منذ أشهر وتونس تعيش في إجراءات استثنائية أعلن عنها رئيس البلاد قيس سعيّد، الذي احتكر كل السلطات في يده باستنثاء السلطة القضائية التي دخل معها في أزمة جديدة.
الأوضاع في تونس تتجه في منحى تصاعدي، ورقعة المعارضة للرئيس تتسع يوماً بعد يوم، وأغلب القوى السياسية والمدنية بدأت تتحرك في اتجاه الشارع للإعلان عن رفضها لقرارات الرئيس، ومنها من يطالب برحيله.
على وقع هذه الأحداث، التقى "عربي بوست" في حوار غازي شواشي، الأمين العام لحزب التيار الديمقراطي في تونس، وأجرى معه هذا اللقاء في الذكرى الـ11 لخروج الثورة التونسية.
لو نبدأ من آخر التطورات، ما هو موقفكم من الإجراءات التي اتخذتها السلطات التونسية بمنع التجمعات لمجابهة فيروس كورونا عشية 14 من يناير/كانون الثاني حيث تستعد قوى المعارضة للاحتجاج على الرئيس قيس سعيد؟
هذا القرار هو قرار سياسي بامتياز، قرار فيه توظيف للوضع الصحي الذي تعيشه تونس من أجل منع معارضي الرئيس من التعبير عن رأيهم ومنعهم من الاحتفال بعيد الثورة التونسية، ومنعهم أيضاً من إظهار أن أغلبية الشعب التونسي ضد هذا الانفراد بالسلطة. ومبرراتنا في ذلك أن اللجنة العلمية سمحت لأكثر من 2 مليون تونسي من تلاميذ وطلبة بمزاولة الدراسة في فضاءات مغلقة، بينما يتم منع بعض الآلاف من الاحتجاج لفترة زمنية محدودة في مكان مفتوح.
ثانياً الموجة الجديدة من وباء كورونا موجودة في كل العالم، وعلى سبيل المثال فرنسا التي تسجل أرقاماً قياسية في الإصابات لم تتجه إلى منع التظاهرات، ورأينا حتى تظاهرات من أشخاص يرفضون التلقيح.
الرئيس يخاف اليوم من الشارع؛ لذلك منع التونسيين من التظاهر، ورأيتم أن كل أطياف المعارضة اعتبرت القرار قراراً سياسياً وليس علمياً، وعبرت عن اعتزامها الخروج إلى الشارع للاحتجاج على قرارات الرئيس.
بهذا المعنى أنتم مصرون على التظاهر رغم هذه الإجراءات؟
نحن مصرون على الخروج إلى الشارع رغم هذه الإجراءات، لأننا نعتقد أننا على حق، وهذا القرار يمس حقوقنا الدستورية، نحن لسنا مع انتشار الفيروس، ونحن ندفع التونسيين إلى الإقبال على التلقيح واحترام البروتوكولات الوقائية، ولكن لن نقبل توظيف مؤسسات الدولة من أجل قمع معارضي الرئيس.
رغم اتساع عدد المعارضين لقيس سعيد فإن فاعلية وأثر هذه المعارضة ما زال ضعيفاً.. لماذا برأيك؟
رأينا فاعلية المعارضة الإسلامية والمعارضة الديمقراطية، كما رأينا معارضة المجتمع المدني ومعارضة الشخصيات الوطنية، ومعارضة الشباب، ومعارضة أهالي الشهداء وجرحى الثورة، ومعارضة مواطنين من مختلف الفئات الاجتماعية، ولكن ما زال هذا التشتت الذي يضعف المعارضة وما زال أيضاً عموم الشعب غير واعين بخطورة الوضع الحالي، ولكن كل يوم أشعر أن التونسيين يتأكدون يوماً بعد يوم أنهم يعيشون في الوهم وفي كذبة كبرى. الإصلاح لا يكون إلا في نظام ديمقراطي، ولا يكون بحكم الفرد الواحد، والإصلاح يقتضي الحوار والتشارك بين كل الأطراف، ويكون بتفريق السلطة واحترام دستور وقوانين البلاد.
لا توجد مبادرات أو اتصالات لتوحيد المعارضة؟
التيار الديمقراطي من أول الأحزاب الذي دعت إلى التجميع، ونحن اليوم في تنسيقية الأحزاب الديمقراطية الاجتماعية إلى جانب شخصيات وطنية اعتبارية نطمح أن تتوسع هذه التنسيقية، ونحن في تواصلٍ مع عدد الأحزاب لتوحيد الصف وبناء جبهة داخلية وطنية قوية وقادرة على كبح جماح الخطر الداهم المتمثل في الانفراد بالحكم.
ما هو موقفكم من الأزمة بين رئاسة الجمهورية والمجلس الأعلى للقضاء؟
الرئيس يوم 25 يوليو/حزيران 2021 نصب نفسه على رأس النيابة العمومية ولكنه تراجع بعد ذلك وجهز نفسه للبديل، والبديل هو مراجعة قانون المجلس الأعلى للقضاء ومحاولة الاستحواذ ووضع اليد على السلطة القضائية عبر مرسوم ينظم المجلس من جديد، وهذا ما طلبه من وزيرة العدل. أعتقد أن الرئيس لو ذهب في خطوة إلغاء المجلس الأعلى للقضاء فإنه دق المسمار الأخير في نعش قرار 25 يوليو/تموز الانفرادي بالسلطة.
