صوّت مجلس الشيوخ الفرنسي في قراءة أولى على مشروع قانون، لطلب "الاعتذار" من الحركيين الجزائريين، ومحاولة "إصلاح" الأضرار التي عانوا منها، في خطوة قد تثير غضب جزائريين ينظرون إلى هؤلاء على أنهم "خونة".
تمت المصادقة على النص ليل الثلاثاء الأربعاء 26 يناير/كانون الثاني 2022، بإجماع المصوتين، حيث صوّت 331 بنعم، وامتنع 13 عن التصويت، وفقاً لما أوردته وكالة الأنباء الفرنسية.
جاء هذا القانون وبعد 60 عاماً من نهاية حرب الجزائر (1954-1962) التي أسفرت عن نحو 500 ألف قتيل، وهو يمثل ترجمة تشريعية لخطاب ألقاه الرئيس إيمانويل ماكرون في 20 سبتمبر/أيلول 2021، في قصر الإليزيه، أمام ممثلي الحركيين الجزائريين الذين قاتلوا إلى جانب الجيش الفرنسي، ثم "تخلت عنهم" فرنسا.
يسعى ماكرون إلى المضي أبعد من أسلافه منذ عهد جاك شيراك، عبر الاعتراف بـ"الدين" تجاه الحركيين.
الوزيرة المنتدبة للذاكرة وشؤون المحاربين القدامى، جنفياف داريوساك، قالت إن القانون جاء "اعترافاً من الأمة بالشرخ العميق ومأساة فرنسية وصفحة مظلمة من تاريخنا".
كان نواب الجمعية الوطنية، وافقوا في 18 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، على مشروع القانون الذي يعترف بـ"الظروف غير اللائقة" لاستقبال 90 ألفاً من الحركيين وعائلاتهم، الذين فروا من بلدهم الجزائر بعد الاستقلال في 1962، حيث تم حشد ما يقرب من نصف هؤلاء في مخيمات و"قرى لإعادة تشجير الغابات" تديرها الدولة.
من أجل ذلك، ينص القانون على "إصلاح" الضرر، من خلال تقديم مبلغ من المال بحسب مدة الإقامة في هذه الهياكل، وتقدر الحكومة عدد المستفيدين المحتملين بـ50 ألف شخص بتكلفة إجمالية قدرها 302 مليون يورو على مدى ست سنوات تقريباً.
القانون لا يشمل جميع الحركيين
كذلك أدرج أعضاء مجلس الشيوخ "بعض السجون التي تم تحويلها إلى أماكن لاستقبال المُرحّلين" في قائمة المنشآت التي يستحق الذين استُقبلوا فيها التعويض.
كان نحو 40 ألفاً من المُرحّلين قد أصيبوا بخيبة الأمل، بما أن التعويض المالي لا يشملهم لأنهم لم يقيموا في تلك المخيمات، بل سكنوا في المدن.
لذا ندّد عضو مجلس الشيوخ اليميني فيليب تابارو بآلية إصلاح "جزئية ومنحازة"، معبراً عن احتجاجه لأن الذين تم إقصاؤهم "ذنبهم الوحيد هو أنهم لم يعيشوا محاطين بالأسلاك الشائكة".
كذلك، صادق مجلس الشيوخ على تعديلين لتوسيع صلاحيات لجنة الاعتراف والتعويضات التي أنشأها مشروع القانون، واقترحت الحكومة فتح المجال "لجميع الحركيين" للتقدم إلى هذه اللجنة، التي ستفحص أوضاعهم كل حالة على حدة واقتراح "أي إجراء مناسب للاعتراف" بما عانوه.
لكن زعيم كتلة حزب الجمهوريين (يمين) في مجلس الشيوخ، برونو روتايو أراد أن يذهب أبعد من ذلك بتكليف اللجنة بمهمة "اقتراح أي إجراء للاعتراف والتعويض" بالنسبة لكل الحركيين.
سيحاول النواب وأعضاء مجلس الشيوخ الآن الاتفاق على نص توافقي. وفي حال الفشل، سيكون لمجلس النواب (الجمعية الوطنية) الكلمة الأخيرة.
من هم الحركيون؟
الحركي مصطلح يعني العميل أو الخائن، ويطلق على الجزائريين الذين حاربوا في صفوف الجيش الفرنسي ضد ثورة التحرير في بلادهم من 1954 إلى 1962.
لكن لم تكن هذه هي بداية الحركي، ففي عام 1954 انطلقت حركة انتصار الحريات التي أسسها مصالي الحاج بعد الحرب العالمية الثانية، والتي انبثقت عنها جبهة التحرير الوطني، فكلمة الحركي كانت مشتقة من الحركة.
نظراً لمعارضة الحركة فيما بعد لجبهة التحرير الوطني بات اسم الحركي يطلق على كل الذين عارضوا جبهة التحرير الوطني، وشن الحركيون الحرب على "جبهة التحرير الوطني" التي كانت في نظرهم "جماعة إرهابية".
يقول الرافضون لاتهام الحركيين بالخيانة إن انضمامهم للجيش الفرنسي لم يكن خيانة، وإنما رد فعل ناجم عن خلافات مع جبهة التحرير حول سبل المقاومة، لاسيما أن الزعيم الوطني الجزائري مصالي الحاج، نفسه، كان رافضاً للعمل المسلح ومتشبثاً بالعمل السياسي السلمي.
عقب انتهاء حرب الجزائر، استقبلت فرنسا نحو 60 ألفاً من "الحركيين" الذين وصلوا إليها في ظل ظروف سيئة جداً، ولكنها تخلّت عن 55 إلى 75 ألفاً منهم، فتعرّضوا مع عائلاتهم لأعمال انتقامية أودت بحياة الآلاف منهم.
وأغلب عمليات الانتقام الدامية التي تعرض لها "الحركيون" كانت من قبل قوميين، يرون في دورهم خيانة كبيرة للجزائر.
وُضع اللاجئون إلى فرنسا في معسكرات في جنوبي البلاد، وعانوا من صعوبات في الاندماج، في حين راحت فرنسا تستقبل أعداداً كبيرة من المهاجرين الجزائريين لأسباب اقتصادية.
بحسب وسائل إعلام فرنسية فإن "الحركيين" وعائلاتهم يشكلون حالياً جالية من نصف مليون شخص.