في الوقت الذي تجري فيه حركة فتح استعداداتها لعقد اجتماع المجلس المركزي المقرر أن يبدأ جدول أعماله الأحد 6 من فبراير/شباط 2022، تتصاعد دعوات المقاطعة لهذا الاجتماع من فصائل منظمة التحرير، في ظل اتساع فجوة الخلافات بين قوى اليسار وحركة فتح، التي أبدت اعتراضها على جدول أعمال الدورة الحالية للمجلس، التي من المتوقع أن تناقش على جدول أعمالها توزيع المواقع القيادية الشاغرة في منظمة التحرير على شخصيات محسوبة على اللجنة المركزية لحركة فتح.
وقد أعلنت رسمياً كل من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ثاني أكبر فصائل منظمة التحرير والمبادرة الوطنية وحركتا حماس والجهاد الإسلامي وطيف واسع من القوى السياسية والنقابية مقاطعتها لدورة المركزي، إلا أن الأنظار تتجه لموقف الجبهة الديمقراطية وحزب الشعب اللذين لا يزالان في حالة تردد من حسم المشاركة في هذا الاجتماع.
وتحاول حركة فتح أن تستبق موقف الفصائل المترددة، من خلال الضغط عليها عبر التلويح باكتمال النصاب القانوني لهذا الاجتماع قبل انعقاده، أي أن اعتراضها وتحفظها على الاجتماع دون توافق وطني لن يغير من خطط الحركة بعقد الاجتماع بمن حضر، وبذلك تلقي حركة فتح الكرة في ملعب هذه القوى للدفع بها للمشاركة، خشية من عواقب قرار المقاطعة التي قد تصل لحد وقف المخصصات المالية لهذه الفصائل من ميزانية الصندوق القومي الذي يسيطر عليه الرئيس محمود عباس.
ما أكد هذا التوجه ما أشار إليه عضو اللجنتين التنفيذية لمنظمة التحرير والمركزية لحركة فتح عزام الأحمد في حديث للتلفزيون الرسمي الفلسطيني بأن مقاطعة الجبهة الشعبية وحركة حماس لاجتماع المركزي لن تؤثر على شرعية قرارات المجلس ما دام نصاب المجلس متكملاً.
الجبهة الديمقراطية وامتيازات المشاركة
فبينما تدير الجبهة الديمقراطية اجتماعاتها على مستوى المكتب السياسي لتحديد موقفها النهائي من المشاركة التي من المتوقع تحديده في الساعات الأخيرة، أشارت مصادر مطلعة لـ"عربي بوست" إلى أن "تيسير خالد عضو القيادة السياسية للجبهة الديمقراطية يجري مفاوضات مع قيادات اللجنة المركزية لحركة فتح للحصول على بعض الامتيازات لضمان تقديم طوق النجاة لحركة فتح لعقد الاجتماع وإكمال نصابه القانوني".
وأضاف المصدر لـ"عربي بوست": "هذه المطالب تتمحور حول حصول الجبهة على منصب نائب رئيس المجلس الوطني، ورئاسة دائرة شؤون المغتربين في منظمة التحرير بعد أن تم إلغاؤها وضمها لوزارة الخارجية منذ دورة المجلس المركزي في 2018، والحصول على دوائر أخرى في المجلس الوطني، والحصول على ضمانات بعدم الابتزاز المالي الذي ينتهجه الرئيس عباس من خلال التحكم بمخصصات الفصائل من الصندوق القومي".
أمام هذه الصفقة المزمعة للجبهة الديمقراطية لتقديم طوق النجاة لحركة فتح، أعلن إقليم القدس التابع للجبهة مقاطعته لدورة المركزي، كرسالة تحدٍّ لقرار القيادة السياسية التي تحاول في الساعات الأخيرة الحصول على امتيازات مالية لبعض القيادات المتنفذة فيها، فيما أعلن عدد من كوادر الجبهة تقديم استقالة مشروطة من التنظيم في حال شاركت قيادة الجبهة الديمقراطية في دورة المركزي.
عصمت منصور عضو القيادة السياسية المستقيل من الجبهة الديمقراطية أكد لـ"عربي بوست" "وجود خلافات بين قواعد التنظيم والقيادة السياسية المتنفذة في القرار، كون الغالبية العظمى من قواعد الجبهة في أقاليم القدس وقطاع غزة والخارج لم تتم استشارتها في قرار المشاركة من عدمه، مؤكداً أن من يدير المفاوضات حالياً مع حركة فتح هم بعض القيادات من أعلى هرم التنظيم".
وأضاف: "لا نعترض على مبدأ المطالبة بالحقوق والامتيازات الوظيفية كونها ليست منة أو مكرمة تستخدمها السلطة كنوع من الابتزاز السياسي، ولكن وجهة نظرنا أنه كان يجب على حركة فتح التحضير لعقد جلسات المركزي ضمن توافق وطني مع باقي فصائل ومكونات العمل الوطني، كما أنه من الضرورة أن يكون المجلس المركزي على قدر المسؤولية بإلزام السلطة التنفيذية بما صدر عنه من قرارات في دورته السابقة في 2018 وأهمها سحب الاعتراف بإسرائيل ووقف التنسيق الأمني ووقف العمل بكل الاتفاقيات مع دولة الاحتلال".
