قالت صحيفة The Wall Street Journal الأمريكية في تقرير نشرته يوم السبت 15 يناير/كانون الثاني 2022 إنه رغم مساعي السعودية لجذب استثمارات كبرى شركات العالم إليها من أجل تحديث اقتصادها. إلا أن بيئة الأعمال في البلاد صارت أشد عدائية وأصبح المستثمرون ينفرون من المملكة الغنية بالنفط.
إذ إن حجم الاستثمار الأجنبي في السعودية بدا في الانخفاض بشكل كبير وبعض الشركات بدأت تقليص مشاريعها أو تؤجل خطط التوسع التي عزمت على تنفيذها، وهذه ضربة لولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الزعيم الفعلي للبلاد الذي تعهد عام 2016 ببناء صناعات جديدة لا علاقة لها بالنفط عن طريق تحسين مناخ الأعمال وإنشاء مركز عالمي للابتكار.
هروب شركات أمريكية من السعودية
جدير بالذكر أن حجم الاستثمار الأجنبي المباشر قد وصل في السعودية إلى 5.4 مليار دولار عام 2020، أي أقل من نصف المستوى الذي كان عليه قبل عشر سنوات وأقل بكثير من هدف الـ19 مليار دولار الذي حددته البلاد.
أما أحد أسباب استمرار هذا الرقم المنخفض فهو المشاريع المخطط لها التي لم تُنفَّذ. إذ تراجعت شركة آبل عن خططها لفتح متجر رئيسي في وسط الرياض منذ عدة سنوات. وتراجعت شركة Triple Five Group، صاحبة مول أمريكا، عن بناء مجمع بمليارات الدولارات. وشركة AMC Entertainment Holdings لدور السينما ستمنح جزءاً أكبر من الإدارة لشريكتها، الحكومة السعودية، لأنها متأخرة عن منافسيها في البلاد.
فحص مخاوف المستثمرين الأجانب
من جانبها، قالت وزارة الاستثمار السعودية إن الاهتمام بالاستثمار في البلاد لا يزال مرتفعاً، وأشارت إلى زيادة سنوية بنسبة 250% في تراخيص المستثمرين الجدد عام 2021.
كذلك فقد قالت وزارة الاستثمار إنها تأخذ مخاوف المستثمرين على محمل الجد وتراجعها وتتطور باستمرار حسب الحاجة. وقالت: "سواء كانت الشركات صغيرة أو كبيرة، فإننا مستمرون في سعينا لخلق أفضل بيئة ممكنة للاستثمار".
كما حاولت الدولة معالجة أزمة سيولة بفرض ضرائب بأثر رجعي على عشرات الشركات الأجنبية الكبيرة. وتواجه بعض الشركات، ومنها أوبر، وفرعها في المنطقة كريم، وجنرال إليكتريك، التزامات ضريبية ضخمة وأحياناً غرامات إضافية حين يرفض اعتراضها، منذ عام ونصف.
من جانبها، قالت هيئة الضرائب السعودية إن المملكة تطمح إلى سياسة ضريبية عادلة وفعالة تتماشى مع المعايير الدولية. وقالت إنها على تواصل كامل مع دافعي الضرائب الذين تخضع حساباتهم للتدقيق وإنها تمنحهم متسعاً من الوقت لسداد ما عليهم من ضرائب.
نقل مقار الشركات الأجنبية إلى الرياض
كما أزعجت الحكومة الشركات الأجنبية أيضاً حين ألزمتها بنقل مقارها في المنطقة من دبي إلى الرياض وإلا فستخسر العقود الحكومية. وأجبرت الشركات أيضاً على توظيف عدد أكبر من السعوديين. وأدى اشتراط تعزيز المحتوى المحلي في منتجاتها إلى عجز بعض سلعها عن منافسة الواردات.
كذلك يشعر المستثمرون أيضاً بالخوف على سلامتهم الجسدية. إذ قال رجل أعمال أجنبي إنه احتُجز وتعرض للتعذيب بعد أن قال جهراً إن بعض قوانين العمل غير منصفة.
في حين اُحتجز أمريكي آخر، كان يرغب في توسيع مشروع دار رعاية المسنين خاصته في أوهايو، لدى وصوله البلاد في عام 2021 في زنزانة ضيقة بالمطار لمدة ثلاثة أيام وتم ترحيله دون تفسير. وامتنعت وزارة الاستثمار عن التعليق على بعض مزاعم سوء المعاملة لكنها قالت إن تجارب معظم المستثمرين إيجابية.
خلاف مع شركات الأدوية
أما الخلاف القديم بين السعودية وشركات صناعة الأدوية حول الملكية الفكرية فيثير شعوراً بالقلق بين شركات الأفكار المبتكرة التي تتودد إليها البلاد. فمنذ عام 2016، سمحت الجهات التنظيمية السعودية للشركات المحلية بتصنيع أدوية مكافئة لما يقرب من عشرة أدوية لا تزال خاضعة لبراءات الاختراع أو حماية البيانات التنظيمية.
حيث قالت وزارة الاستثمار إنها تدرس هذه المشكلة "لتحقيق توازن عملي بين صناعة الأدوية المكافئة المزدهرة وصناعة الابتكار القائمة على البحث والتطوير".
في حين أن بعض الشركات التي تعمل في السعودية منذ عقود قلصت حضورها وسط خلافات حول السداد من العملاء الحكوميين، وهي مشكلة دائمة في المملكة. فبعض الشركات العاملة في شبكة مترو الرياض الجديدة، ومنها شركة Bechtel، أعادت بعض موظفيها إلى أوطانهم العام الماضي وسط خلاف على مدفوعات بأكثر من مليار دولار.
كما أن شركة نورثروب غرومان، التي باعت معدات عسكرية بمليارات الدولارات للمملكة، قلصت حضورها قبل حوالي عامين بعد امتناع الجيش عن دفع ثمن منتجات قدمتها له، وقالت الحكومة السعودية إنها عدّلت قوانين المشتريات العامة للقضاء على هذه المشكلة وأنهت القضايا المتأخرة.