صادق البرلمان الفرنسي، الثلاثاء 15 فبراير/شباط 2022، على قانون طلب "الصفح" من الجزائريين المعروفين باسم الحركيين الذين قاتلوا في الجيش الفرنسي، ما يفتح الباب لدفع تعويضات مالية لبعض العائلات، بينما يرتقب أن تلقى خطوة فرنسا انتقادات جزائرية، لأن الجزائريين ينظرون إلى "الحركيين" كـ"خونة".
شبكة "يورو نيوز" الأوروبية (مقرها فرنسا)، ذكرت أن مجلس الشيوخ الفرنسي، صوت الثلاثاء لصالح القانون الذي صادق عليه مجلس النواب قبل أسبوع، ما يفتح الباب لدفع تعويضات مالية لبعض عائلات الحركيين.
يأتي القانون ترجمة تشريعية لخطاب ألقاه الرئيس إيمانويل ماكرون في 20 سبتمبر/أيلول في قصر الإليزيه أمام ممثلي الحركيين، وطلب "الصفح" من أولئك الذين قاتلوا إلى جانب فرنسا ويعتبرون أنها "تخلّت عنهم" بعد التوقيع على اتفاقية إيفيان في 18 مارس/آذار 1962 تمهيداً لاستقلال الجزائر.
خلال حرب التحرير الجزائرية في حقبة الاستعمار الفرنسي (1830 ـ 1962)، جُند ما يصل إلى 200 ألف من الحركيين كمساعدين للجيش الفرنسي، وفي ختام الحرب نقل عشرات الآلاف منهم برفقة زوجاتهم وأطفالهم إلى فرنسا حيث وضعوا في "مخيمات مؤقتة" لا تتوافر فيها ظروف العيش الكريم.
اعتراف بـ"صفحة مظلمة في تاريخ فرنسا"
يسعى ماكرون إلى المضي أبعد من أسلافه منذ عهد جاك شيراك، عبر الاعتراف بـ"الدين" تجاه الحركيين.
في تصريح سابق، قالت الوزيرة المنتدبة للذاكرة وشؤون المحاربين القدامى، جنفياف داريوساك، إن القانون جاء "اعترافاً من الأمة بالشرخ العميق ومأساة فرنسية وصفحة مظلمة من تاريخنا".
كان نواب الجمعية الوطنية، وافقوا في 18 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، على مشروع القانون الذي يعترف بـ"الظروف غير اللائقة" لاستقبال 90 ألفاً من الحركيين وعائلاتهم، الذين فروا من بلدهم الجزائر بعد الاستقلال في 1962، حيث تم حشد ما يقرب من نصف هؤلاء في مخيمات و"قرى لإعادة تشجير الغابات" تديرها الدولة.
من أجل ذلك، ينص القانون على "إصلاح" الضرر، من خلال تقديم مبلغ من المال بحسب مدة الإقامة في هذه الهياكل، وتقدر الحكومة عدد المستفيدين المحتملين بـ50 ألف شخص بتكلفة إجمالية قدرها 302 مليون يورو على مدى ست سنوات تقريباً.
من هم الحركيون؟
الحركي مصطلح يعني العميل أو الخائن، ويطلق على الجزائريين الذين حاربوا في صفوف الجيش الفرنسي ضد ثورة التحرير في بلادهم من 1954 إلى 1962.
لكن لم تكن هذه هي بداية الحركي، ففي عام 1954 انطلقت حركة انتصار الحريات التي أسسها مصالي الحاج بعد الحرب العالمية الثانية، والتي انبثقت عنها جبهة التحرير الوطني، فكلمة الحركي كانت مشتقة من الحركة.
نظراً لمعارضة الحركة فيما بعد لجبهة التحرير الوطني بات اسم الحركي يطلق على كل الذين عارضوا جبهة التحرير الوطني، وشن الحركيون الحرب على "جبهة التحرير الوطني" التي كانت في نظرهم "جماعة إرهابية".
يقول الرافضون لاتهام الحركيين بالخيانة إن انضمامهم للجيش الفرنسي لم يكن خيانة، وإنما رد فعل ناجم عن خلافات مع جبهة التحرير حول سبل المقاومة، لا سيما أن الزعيم الوطني الجزائري مصالي الحاج، نفسه، كان رافضاً للعمل المسلح ومتشبثاً بالعمل السياسي السلمي.
عقب انتهاء حرب الجزائر، استقبلت فرنسا نحو 60 ألفاً من "الحركيين" الذين وصلوا إليها في ظل ظروف سيئة جداً، ولكنها تخلّت عن 55 إلى 75 ألفاً منهم، فتعرّضوا مع عائلاتهم لأعمال انتقامية أودت بحياة الآلاف منهم.
وأغلب عمليات الانتقام الدامية التي تعرض لها "الحركيون" كانت من قبل قوميين، يرون في دورهم خيانة كبيرة للجزائر.
وُضع اللاجئون إلى فرنسا في معسكرات في جنوبي البلاد، وعانوا من صعوبات في الاندماج، في حين راحت فرنسا تستقبل أعداداً كبيرة من المهاجرين الجزائريين لأسباب اقتصادية.
بحسب وسائل إعلام فرنسية فإن "الحركيين" وعائلاتهم يشكلون حالياً جالية من نصف مليون شخص.