نقلت وكالة رويترز، الجمعة 4 فبراير/شباط 2022، بعض كواليس ما جرى خلال التخطيط للوصول لقائد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، الذي قتل في مبنى سكني ببلدة سورية على الحدود التركية خلال عملية لقوات التحالف الدولي حاولت الوصول إليه.
لم تكن عملية الوصول لأبو إبراهيم الهاشمي القرشي سهلة باعتراف المسؤولين الأمريكيين، فقد استعدت القوات الدولية لهذه العملية من أوائل ديسمبر/كانون الأول 2021، عندما وصلتهم معلومات تؤكد أن زعيم داعش مقيم في المبنى.
20 من قوات الكوماندوز شاركوا بالعملية
على الفور أبلغ المسؤولون الرئيس الأمريكي جو بايدن الأمر، وتلقى إفادة مفصلة بشأن الخيارات المتاحة للعملية يوم 20 ديسمبر/كانون الأول، فقد قال مسؤول كبير إن الخطة كانت تهدف للإمساك بالقرشي حياً.
قامت قوات التحالف الدولي، فور تحديد مكان القرشي، ببناء مبنى يشابه المبنى الذي يتحصن به زعيم داعش، وأجروا عشرات التدريبات والتمارين التي تحاكي تنفيذ العملية، بحسب ما ذكرته صحيفة The New York Times الأمريكية.
خلال تلك الفترة، قامت قوات التحالف بجمع معلومات أكثر تفصيلية عن المكان الذي يقيم به القرشي، وتوصلت إلى أن المبنى مكون من ثلاثة طوابق من الحجر الرملي، ومحاط بأشجار الزيتون.
كان القرشي يعيش في الطابق الثالث من المبنى مع عائلته، ولم يكن يغادر المبنى إلا من حين لآخر، وفي حالات نادرة، فقد كان يعتمد بشكل كبير على أحد مرافقيه الذي كان يسكن الطابق الثاني، إضافة إلى شبكة من العناصر، التي تتلقى أوامره وتنقلها إلى فروع داعش في العراق وسوريا وأماكن أخرى في العالم دون استخدام الأجهزة الإلكترونية التي يمكن اختراقها أو التجسس عليها.
بعد جمع تلك المعلومات، وإجراء التدريبات اللازمة، أعطى الرئيس الأمريكي جو بايدن، صباح الثلاثاء الأول من فبراير/شباط، الضوء الأخضر لتنفيذ العملية، بعد شهور من التدريب والتخطيط.
على الفور، استعد حوالي عشرين من قوات الكوماندوز التابعة لقوات دلتا في الجيش، وتم دعمهم بطائرات هليكوبتر أباتشي وطائرات ريبر بدون طيار وطائرات هجومية، في عملية مشابهة للغارة التي شنتها قوات التحالف الدولي في أكتوبر/تشرين الأول 2019، والتي استهدفت الزعيم السابق لتنظيم الدولة الإسلامية أبو بكر البغدادي.
بدء تنفيذ العملية التي استغرقت ساعتين
كانت تلك الليلة مروعة بالنسبة للسكان في بلدة أطمة، إذ جاءت القوات الأمريكية على متن طائرات هليكوبتر، وقامت بعملية إنزال في المنطقة، وبدأت بمحاولة إجلاء المدنيين من المبنى، واستخدمت مكبرات صوت لتطلب منهم الرحيل.
خاطبت القوات الأمريكية القاطنين في المبنى الذي يتحصن به القرشي، قائلة: "الرجال والنساء والأطفال ارفعوا أيديكم، أنتم في أمن التحالف الأمريكي الذي يطوق المنطقة، ستموتون إذا لم تخرجوا"، بحسب ما روته إحدى النساء التي كانت تتواجد بالمنطقة.
تمكنت القوات الأمريكية من إخراج ستة مدنيين بينهم أربعة أطفال من الطابق الأول من المبنى، بحسب ما رواه الجنرال في مشاة البحرية فرانك ماكنزي، الذي يشرف على القوات الأمريكية في المنطقة وكان يقدم لبايدن تطورات الوضع.
بحسب الرواية الأمريكية، فإنه ومع تقدم القوات الأمريكية إلى الطابق الثاني، بدأ مساعد للقرشي وزوجته إطلاق النار على تلك القوات ثم قُتلا. فيما قال ماكنزي إن طفلاً عُثر عليه مقتولاً هناك وتم إخراج ثلاثة أطفال آخرين ورضيع بأمان من الطابق الثاني.