حزب الشعب.. الصفقة الرابحة
لا يختلف موقف حزب الشعب عن الجبهة الديمقراطية، حيث يسعى الحزب باعتباره إحدى ركائز قوى اليسار إلى تذليل الخلافات الأخيرة بينه وبين السلطة الفلسطينية، في ضوء قطع الأخيرة مخصصات حزب الشعب من الصندوق القومي الفلسطيني بعد أن أدان سلوك الأجهزة الأمنية في قمع المظاهرات السلمية التي خرجت منددة باغتيال المعارض نزار بنات أواسط العام 2021.
على إثر هذا الموقف صعَّد حزب الشعب من انتقاده للسلطة الفلسطينية، وأعلن انسحابه من الحكومة الفلسطينية، وطلب من أحد وزرائه وهو نصري أبو جيش وزير العمل بتقديم استقالته من الحكومة الفلسطينية، إلا أن الأخير رفض هذه الدعوات فتمت إقالته من الدائرة السياسية للحزب.
ويشهد الحزب في الساعات الأخيرة حالة من الانقسامات بين صفوفه، فقواعد الحزب أبدت تحفظها على قرار المشاركة بجلسات المركزي، في حين تسعى القيادة السياسية إلى المشاركة والعودة لحضن منظمة التحرير، على أمل أن يسهم ذلك في إنهاء العقوبات التي فرضها رئيس السلطة محمود عباس وأهمها تجميد مخصصات الحزب من الصندوق القومي، وتجميد تفريغات عناصر الحزب في الوظيفة الحكومية.
وفي هذا الإطار أشار مصدر قيادي في حزب الشعب لـ"عربي بوست" إلى أن "اللجة المركزية للحزب تناقش كأحد السيناريوهات المطروحة للمشاركة في اجتماع المركزي، أن يشارك الحزب في الجلسة الافتتاحية للمركزي لمنح المجلس نصابه السياسي والعددي كتأكيد على دورنا كأحد فصائل منظمة التحرير، ثم تنسحب من جلسات المجلس كرسالة اعتراض على جدول أعماله؛ احتراماً لموقف قواعده التنظيمية".
فتح والبحث عن شرعية مفقودة
وواجه اجتماع المركزي خلال الأسابيع الأخيرة تحديات داخلية بسبب حالة المقاطعة له، دفعت لتأجيله عدة مرات في أكثر من مناسبة كان آخرها في يناير/كانون الثاني 2022، نظراً لعدم وجود مناخ سياسي ملائم لعقده دون توافق وطني، وهو ما دفع بأمين سر اللجنة المركزية لحركة فتح جبريل الرجوب للقيام بجولة خارجية الشهر الماضي وتحديداً لكل من سوريا ولبنان للقاء فصائل منظمة التحرير في دمشق وبيروت للحصول على تأكيد بمشاركتها في الاجتماع وعدم الانجرار لدعوات المقاطعة.
ومن المتوقع أن يكون على جدول أعمال المجلس مناقشة انتخاب حسين الشيخ أمين سر للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير نظراً لكون هذا المنصب شاغراً منذ العام الماضي، والتصويت على ترشح روحي فتوح عضو اللجنة المركزية لفتح ليكون أميناً عاماً للمجلس الوطني، وسد الشواغر الوظيفية في الهيئات السياسية التابعة لمنظمة التحرير.
تجدر الإشارة إلى أن تأسيس المجلس يعود إلى مارس/آذار 1977، ليكون بمثابة حلقة وصل بينه وبين اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ويتألف من رئيس وأعضاء اللجنة التنفيذية، وممثلين عن الفصائل والقوى الفلسطينية، والاتحادات الطلابية والمرأة والمعلمين والعمال، بالإضافة لممثلين عن أصحاب الكفاءات، وستة مراقبين، ووفقاً لوائح الداخلية للمعمول بها فإن رئيس المجلس الوطني يعتبر رئيساً للمجلس المركزي.
أما الفصائل المنضوية تحت إطار منظمة التحرير التي يحق لها المشاركة في اجتماع المجلس المركزي فهي حركة فتح، والجبهتان الشعبية والديمقراطية، والجبهة الشعبية_ القيادة العامة، والجبهة العربية الفلسطينية، وجبهة التحرير العربية، وجبهة التحرير الفلسطينية، وجبهة النضال الشعبي، والصاعقة، وحزب الشعب، وفد، والمبادرة الوطنية.
“لماذا المصادر مجهولة في هذه القصة؟
بموجب إرشادات موقع “عربي بوست”، نستخدم المصادر المجهولة فقط للمعلومات التي نعتقد أنها تستحق النشر والتي تأكدنا من مصداقيتها، لكننا غير قادرين على الحصول عليها بأية طريقة أخرى.
نحن ندرك أن العديد من القراء يشككون في مصداقية ودوافع المصادر التي لم يتم الكشف عن أسمائها، لكن لدينا قواعد وإجراءات لمعالجة هذه المخاوف، منها أنه يجب أن يعرف محرر واحد على الأقل هوية المصدر، ويجب أخذ موافقة مسؤول القسم قبل استخدام المصادر المجهولة في أية قصة. نحن نتفهم حذر القراء، لكن يجب تفهم أن المصادر غالباً تخشى على وظائفها أو علاقاتها التجارية، وسلامتها.”