خلَّفت زيارة إيمانويل مولان إلى تونس جدلاً، لأن الرجل الذي يترأس نادي باريس، ويشغل منصب المدير العام للخزانة الفرنسية، تزامنت زيارته بعد مكالمة أجراها قيس سعيّد مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
زيارة رئيس نادي باريس فسَّرتها مصادر "عربي بوست" بأن البلد أصبح يعيش انهياراً اقتصادياً غير مسبوق وغير معلن عنه، وبالتالي فهو بحاجة لدول غربية لتحقيق توازنها المالي.
والتقى مولان مسؤولين تونسيين، من بينهم مروان العباسي، محافظ البنك المركزي، وسهام البوغديري نمصية، وزيرة المالية، هذه الأخيرة التي أكدت أن زيارة مولان كانت بصفته في الخزينة الفرنسية.
نادي باريس هو مجموعة غير رسمية مكونة من مسؤولين ماليين مموّلين من 19 دولة تعد من أكبر الاقتصادات في العالم، وهي مجموعة تقدم خدمات مالية، مثل إعادة جدولة الديون للدول المدينة بدلاً من إعلان إفلاسها، أو تخفيف عبء الديون بتخفيض الفائدة عليها، وإلغاء الديون بين الدول المثقلة بالديون ودائنيها.
الأمر البارز في زيارة إيمانويل مولان إلى تونس، والذي أثار كل هذه التخوفات المشروعة، أن السلطة القائمة في تونس لم تعلن عن هذه الزيارة، بل الجميع تفاجأ بالخبر عبر إحدى وسائل الإعلام الفرنسية، المعروفة بقربها من دوائر السلطة والقرار في فرنسا.
وكشف موقع "أفريكا إنتلجنس" أن رئيس "نادي باريس" إيمانويل مولان سيُؤدي زيارة إلى تونس، بطلب من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي عبّر عن دعم فرنسا للإصلاحات التي يجب على تونس القيام بها للحصول على قرض جديد من صندوق النقد الدولي.
قيس سعيّد يطلب المساعدة
قالت مصادر خاصة لـ"عربي بوست" إن "سعيد طلب في المكالمة الأخيرة التي جمعته بالرئيس الفرنسي ماكرون مساعدته على تخطي الصعوبات المالية الخطيرة التي تمر بها البلاد، ولعب دور الوساطة مع صندوق النقد الدولي"
وأشارت المصادر ذاتها إلى أن قيس سعيد عبّر لماكرون عن خشيته من دخول البلاد مرحلة الإفلاس، إذا لم تعجل الدول المانحة في مساعدة تونس على تجاوز هذه المرحلة الصعبة
وذكرت المصادر الخاصة أن ماكرون أكد لسعيد ضرورة إشراك كل القوى الوطنية في إعادة بناء المرحلة الجديدة، واستعداده لمساعدة تونس على تنفيذ برنامج إصلاحات ضرورية لمواجهة الأزمة الاقتصادية.
الكاتب والمحلل السياسي نصرالدين السويلمي، قال إن "وصول مدير الخزينة الفرنسيّة، ورئيس نادي باريس إلى تونس يعني أن حكومة قيس سعيد أمام حالة انهيار شامل، وعلى مشارف إفلاس، إن لم تكن البلاد قد وقعت فعلاً ودخلت إلى مرحلة الإفلاس السريري، لكنها لم تعلن رسمياً الإعلان الرّسمي عن الكارثة".
وأشار المتحدث في تصريح لـ"عربي بوست"، أنّ "المانح الغربي، وخاصّة بشقّيه الأوروبي الأمريكي، ونفوذهم على صناديق المال الدوليّة فهموا سعيّد، وهذا الأخير فهمهم، وتيقّنوا أنّ لسان سعيّد يقول افعلوا كلّ شيء، وليست هناك خطوط حمراء في كلّ المناحي بما فيها السياديّة".
وأضاف المتحدث أن "سعيّد تيقّن أنّ المجتمع الدّولي لن يسمح بسقوط تونس، وأنّ مناوراته لحساب الانتقال الديمقراطي محدودة ومربوطة بتوقيت ما قبل الكارثة بدقائق، أملاً في تراجع الانقلاب عن خطوته، وإن تعذّر فلا أقل من رهن الانقلاب لصالح أطراف دوليّة نافذة، وتحويله إلى دكتاتوريّة صلبة في الدّاخل التونسي، مائعة رخوة في الخارج".
ماذا يعني دخول تونس نادي باريس؟
يتم اللجوء إلى "نادي باريس" لإعادة جدولة الديون، أو شطب جزء منها، أو إلغائها بالكامل كملاذ أخير، غالباً قبل التعثر في السداد، وقبل جدولة الديون لا بد من أن تكون الدولة قد اعتمدت إجراءات تقشفية وإصلاحية.