أرادوا القرشي حياً، فاختار الموت
لكن قبل أن تتمكن تلك القوات من الوصول إليه، فجّر أبو إبراهيم الهاشمي القرشي قنبلة انتحارية، مما أدى لانفجار قوي قذف جثته وجثثاً أخرى من المبنى إلى الشوارع المحيطة، لتنتهي حياة أحد أهم المطلوبين للولايات المتحدة التي وضعت مكافأة 10 ملايين دولار لمن يساعد في الوصول إليه.
قال ماكنزي إن "الانفجار كان أقوى مما يمكن توقعه من سترة انتحارية، فقد قَتل جميع من كانوا في الطابق الثالث وقَذف العديد من الأشخاص فعلياً من المبنى".
وفي وقت لاحق، قال الرئيس الأمريكي جو بايدن إن زعيم "داعش" أبو إبراهيم القرشي قد اختار تفجير نفسه وعائلته، فيما قال مسؤول أمريكي آخر إن زوجتين للقرشي وطفلاً لقوا حتفهم في التفجير.
اعترفت القوات الأمريكية بأن عضوين مسلحين على الأقل من فصيل محلي تابع لتنظيم القاعدة قُتلا بنيران طائرة هليكوبتر أمريكية بعدما اقتربا من مكان الغارة، كما أكد مسؤولون أمريكيون تعطل إحدى طائرات الهليكوبتر خلال العملية وتعين تدميرها بدلاً من تركها، دون توضيح سبب العطل أو ما إذا كان بسبب هجوم تعرضت له القوات الأمريكية.
ضحايا مدنيون في العملية
إلى جانب مقتل القرشي وعائلته، قال منقذون سوريون إن ما لا يقل عن 13 شخصاً، معظمهم نساء وأطفال، قد قُتلوا في الهجوم، وهو ما لم يكن واضحاً في الرواية الأمريكية، التي سعت إلى إظهار حرص القوات التي نفذت العملية في الحفاظ على سلامة المدنيين في المكان.
وزير الدفاع لويد أوستن اعترف ضمنياً في التقارير الأخيرة بأن الغارة الجوية الأمريكية قتلت مدنيين، مؤكداً أن البنتاغون سيراجع ما إذا كانت الغارة قد تسببت في أي إصابات بين المدنيين.
يذكر أن أوستن كان قد أمر الجيش، الأسبوع الماضي، بتعزيز جهوده لمنع وفيات المدنيين خلال العمليات التي يقوم بها، والعمل على تحسين الطريقة التي يحقق بها، ويعترف بمزاعم الضرر بالمدنيين في العمليات القتالية الأمريكية.
وقال البنتاجون إنه سيراجع كل المعلومات الخاصة بالغارة في أطمة للتأكد من عدم إصابة أي مدنيين بأذى على أيدي القوات الأمريكية. ولكنه شدد على أن جميع المؤشرات تفيد حتى الآن بأن سقوط قتلى مدنيين كان بسبب مقاتلي الدولة الإسلامية أنفسهم.
وقال المسؤولون الأمريكيون إن بايدن أعطى الموافقة النهائية على العملية يوم الثلاثاء خلال اجتماع في المكتب البيضاوي مع وزير الدفاع لويد أوستن والجنرال مارك ميلي رئيس هيئة الأركان المشتركة.
وأضاف المسؤولون أن بايدن ونائبته كاملا هاريس ومسؤولين آخرين من إدارته تابعو العملية أثناء تنفيذها من داخل غرفة العمليات بالبيت الأبيض وتلقوا إفادات أولا بأول من أوستن وميلي وماكنزي.
وطبقا لمسؤولين، قال بايدن مع بدء مغادرة القوات الأمريكية للموقع بعد العملية "فليبارك الله قواتنا"، لكنه ظل يتابع الموقف ليلا حتى وصولهم إلى مكان آمن.
وأضاف بايدن في تصريحاته بعد ذلك "بفضل شجاعة قواتنا، لم يعد هذا الإرهابي البشع موجودا. نفذت قواتنا العملية بجاهزيتها المعتادة وعزمها".
وأبلغ ميلي بايدن بأن القوات الأمريكية وجدت ما يؤكد هوية القرشي عندما رأت جثته وتأكدت أثناء رحلة العودة من هويته باستخدام بيانات الاستدلال الحيوي المأخوذة من بصمة إصبع. وقال المسؤول بالبيت الأبيض إنهم انتظروا إجراء اختبار للحمض النووي حتى يعلنوا مقتله.
وأضاف "كان على قائمة أهدافنا من الأيام الأولى للحملة. كان الذراع اليمنى للبغدادي و… كان مسؤولا بنفسه عن بعض من أكثر فظائع الدولة الإسلامية وحشية".