قالت وزيرة العدل التونسية ليلى جفال، الأربعاء 9 فبراير/شباط 2022، إن الرئيس التونسي قيس سعيّد لن يحل المجلس الأعلى للقضاء كمؤسسة دستورية، لكنه سيغير القانون المنظم له، وسيضع في الوقت نفسه "هيئة وقتية"، في خطوة يبدو أنها تهدف إلى تهدئة المخاوف.
تصريح وزيرة العدل يأتي بعد أن أثار إعلان سعيد، مطلع الأسبوع، عن حل المجلس، الذي يضمن استقلال القضاء، انتقادات واسعة النطاق فور إعلانه، وكان من المنتقدين مانحون غربيون رئيسيون لتونس.
في كلمة بثها التلفزيون الرسمي عقب لقاء مع الرئيس، لم تعطِ الوزيرة تفاصيل حول كيفية تغيير تكوين المجلس أو دوره، أو حول دور أو مدة الهيئة المؤقتة.
هذا، ومن المتوقع أن يناقش مجلس الوزراء برئاسة سعيد، الخميس 10 فبراير/شباط 2022، مرسوماً رئاسياً بخصوص القانون الجديد للمجلس الأعلى للقضاء.
معارضو قرار سعيد اعتبروا أن إلغاء المجلس سيقوّض استقلال القضاء ويمكن أن يساعد سعيد في ترسيخ حكم الرجل الواحد بعد تعليقه البرلمان والاستحواذ على سلطات واسعةٍ العام الماضي، وهو ما يصفه معارضون له بأنه انقلاب.
رفض واسع
الأحد 6 فبراير/شباط 2022، أعلنت العديد من الجهات والأحزاب والشخصيات التونسية رفضهم الواضح لاعتزام رئيس البلاد قيس سعيد، حل المجلس الأعلى للقضاء (هيئة دستورية مستقلة)، مشددين على أن "أي إصلاح للقضاء له أُسسه الدستورية وشروطه القانونية"، فيما دعا الرئيس الأسبق المنصف المرزوقي، إلى التظاهر في العاصمة، الأحد.
من جهته، شدّد المجلس الأعلى للقضاء، على "رفضه المساس بالبناء الدستوري للسلطة القضائية والإهدار المفاجئ والمُسقط لكافة ضمانات استقلال القضاء، في تقويض واضح للدستور والمواثيق والمعاهدات الدولية المصادق عليها وفي تجاوز بيّن لنتائج انتخابات ثلثي أعضائه".
كما شدّد المجلس على "رفضه المساس بالأمان الوظيفي للقضاة وإخضاع مساراتهم الوظيفية والتأديبية لوضع قانوني انتقالي مجهول العواقب وفاقد لكافة الضمانات تنفرد السلطة التنفيذية بصياغته وإدارته"، معرباً عن رفضه اتهامه بـ"التقصير"، وداعياً إلى "الكف عن مغالطة الرأي العام بأن المجلس هو المكلف بالفصل في القضايا".
فيما أردف أنه "وجَّه بلاغات وإعلامات ومراسلات لوزارة العدل لإجراء الأبحاث للتحري في الإخلالات المزعومة في عدد من القضايا التي تم تداولها لدى الرأي العام، ومنها قضايا الاغتيالات السياسية والملف القضائي المعروف بالجهاز السري وقضايا الفساد المالي، إلا أنه لم يتلقّ ردوداً من الوزارة في شأنها".
الأمم المتحدة تدخل على الخط
فقد دعت الثلاثاء 8 فبراير/شباط 2022، الرئيس التونسي قيس سعيد إلى إلغاء قراره الخاص بحل مجلس القضاء الأعلى (هيئة دستورية مستقلة)، مؤكدةً أن "أي حل له (المجلس) يعد انتهاكاً لالتزام تونس بالقوانين الدولية".
جاء ذلك في مؤتمر صحفي عقده المتحدث باسم الأمين العام ستيفان دوغاريك، بالمقر الدائم للأمم المتحدة في نيويورك.
حيث قال المتحدث باسم غوتيريش: "نحث الرئيس التونسي (قيس سعيّد) على عكس القرار الذي اتخذه بحل مجلس القضاء الأعلى"، مضيفاً: "على السلطات في تونس أن تضمن الفصل بين السلطات".
فيما أضاف المتحدث الأممي: "نشارك مشاعر القلق التي أعربت عنها المفوضة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشليت، بشأن إغلاق مجلس القضاء الأعلى، ونحن نؤيدها تأييداً كاملاً، ونحث الرئيس على عكس هذا المسار".
استقلال القضاء
في وقت سابق من يوم الثلاثاء، قالت مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشيليت، إنّ حل مجلس القضاء الأعلى في تونس "يقوِّض بشكل خطير، سيادة القانون وفصل السلطات واستقلال القضاء في البلاد".
باشيليت أكدت، في بيان، أنّ "حل مجلس القضاء الأعلى شكَّل تدهوراً بارزاً في الاتجاه الخاطئ، ويعد انتهاكاً واضحاً لالتزامات تونس بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان".
كان الرئيس التونسي قد أعلن مساء الإثنين 7 فبراير/شباط 2022، حل المجلس الأعلى للقضاء بشكل رسمي، فيما عبَّرت جهات محلية ودولية عن بالغ قلقها، من جرّاء تلك الخطوة التي يرى البعض أنها تؤذن ببدء صراع جديد حول سعي الرئيس للاستئثار بالسلطة منفرداً.
إذ قال سعيد، خلال لقائه مع رئيسة الحكومة نجلاء بودن رمضان: "المجلس الأعلى للقضاء تم حله، وإن المرسوم (الرئاسي) بخصوص ذلك أصبح شبه جاهز".
والمجلس الأعلى للقضاء هيئة دستورية مستقلة، من مهامها ضمان استقلالية القضاء ومحاسبة القضاة ومنحهم الترقيات المهنية، وهو إحدى الهيئات الحكومية القليلة المتبقية التي لا تزال تعمل باستقلالية عن الرئيس.
كان المجلس الأعلى للقضاء قد أعلن، في بيان أصدره الأحد الماضي، رفض حله في غياب آلية دستورية وقانونية تجيز ذلك، بجانب رفض العديد من الهيئات القضائية والأحزاب السياسية حل المجلس.