في أوروبا أو الذاكرة العضلية للتصدي للعدوان الروسي". "لقد قطعنا شوطاً طويلاً منذ ذلك الحين".
وضعت الإدارة الآن عقوبات محتملة على البنوك الروسية ومجموعة من ضوابط التصدير، والتي تخطط لفرضها إذا انتقلت موسكو إلى أوكرانيا. في مكالمة هاتفية يوم السبت، حذر بايدن بوتين من "تكاليف سريعة وشديدة" في هذا الاحتمال.