كشفت الرئاسة المصرية، عقب زيارة وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة إلى القاهرة، دعم مصر والجزائر لتونس، وبالأخص رئيسها قيس سعيّد الذي يواجه معارضة شديدة في الداخل بسبب "انقلابه" على الدستور كما يتهمه خصومه السياسيون.
وأثار بيان الرئاسة المصرية الكثير من الجدل لدى المراقبين بسبب التوافق النادر في الرؤى بين البلدين المتناقضين في كل شيء تقريباً.
ويبدو أن هذا الدعم لتونس من بلدين مهمين في المنطقة من شأنه أن يمنح قيس سعيد قُبلة الحياة التي ستُمكّنه من فرض خارطة طريقه التي تلقى معارضة شديدة في الداخل.
ووفق مصادر "عربي بوست" فإن الجزائر كانت منذ البداية داعمة لقيس سعيّد لكنها لم تصرح بذلك علناً، إلا بعد تأكدها من تحكم الرئيس التونسي في زمام الأمور.
وأضاف المصدر ذاته أن الجزائر توظّف ورقة دعم قيس سعيد جيداً لاستمالة مصر ودول الخليج العربي للمشاركة في القمة العربية بتمثيل عال لضمان نجاحها.
ويعتقد المحلل السياسي فاتح بن حمو أن ورود كلمة قيس سعيد في البيان، يعني أن الجزائر حسمت أمرها نهائياً في الملف التونسي، بحيث قررت دعم سعيّد علناً ضد خصومه وأبرزهم حركة النهضة، وذلك لتغليب مصلحة المنطقة، على حد تعبيره.
تناقضات.. وتوافق على قيس سعيد
تُصنّف القاهرة مع دول الاعتدال العربي، بينما توضع الجزائر في خانة ما يسمى بدول الممانعة، وتنفتح مصر على الغرب وبالأخص الولايات المتحدة وفرنسا، فيما ترتمي الجزائر في أحضان الشرق لا سيما روسيا والصين.
وتدعم الأولى شرق ليبيا وحاكمها خليفة حفتر، فيما تقف الجزائر مع غربها المتمثل في الحكومة المعترف بها دولياً، وترفض الأخيرة التطبيع، في حين تهرول الأخرى لتهنئة كل دولة عربية تلحق بركبها في نسج علاقات دبلوماسية مع إسرائيل.
وتعادي القاهرة الفصائل الفلسطينية في غزة على حساب رام الله، بينما تحضّر الجزائر لمؤتمر جامع لكل الفصائل على أرضها.
كل هذه التناقضات في سياسة البلدين اختفت فجأة في ملف دعم قيس سعيّد ضد معارضيه في تونس.
ويرى المحلل السياسي التونسي والدكتور في مركز الدراسات Cérès، كمال الصيد أن "التقارب الجزائري المصري في مسألة دعم قيس سعيّد مقلق للغاية ويؤكد مساهمة مصر في الانقلاب على الدستور الذي قام به الرئيس التونسي"، على حد تعبيره.
وأضاف الصيد في حديث مع "عربي بوست" أن "زيارة تبون الأخيرة لتونس مهما كانت مبرراتها فهي ضربة موجعة للشعب التونسي"، على حد قوله.
دعم مصر والجزائر لتونس
كانت مصر والإمارات والجزائر من بين الدول الأولى التي دعمت إجراءات قيس سعيّد غير الدستورية حسب الكثير، لسبب وحيد هو أن ذلك يصب في غير صالح الإسلاميين المتمثلين في حركة النهضة.
ويعرف القاصي والداني مدى عداء هذه الدول لتيار الإسلام السياسي وهو ما يجعل مواقفها منطقية، لكن ما هو دافع الجزائر لدعم قيس سعيد رغم أن علاقتها جيدة مع حركة النهضة وتيار الإسلام السياسي في الجزائر وليبيا، كما رفضت تصنيف حركة الإخوان المسلمين كمنظمة إرهابية رغم الإلحاح العربي على ذلك.
يجيب الدكتور كمال الصيد عن هذا التساؤل بالقول إن "الجزائر تسعى لتحييد تونس عن مشاكل المنطقة المغاربية وأولاها ملف الصحراء".
كما ترمي الجزائر إلى كسب قيس سعيّد في صفها بدل لجوئه إلى المغرب الذي يمتلك علاقات متميزة مع دول الخليج والولايات المتحدة الأمريكية.
وبحسب المتحدث ذاته، فإن الجزائر تخشى أي تقارب تونسي مغربي ينتهي بإقناع سعيد بالتطبيع مقابل دعم قراراته، وتكون بذلك الجزائر قد وقعت بين كماشة إسرائيلية.
وقطفت الجزائر أولى ثمار دعمها لقيس سعيد عندما امتنعت تونس لأول مرة في تاريخها عن التصويت لصالح تمديد عمل بعثة المينورسو في الصحراء وهو نفس الموقف الروسي والجزائري.
ليبيا.. الجائزة الكبرى
لم يمنع الخلاف الجزائري-المصري في ليبيا توافق السيسي وتبون على دعم قيس سعيّد لعدة أسباب، وفق الدكتور كمال الصيد.
إذ يرى المحلل السياسي التونسي أن مصر تريد ليبيا، والجزائر تريد استقرار تونس والمنطقة؛ لذلك فإن التوافق بين البلدين منطقي في الوقت الحالي.
ويضيف الصيد أنه لا يجب إغفال الدور الروسي وعلاقته الوطيدة بكل من مصر والجزائر، لا سيما وأن الرئيس التونسي معروف أنه يساري ومعارض لخيارات الغرب الاستراتيجية.
وانتقد المتحدث دعم الجزائر الصريح لقيس سعيد على حساب الشعب التونسي، معتبراً أن ما قام به تبون خطأ استراتيجي لا يغتفر.
من جهته، وعلى النقيض من ذلك، يرى المحلل السياسي فاتح بن حمو أن الجزائر تفكر في مصلحتها ومصلحة المنطقة ككل، حتى وإن كان دعم سعيد فيه نوع من التسرع.
ووفق بن حمو، الذي تحدث لـ"عربي بوست"، فإن الجزائر تفكر في استقرار المنطقة المشتعلة أصلاً قبل كل شيء، لأنها الخاسر الأكبر من الفوضى في تونس، لا سيما وأن حدودها مشتعلة من كل الجوانب غرباً وجنوبا وشرقاً.
ويستشرف بن حمو بأن الجزائر ومصر قد يصلان إلى تسوية في ليبيا بعد عقد القمة العربية في الجزائر شهر مارس/أذار القادم.
“لماذا المصادر مجهولة في هذه القصة؟
بموجب إرشادات موقع “عربي بوست”، نستخدم المصادر المجهولة فقط للمعلومات التي نعتقد أنها تستحق النشر والتي تأكدنا من مصداقيتها، لكننا غير قادرين على الحصول عليها بأية طريقة أخرى.
نحن ندرك أن العديد من القراء يشككون في مصداقية ودوافع المصادر التي لم يتم الكشف عن أسمائها، لكن لدينا قواعد وإجراءات لمعالجة هذه المخاوف، منها أنه يجب أن يعرف محرر واحد على الأقل هوية المصدر، ويجب أخذ موافقة مسؤول القسم قبل استخدام المصادر المجهولة في أية قصة. نحن نتفهم حذر القراء، لكن يجب تفهم أن المصادر غالباً تخشى على وظائفها أو علاقاتها التجارية، وسلامتها.”