أُقيم احتفال بالذكرى العاشرة لتأسيس "منتدى الشرق"، مساء السبت 15 يناير/كانون الأول 2022، تحت شعار "الأمل يتجدد"، حيث نوقشت التحولات التي تشهدها المنطقة بعد مرورٍ عِقد على الربيع العربي، الذي كان بمثابة انطلاقة وقيمة أساسية في تأسيس المنتدى.
حضر الحفل الذي أقيم في مدينة إسطنبول عدد من المسؤولين والباحثين، بينهم الأكاديمي ومستشار رئيس حزب "العدالة والتنمية" التركي الحاكم، ياسين أقطاي، وأستاذ العلوم السياسية، سيف عبد الفتاح، الذي كان مستشاراً للرئيس المصري السابق محمد مرسي، وكذلك أستاذ قسم الفلسفة في جامعة "ابن خلدون" التركية برهان كوروغلو، في ضيافة مؤسس ومدير "منتدى الشرق" والمدير العام السابق لشبكة "الجزيرة" الإعلامية، وضاح خنفر، بالإضافة إلى عشرات الباحثين والمشاركين في المنتدى خلال سنواته العشر الماضية.
وقد ألقى رئيس المنتدى وضاح خنفر، الكلمة الافتتاحية، مستعيداً اللحظات الأولى لانطلاق المنتدى في نسخته الأولى بالعام التالي لثورات الربيع العربي، وتحديداً في 14 من يناير/كانون الثاني 2012، حيث انطلق من تونس، شرارة ثورات الربيع العربي، وهي نقطة بدأ منها المنتدى ليكون منصة تحتضن أبناء المنطقة والثورات.
من تقديم المنتدى انطلق خنفر إلى الحديث عن المنطقة وتطورات الأحداث في العقد الأخير، باعتباره الهدف الشاغل لتأسيس "الشرق"، واعتبر المنطقة تقف عند نقطة الصدام المباشر مع الشعب، الذي ظل في صراعٍ ومقاومة مستمرة طوال عقود، بدءاً من الأجداد الذين قاوموا الاستعمار، مروراً بأبنائهم الذين شهدوا تأسيس الدول العربية، ثم الجيل اللاحق، جيل الثورة، مشيراً إلى أن حركة التاريخ تؤكد أن المجتمع الإنساني لا يحيا حياةً مستقرة في حال التطبيع مع الذل، بل مع تبني قيم مجتمعية.
متحدثاً عن الحرية، هدف شباب الربيع العربي الأسمى، إذ قال خنفر: "من كان هدفه الحرية لا يجب أن يعد الخسائر أو يحسب التكلفة؛ لأن البديل لهذه الحرية مكلف أكثر، حيث ستعيش الشعوب في حالة من القمع والفقر والحروب الأهلية والاستبداد".
رغم ذلك، أشار إلى دفع شباب الربيع العربي ثمن الحرية، لكن هذا الثمن أضاف مخزوناً من الوعي والإدراك، ما سيساعد في إعادة البناء، لافتاً أيضاً إلى مشروعات العمل التي تمثل آفاقاً عملية وواقعية للبناء، واعتبر "الشرق" أحد هذه المشروعات المتبنية لقيم الربيع العربي.
فيما تحدَّث خنفر عن هذا الأمل بالبناء بقوله: "تخبرنا حركة التاريخ أن أمتنا واجهت يوماً حرب إبادة لكل قيمة كنا نعرفها، لكننا قمنا ببناء حضارة وتعايشنا مع واقع جديد بعزيمة أقوى مما كنا عليه". لافتاً كذلك إلى ثورة أهل النقب المحتل منذ العام 1948، معتبراً حدوثها الآن بمثابة بادرة أمل، كون هذه الثورة تقوم ضد أشرس عدوٍّ في المنطقة.
عاد خنفر من جديد إلى أهداف منتدى "الشرق" الأساسية في السنوات العشر الماضية، إذ بُنيَ على 3 استراتيجيات؛ وهي تكوين وعي استراتيجي للأحداث العالمية وتفكيك التدافع والصراع فيها، بالإضافة إلى بناء نماذج معرفية جديدة تكتسي ثوباً منهجياً من قيم الشرق بمفهومه الواسع جغرافياً وثقافياً في منطقة تعد مخزناً للأديان والثقافات، والمعادل الموضوعي للغرب في منهجيته ورؤيته، بينما يتفوق عليه في تموضع فكرته حول الإنسان لا المادة، والقيمة الأخلاقية بدلاً من المنفعة، أما الاستراتيجية الثالثة للمنتدى، فتمحورت حول الشباب، الذين هم مركز الاهتمام للمنتدى.
