أعلنت مصر، الخميس 30 ديسمبر/كانون الأول 2021، البدء بإخلاء 12 سجناً، بالتزامن مع تشغيل مركز "إصلاح وتأهيل" جديد، أو مجمع سجون وادي النطرون، الذي سبق أن احتفت به وسائل إعلام مصرية، ووصفته بأنه "سجن على الطراز الأمريكي"، ويشبه القلاع الحصينة، بأسوار فرعونية الشكل.
جاء ذلك بحسب ما نقلته وكالة الأنباء المصرية الرسمية عن مساعد وزير الداخلية لقطاع الحماية المجتمعية، اللواء طارق مرزوق، خلال جولة تفقدية لـ"مركز الإصلاح والتأهيل" في وادي النطرون (شمال)، بصحبة دبلوماسيين وحقوقيين وإعلاميين.
إخلاء 12 سجناً في مصر
قال مرزوق إن "جولة اليوم تأتي استكمالاً لخطوات تنجزها وزارة الداخلية لإنشاء مراكز الإصلاح والتأهيل، لتكون بديلة للسجون العمومية الحالية التي سيتم إغلاقها".
كما أضاف المسؤول المصري: "يجرى حالياً الإخلاء الفعلي لعدد 12 سجناً عمومياً، بعد انتهاء فترة التشغيل التجريبي لمركز إصلاح وتأهيل وادي النطرون (شمال)، وانتقاله إلى التشغيل الفعلي"، وتابع أنه "تم بدء التشغيل التجريبي لمركز الإصلاح والتأهيل- بدر".
بحسب الوكالة، فإن مجمع سجون وادي النطرون يضم ثلاثة مراكز فرعية روعيت فيها التهوية والإنارة الطبيعية والمساحات المناسبة وأماكن لإقامة الشعائر الدينية وأخرى لممارسة الهوايات وساحات للتريض.
كما يضم عيادات ومركزاً طبياً مجهزاً بأحدث المعدات والأجهزة الطبية، بالإضافة إلى مجمع محاكم يضم أربع قاعات لجلسات المحاكمة، وفق الوكالة.
أضافت الوكالة أنه "من المقرر أن يتم إغلاق ثلاثة سجون عمومية إضافية عقب التشغيل الفعلي للمركز". وافتُتح مركز "الإصلاح والتأهيل" في 28 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
35 سجناً جديداً في عهد السيسي
في أبريل/نيسان الماضي، قدرت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان (غير حكومية مقرها القاهرة) عدد السجون الرئيسية في مصر بـ78، بينها 35 تم إنشاؤها عقب ثورة يناير/كانون الثاني 2011.
عادة ما تواجه القاهرة انتقادات محلية ودولية بشأن أوضاع السجناء، لا سيما في السجون شديدة الحراسة، لكنها تقول إنها تراعي حقوقهم وتلتزم بالقانون والدستور والمواثيق الدولية في هذا الشأن.
بينما أشادت وسائل إعلام مصرية بتصريح السيسي بأن "من يوجد داخل السجون يجب أن يتلقى معاملة آدمية، وأنه سيحرص على توفير إعاشة كريمة ورعاية طبية وإنسانية محترمة".
كما تابع الرئيس المصري الذي احتفى ببناء مجمع سجون وادي النطرون: "حتى لو المواطن أذنب فلا يمكن أن نعاقبه مرتين"، وبالمثل ثمّن بعض الإعلاميين إعلان الرئيس، معتبرين ذلك بادرة تعكس حقيقة الالتزام الجاد والفعال من الدولة المصرية للوقوف على مواضع القصور وتخفيف الكثافات بالسجون القديمة ومعاملة السجين كإنسان، وذلك يَصب في صالح ملف حقوق الإنسان، لأن الأوضاع في السجون سيئة.
لكن في المقابل قُوبلت تصريحات عبد الفتاح السيسي بسيل من التهكم من جانب النشطاء السياسيين والمعارضين للرئيس المصري، الذي "زف بشرى" مجمع السجون الأمريكي الطراز خلال مداخلة هاتفية مع برنامج "التاسعة"، الذي يبث على القناة الأولى بالتلفزيون الرسمي في مصر.
كما اعتبر هؤلاء أن بناء مجمع سجون وادي النطرون متناقض وغير منطقي للكثيرين، خاصة العاملين في المنظمات الحقوقية، حيث جاء بعد أربعة أيام على تدشين مصر الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان التي تتبنى فيها الدولة خطاباً جديداً عن حقوق الإنسان.
أوضاع مأساوية للمعتقلين
أحمد كامل، ناشط حقوقي، يرى أن التوسع في السجون لا يعني تحسن أوضاع السجناء، مشيراً إلى أنه في آخر تقرير قالت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، والذي صدر في الحادي عشر من أبريل/نيسان الماضي 2021، إن هناك توسعاً هائلاً في بناء السجون في مصر، بلغ 35 سجناً منذ ثورة يناير 2011.
يشير الباحث إلى أن وجود سجون آدمية حتى للمجرمين هو أمر ضروري وصحي، لأن السجون لا إنسانية حتى في أفضل حالاتها، ويكفي ما وثقه الصحفي خالد داود، الرئيس السابق لـ"حزب الدستور" العلماني في مذكراته عن 19 شهراً قضاها في سجن طرة.
كما قال إنهم لم يُسمح لهم إلا بـ"سترة بيضاء متسخة" تسلمهم إياها إدارة السجن وتسبب لهم الحكة، وأُجبروا على المشي حفاة في السجن وإلى جلسات الاستماع في النيابة.
ويرى الباحث أن الربط بين السجون و"الطراز الأمريكي" رد غير مباشر على اقتطاع جزء من المعونة الأمريكية ورهنها بالملف الحقوقي والإنساني في مصر، بأن مصر لا تخضع للإملاءات ولا تهمها المعونة، وأن أمريكا بلد الحريات بها سجون ولها طراز خاص بها، فضلاً عن أنها رسالة من الرئيس للمعارضين ومن يشوهون إنجازات الدولة المصرية بأننا "سنبني لكم سجوناً 5 نجوم"، لكي تستوعب كل من يجرؤ على قول ما لا يُرضي الرئيس.