الخبير الاقتصادي عادل السمعلي قال إن "الدخول لنادي باريس يهم خاصة الدول التي بلغت فيها المديونية حداً جعلها غير قادرة على المزيد من التداين، وثانياً نسبة النمو الاقتصادي غير كافية للإيفاء باستحقاقات هذه الديون، وتونس قريبة جداً من هذه الوضعية الخطيرة، وهذا ما يُفسر زيارة إيمانويل مولان إلى تونس غير المعلن عنها للرئيس التنفيذي لنادي باريس".
وأشار السمعلي في تصريح لـ"عربي بوست" إلى أن "فرنسا لها نفوذ معتبر في نادي باريس، وكلمتها مسموعة لدى شركائها، ويمكن أن نفسر هذه الزيارة كمحاولة استباقية لفرنسا لإنقاذ الانقلاب في تونس، بعد أن رفض صندوق النقد الدولي قروضاً جديدة لتونس في وضعٍ غامضٍ اقتصادياً".
وأضاف المتحدث أن "زيارة إيمانويل مولان إلى تونس كانت سرية وغير معلنة، وهذا يذكرنا بوثيقة التفاوض مع صندوق النقد الدولي السرية، وهو ما يعكس تذبذب الانقلاب من جهة، ويكشف أن الشعارات المرفوعة، منذ 25 يوليو/تموز 2021، ومنها الاستغناء عن التمويل الأجنبي، ذهبت أدراج الرياح".
من جهته، قال الكاتب والسفير السابق أحمد القديدي في تصريح لـ"عربي بوست"، إن "دخول تونس لنادي باريس يعني أن تونس عاجزة عن سداد ديونها، وبالتالي ستتقاسم الدول الأعضاء في النادي ثرواتنا لسنوات تدير استرجاع القروض".
وأشار المتحدث إلى أن "دخول تونس لنادي باريس إن حصل فهو يعني 1881 (تاريخ الاحتلال الفرنسي لتونس) بإخراج جديد، لكن بنفس الآليات، ففرنسا استخدمت سلاح المديونية لاحتلال تونس عن طريق تنصيب ما يُسمى بالكومسيون المالي.
زيارة إيمانويل مولان إلى تونس؟
التخوفات والنقد الكبير للزيارة دفع السلطات الفرنسية للتأكيد بأن "المناقشات ركزت حصراً على القضايا الاقتصادية والمالية، وعلى دعم فرنسا للإصلاحات التي توختها تونس في مفاوضاتها مع صندوق النقد الدولي".
الناشط السياسي والحقوقي أنور الغربي، قال في تصريح لـ"عربي بوست"، إن "هذا التبرير ربما يقبل في وضع طبيعي، ولكن في ظل وجود سلطة ضعيفة داخلياً، ومعزولة خارجياً، يصبح التدخل الفرنسي محل شبهة كبيرة".
وأشار المتحدث إلى أن "هذه زيارة إيمانويل مولان إلى تونس تأتي في إطار بحث السلطة في تونس عن طرف يتبنى الدفاع عنها أمام المؤسسات المانحة، وخاصة تلك المرتبطة بالسياسات الغربية، وبالولايات المتحدة الأمريكية".
وأضاف المتحدث أن "كل جهود السلطة في اتجاه توفير الاعتمادات اللازمة لصرف الأجور، والتأكيد أن الدولة غير مفلسة، وهو خطاب تبريري لمسارٍ خاطئ وخطير على الدولة، باعتماد الصدمات وتعكير المناخ العام في البلاد، ليسهل تمرير أي مخطط".
“لماذا المصادر مجهولة في هذه القصة؟
بموجب إرشادات موقع “عربي بوست”، نستخدم المصادر المجهولة فقط للمعلومات التي نعتقد أنها تستحق النشر والتي تأكدنا من مصداقيتها، لكننا غير قادرين على الحصول عليها بأية طريقة أخرى.
نحن ندرك أن العديد من القراء يشككون في مصداقية ودوافع المصادر التي لم يتم الكشف عن أسمائها، لكن لدينا قواعد وإجراءات لمعالجة هذه المخاوف، منها أنه يجب أن يعرف محرر واحد على الأقل هوية المصدر، ويجب أخذ موافقة مسؤول القسم قبل استخدام المصادر المجهولة في أية قصة. نحن نتفهم حذر القراء، لكن يجب تفهم أن المصادر غالباً تخشى على وظائفها أو علاقاتها التجارية، وسلامتها.”