بينما ختم كلمته بالحديث عما بعد هذا العقد، وقال: "العقد الماضي كان عقد الزرع والحرث واقتلاع الأشواك، بما فيه من انقلابات وأحداث سياسية غير مستقرة، والسنوات العشر القادمة ستكون سنوات الحصاد، إذا ما استعددنا للفرص ببرامج حقيقية تفكر في الأجيال القادمة".
كما وصف الانتقال الحالي بـ"الهادئ في أنظمة الدول"، وضرب أمثلة بنظم عالمية، إذ أشار إلى أن الولايات المتحدة التي كانت متربعة على عرش الدول سابقاً، لم تعُد بذات التأثير، بينما تزاحمها الصين في كل صغيرة وكبيرة، وهذا تغيير هادئ لم يكن دراماتيكياً لكنه كان مؤثراً، وعلى صعيد منطقتنا، فاعتبر أن الفرصة سانحة لهذا التغيير، خصوصاً أن الشرق الأوسط لم يعُد على قمة أولويات الأجندة الأمريكية، ما يعني قلة التدخل الخارجي الذي كان ضد إرادة الشعوب.
ثم أُقيمت جلسة حوارية بعنوان "ماذا ينتظر منطقة الشرق؟" حضرها الباحث التركي وأستاذ قسم الفلسفة في جامعة "ابن خلدون" التركية برهان كوروغلو، الذي كان من أحد مؤسسي المنتدى أيضاً، واعتبره مكاناً يجمع الشباب العربي والكردي والتركي والإيراني لأجل منطقة "الشرق" التي تجمعها قيم جغرافية وتاريخية قديمة، تماماً كما يجمع شباب المنطقة مستقبل واحد.
أيضاً، ألقى الباحث المصري محمد عفان، ومدير "الشرق الاستراتيجي"، – أحد الأفرع الـ3 للمنتدى- كلمة عن الصراعات التي تشهدها المنطقة وتأثيرها على الحركات الاجتماعية، وكذلك التخطيط لبرنامج "الشرق الاستراتيجي"، الذي يشمل برامج عن المجتمعات بعد الصراعات، والحوكمة الرشيدة، والتحول الديمقراطي، وبرامج اقتصادية حول الاقتصاد والتكامل الإقليمي، بالإضافة إلى برامج متعلقة بدراسة ملفات المياه والطاقة في المنطقة، والصراعات المسلحة، والحكم المحلي.
إذ تقدَّم ما يقرب من 100 ألف شخص من 130 جنسية، في برنامج "الشرق الأكاديمي" في السنوات الـ5 الأخيرة، فيما توفر منصة الشرق أكثر من 40 مقرراً تعليمياً وأكاديمياً، فضلاً عن توفير برامج تنفيذية من دبلومات وماجستير، تدمج الدراسة النظرية مع التنفيذ العملي المهامي بأدوات للبناء.
إذ تندرج ضمن مؤسسات المنتدى 3 منصات حوارية وبحثية، وهي "مركز الشرق للأبحاث الاستراتيجية"، الذي يقوم بأبحاث تهدف لتعزيز قيم المشاركة الديمقراطية والمواطنة والحوار المتبادل، و"منصة الشرق أكاديميا"، وهي منصة إلكترونية تقدم مجموعة من المقررات الأكاديمية التي تساهم في نشر المعرفة المتعلقة بالعلوم الاجتماعية والإنسانية، وأخيراً "الشرق الشبابي"، المهتمة بتقديم دواوين وزمالات وتشبيك الأفكار والمبادرات الشبابية مع الجهات الداعمة.
كان من ضمن حضور الحفل أيضاً، ياسين أقطاي، مستشار رئيس حزب "العدالة والتنمية" التركي الحاكم، الذي أثنى على دور المنتدى الذي يتابعه ويحضر بعض فعالياته طوال العقد الماضي، خصوصاً أنه أدار سابقاً "معهد التأثير الاستراتيجي"، وهو مركز أبحاث أيضاً يهتم بقضايا المنطقة.
كذلك، ألقى أستاذ العلوم السياسية المصري سيف عبد الفتاح كلمة أكد خلالها على أهمية دراسة علم "إدارة الانتقال" على مستوى الشعوب أيضاً وليس النخب فقط، مؤكداً أن التاريخ الإنساني يمر بمحطات تدافع كبير وتغيير استراتيجي تستدعي إدارة الانتقال بشكل استثنائي في التفكير والتخطيط والتأثير، مشيراً كذلك إلى حديث القاضي والمفكر المصري الراحل طارق البشري عن ضرورة دراسة وتفكيك "علم الاستبداد" باعتباره أحد أهم مفاصل التغيير.
