تخلصت الطالبة نادية من الشعور بأنها ضحية، منذ أن تمكنت من كسر الصمت حول تعرضها "لابتزاز جنسي" من أحد أساتذتها كما تقول، في واحدة من فضائح مماثلة عديدة تفجرت مؤخراً في جامعات مغربية، وتحولت إلى قضية رأي عام تحت اسم "الجنس مقابل النقاط".
وتتواصل الإثنين 24 يناير/كانون الثاني 2022، محاكمة أربعة أساتذة جامعيين، يواجهون تهماً خطرة منها "الحض على الفجور" و"التمييز على أساس جنساني" و"العنف ضد النساء"، بينما أدين أستاذ آخر ابتدائياً قبل أسبوع وحكم عليه بالسجن عامين، في محاكمة منفصلة.
من جانبها، تقول الشابة بثقة "كنت ضحية عندما لزمت الصمت، لم أعد كذلك الآن"، مؤكدة أن حديثها للإعلام بعد تردد ليس للتأثير على القضاء "بل فقط لأقول لأي ضحية أخرى إن عليها ألا تصمت فهناك قوانين تحمينا"، مضيفة بحزم "يجب وضع حد لهذه الممارسات".
فقبل عام فصلت هذه الطالبة (24 عاماً) وزميلة لها عن الدراسة بكلية الحقوق في مدينة سطات قرب الدار البيضاء بداعي الغش في امتحان، لكنها تؤكد أن القرار كان انتقامياً "بعدما رفضنا الخضوع لابتزاز جنسي" من أحد الأساتذة، حسبما نقلت وكالة الأنباء الفرنسية، الأحد 23 يناير/كانون الثاني 2022.
إلا أنها لم تلجأ إلى القضاء، كما هو شأن غالبية ضحايا الاعتداءات الجنسية عموماً بالمغرب.
لحسن حظها تفجرت القضية بعد أشهر في أيلول/سبتمبر 2021، إثر نشر وسائل إعلام محلية محادثات على واتساب وشهادات لطالبات، يتهمن أساتذة بهذه الكلية بالتحرش بهن أو ابتزازهن مقابل السخاء في منحنهن نقاطاً.
النساء الحلقة الأضعف
فضلاً عن الأحكام السلبية التي غالباً ما تمنع ضحايا الاعتداءات الجنسية من اللجوء إلى القضاء، يشير ناشطون حقوقيون إلى "الخوف من الانتقام" الذي قد يهدد المسار الدراسي للطالبة التي تعد "الحلقة الأضعف" في هذا النوع من الاعتداءات الجنسية، على حد قول الناشط محمد العماري، الذي يساند نادية وزميلتها.
لكن طالبات أخريات وجدن في مواقع التواصل الاجتماعي منفذاً لكسر الصمت حول تعرضهن لحالات مشابهة، عبر شهادات مجهولة استجابة لنداء أطلقته على صفحتها في إنستغرام الناشطة سارة بن موسى، المتخصصة في الدفاع عن حقوق المرأة.
تقول بن موسى إنها تلقت مباشرة بعد إطلاق المبادرة أواخر 2021 "نحو ثلاثين شهادة من طالبات في عدة مدن، وحتى سيدات تخرجن منذ مدة، لكنهن أردن البوح أخيراً بما تعرّضن له"، مؤكدة أنها تأمل في اتساع دائرة الفضح.
وتوضح أنها نشرت فقط الشهادات التي أُرفقت بأدلة، وبفضل إحدى تلك الشهادات لطالبة مدرسية كشفت لجنة تحقيق لوزارة التعليم العالي "تورط" أستاذ جامعي في ابتزاز طالبة والتحرش بها.
وقرّرت توقيفه وإقالة عدد من المسؤولين، مع التحقيق في اتهامات ضد أساتذة آخرين، لكن دون أن تفتح بعد أي ملاحقة قضائية في الملف.
بعد أسبوع على ذلك قرّرت النيابة العامة ملاحقة أستاذ جامعي آخر في مدرسة الملك فهد للترجمة بطنجة (شمال) وضع في التوقيف الاحتياطي على ذمّة قضية مماثلة، وفق عائشة كلاع، محامية المدعية.
استنكار حقوقي
من جانبه، أعرب المجلس الوطني لحقوق الإنسان (رسمي)، في بيان، عن "استغرابه من تجاهل شكايات الطالبات من طرف عدد من إدارات المؤسسات الجامعية، وعدم أخذها بالجدية الضرورية".
وبعدما قررت نائبة العميد في كلية الحقوق بسطات اليوم إرجاع نادية وزميلتها إلى صفوف الدراسة، تشير الطالبة بحسرة إلى أن إدارة الكلية "لم تستمع إليّ حتى" عندما تم فصلها قبل عام.
وحذّرت من خطورة "الضغوط والتهديدات والمغريات التي يتعرض لها الضحايا أو أسرهن للتنازل عن الملاحقات".
فضلاً عن التضامن الواسع مع الضحايا، وتحية إقدامهن على كسر الصمت، أكدت جمعيات نسائية وحقوقية عدة على ضرورة حماية مسارهن الدراسي، وتسهيل اتصالهن بالقضاء.
من جهتها، أعلنت وزارة التعليم العالي عن فتح خطوط خضراء وخلايا استماع في الجامعات، لتمكين الضحايا أو الشهود من الإبلاغ عن أي تحرش أو ابتزاز.
كما أكد الوزير عبد اللطيف ميراوي في حوار تلفزيوني مؤخراً "ألّا تسامح مطلقاً" مع أي شكوى، مشدداً على أن الأمر "يتعلق بأقلية قليلة من الأساتذة".
وكان المغرب بدأ العمل في 2018 بقانون يعاقب بالحبس على ممارسات "تعتبر شكلاً من أشكال التحرش أو الاعتداء أو الاستغلال الجنسي"، لكن الجمعيات النسائية اعتبرته "غير كافٍ".