كيف تنظرون إلى الخارطة السياسية التي اقترحها الرئيس قيس سعيد، وهل هذا القرار سيؤدي إلى دستور يعبر عن كل التونسيين؟
الخارطة السياسية التي اقترحها الرئيس كانت تحت ضغوط داخلية وخارجية، واعتقد أن هذا مجرد ذر رماد في العيون مثل الاستشارة الإلكترونية التي اعتبرها عملية تحيل جديدة يقوم بها الرئيس على التونسيين. مشروع الرئيس وبرنامجه جاهز، وهو ذاهب في ما يسمى بالبناء القاعدي، وفي دستور على مقاسه يخول له صلاحيات واسعة.
الرئيس لم يطرح إمكانية انتخابات رئاسية مبكرة، وهذا سقوط أخلاقي لقيس سعيد لأنه تم انتخابه على أساس دستور 2014 الذي انقلب عليه بهدف صياغة دستور جديد يمكنه أن يصبح الحاكم بأمره، المالك لكل الصلاحيات.
لا أعتقد أن الشعب التونسي الذي به 19% من الأميين سيتمكن من مناقشة دستور عبر الاستشارة أو الاستفتاء، فلهذا إن هذه الرزنامة مرفوضة شكلاً ومضموناً، وهي على مقاس الرئيس من أجل تحقيق مشروع هلامي يحلم به منذ عقود من الزمن.
هل يستجيب قانون المالية لسنة 2022 لمطالب التونسيين الاقتصادية والاجتماعية؟
قانون المالية أجمع الخبراء الاقتصاديون على أنه بدون رؤية واضحة، ولا يحمل أي إصلاح للأوضاع الاقتصادية ولا تمشي لإصلاح الجباية ولا لدعم الفئات الفقيرة. أول امتحان سقط فيه الرئيس يُبين أن تلك الشعارات الفضفاضة التي يطلقها غير قادر على تطبيقها من قبيل أنه مع الفقراء والطبقات الضعيفة، بل حاول التبرؤ من هذا القانون. الرئيس لا يمتلك رؤية للاصطلاح الاقتصادي والاجتماعي رغم أنها كانت من مطالب مظاهرات 25 يوليو/حزيران 2021. الرئيس لو كان يستمع إلى الشعب لفهم أن المطالب الاقتصادية والاجتماعية هي من أولويات التونسيين وليس من أولوياته نظام سياسي جديد.
هذا القانون هو لحكومة فاقدة لجميع الصلاحيات، وغير قادرة على إنتاج رؤية إصلاحية.. وفي اعتقادنا سيتحملون مسؤولية هذه الأوضاع المتردية.
ما وضع الحريات الفردية والجماعية في تونس اليوم بعد أشهر من إجراءات سعيد الاستثنائية؟
الاعتداء على الحقوق والحريات هذا ثابت، ونددت به العديد من المنظمات الحقوقية التونسية والدولية منذ 25 يوليو/تموز 2021، أول خطوة كانت منع التنقل التي شملت العديد من الشخصيات.
رأينا أيضاً محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية وهي محاكمات مخالفة للدستور لأن القضاء العسكري يأتمر بأوامر السلطة التنفيذية.
رأينا أيضاً وضع العديد من التونسيين تحت الإقامة الجبرية بدون مبررات، ورأينا عملية الخطف التي استهدفت نور الدين البحيري أمام زوجته، ووضعه في مكان غير معروف دون إعلام عائلته، وحياته اليوم مهددة بسبب ممارسات غير قانونية وغير دستورية.
الرئيس يستند إلى قوانين وضعت في زمن الاستبداد لقمع التونسيين، والفضيحة في تونس يقع اللجوء إلى هذه الآليات غير الدستورية بعد 10 سنوات من الثورة.
رأينا أيضاً التضييق على الصحفيين، وإغلاق قنوات معارضة للرئيس والتدخل السياسي في المؤسسات الإعلامية العمومية. الحقوق والحريات مهددة في تونس رغم زعم الرئيس أنها مضمونة، والخيار السياسي أمام سعيد بالضرورة أنه سيلجأ إلى القمع للمحافظة على استمراره، دون أن ننسى أن هذا الانقلاب على الدستور قد وقع بقوة السلاح عندما أغلق البرلمان أغلقه بالدبابات، وعندما أعفى رئيس الحكومة أعفاه بقوة السلاح والتهديد.
ونحن نعتبر أن ما حصل انقلاب بقوة السلاح، ونعتقد أن القوات الأمنية والعسكرية سترفع يدها على الرئيس عندما ترى أن الشعب لن يرضى بالحكم الفردي.
ما هي الخطوات المقبلة للمعارضة؟
نحن لن نكون فقط في المعارضة، سننتقل من المعارضة إلى المقاومة، المنظومة الجديدة كشرت عن أنيابها وأصبحت تضيق حتى بالتعبير والتظاهر السلمي. ليس لدينا خيار إلا مقاومة هذه الديكتاتورية الناشئة الشعوبية التي ستدمر التجربة التونسية النموذجية في دول الربيع العربي. اليوم آن الأوان للتفكير في ما بعد قيس سعيد وعليه الرحيل هو ومنظومته ومشروعه الهلامي، وحان الوقت لإيجاد مشهد جديد يقوم على ديمقراطية سليمة ونظام حكم قوي وقضاء مستقل. ليس لدينا خيار إلا الرجوع إلى المسار الدستوري والديمقراطي.