تعيش السلطات المغربية ورطة حقوقية كبيرة بسبب قضية الناشط الإيغوري إدريس حسن، الذي اعتُقل في المغرب بسبب ورود اسمه في نشرة حمراء للإنتربول.
في 15 ديسمبر/كانون الأول الجاري، أصدرت محكمة النقض في المغرب قراراً يسمح بتسليم المواطن الصيني والناشط الإيغوري إدريس حسن إلى سلطات بكين.
وكان إدريس حسن، الذي اعتُقل في مطار الدار البيضاء في طريقه من تركيا إلى فرنسا، في يوليو/تموز 2021، موضوعاً بالنشرة الحمراء من طرف الإنتربول منذ 2017، وتطلُبه الحكومة الصينية بتهمة بالإرهاب.
وينتمي الناشط الحقوقي إلى أقلية الإيغور المسلمة، التي تتعرض للتعذيب والقتل في إقليم شينجيانغ (تركستان الشرقية)، وفق تقارير دولية، ويبلغ من العمر 33 سنة، وهو أب لثلاثة أطفال، ويعمل مصمماً في الإنترنت، وكان يعيش في تركيا منذ 2012.
الرباط في مأزق
"الموضوع معقد وليس قراراً إدارياً بسيطاً".. هكذا تحدثت مصادر حكومية لـ"عربي بوست" عن قرار محكمة النقض، بالموافقة على تسليم الناشط الإيغوري إدريس حسن.
ووفق القانون المغربي، فإن محكمة النقض تُبدي رأيها في قضايا تسليم المطلوبين، وهذا ما ذيّلت به قرارَها في قضية المواطن الصيني، إذ قالت "تُبدي محكمة النقض رأيها بالموافقة على تسليم المواطن الصيني إدريس حسن".
وتابعت المصادر أن محكمة النقض وإن "أيّدت في رأيها تسليم الناشط الصيني، فإن هناك مسطرة إدارية معقدة وجب سلوكها، قبل صدور القرار النهائي من طرف الحكومة المغربية ورئيسها، بشأن المواطن الصيني".
وسجّلت المصادر ذاتها أن القانون المغربي يقضي: إذا "أبدت محكمة النقض رأيها بالموافقة على التسليم يوجه الملف مع نسخ من القرار خلال ثمانية أيام إلى وزير العدل، الذي يقترح عند الاقتضاء على رئيس الحكومة حالياً إمضاء مرسوم يأذن بالتسليم".
وتابعت المصادر أن "تطبيق هذه المسطرة متوقف على طلب الحكومة الصينية، فالقانون يشترط وجود طلب من الحكومة الصينية، وهنا لا بد من التدقيق، فالمغرب باشر اعتقال الناشط بناء على طلب الإنتربول، وليس بناء على طلب الصين".
لكن المصادر عادت وشددت على أن "هناك اتفاقية بين المغرب والصين حول تسليم المجرمين، هي بمثابة قانون في المغرب، وبالتالي هناك مسار قضائي انتهى، وهناك مسار إداري وسياسي يعالج القضية".
وذهبت المصادر إلى أن "الرباط محرجة في هذا الملف، وفي هذا الاتجاه يجب قراءة موقف المجلس الوطني لحقوق الإنسان (مؤسسة دستورية رسمية)، الذي دعا الحكومة إلى عدم تسليم الناشط الصيني".
وكان المجلس الوطني لحقوق الإنسان قد وجّه مراسلة إلى رئيس الحكومة عزيز أخنوش، تدعوه لعدم تسليم الناشط الصيني إدريس حسن، وذلك انسجاماً مع التزامات المغرب باتفاقيات "مناهضة التعذيب".
هذا وكانت الرباط وبكين قد وقعتا، في 11 مايو/أيار 2016، على اتفاقية تبادل تسليم المجرمين بين البلدين، والتي اعتمدتها المملكة المغربية في 2017، بعد مصادقة البرلمان بغرفتيه عليها.
ورطة الإنتربول
مصادر قريبة من الملف سجلت أن القضية فيها قدر كبير من الغرابة، إذ إن الإنتربول وضع المواطن الصيني في النشرة الحمراء منذ سنة 2017، وبعد توقيفه في المغرب في يوليو/تموز 2021 أزالته من لوائحها، في أغسطس/آب 2021.
وتابعت: أمر غريب أن يظل المواطن الصيني لمدة أربع سنوات على النشرة الحمراء، التي تخصص لأخطر المجرمين، من طرف الشرطة الدولية، ثم بعد أيام من توقيفه في المغرب يتم رفع اسمه من اللائحة.
وتُواجه منظمة الإنتربول انتقادات حقوقية، وذلك بسبب ضلوعها في هذه المأساة التي تهدد الناشط الإيغوري إدريس حسن.
ونشر موقع قناة "TV5 MONDE" الفرنسية حواراً مع المحامي الدولي والخبير الجنائي ويليام جولي، أكد فيه أن المسؤولية تقع على عاتق الإنتربول.
وقال المحامي: "في 13 مارس/آذار 2017، استجاب الإنتربول لطلب الصين بوضع الناشط إيشان يدريسي في النشرة الحمراء، لقد كانت نشرة الإنتربول هي السبب في توقيف الناشط من طرف السلطات المغربية".
وأضاف المتحدث أنه "في نفس السنة سحب الإنتربول النشرة الحمراء حول إيشان، بسبب شكوك حول مدى صدق التهم التي وجّهتها الحكومة الصينية للناشط الإيغوري".
وأفاد المحامي أنه منذ 2018 والعالم كله يتحدث عن معاناة الإيغور، ومع ذلك أبقى الإنتربول على إدريس حسن في النشرة الحمراء.
وأشار المتحدث إلى أنه "من المفروض أن يقوم الإنتربول بمراقبة الطلبات الواردة إليه من الدول، لكن عندي ملفات كثيرة تُظهر أن هذه المراقبة لا تتم بطريقة جدية، ولا بالشكل المطلوب، الصين طلبت وضع إدريس حسن في النشرة الحمراء للإنتربول، واستجاب دون تأكد أو تحقق".
أصوات حقوقية
يُجمع القريبون من الملف على أن الضغط الإعلامي والحقوقي قد يأتي بنتيجة في ملف الناشط الإيغوري، ويساعد الرباط على اتخاذ قرار عدم تسليمه للصين.
ويؤكد مقربون من ملف محاكمة الناشط الصيني أن الضغط الإعلامي سيفتح الباب أمام الحكومة في المغرب، لاستعمال كثير من المخرجات القانونية التي تمنع تسليم إدريس لبكين.
ويقول قانون المسطرة الجنائية، في الفقرة الثانية من الفصل 721: "لا يوافق على التسليم إذا كانت الجريمة المطلوب من أجلها التسليم تعتبر جريمة سياسية أو مرتبطة بجريمة سياسية".
كما يعتبر التشريع المغربي أن تقديم الشخص المعني بالتسليم لشكاية أو عريضة أمام اللجنة الأممية لمناهضة التعذيب واحدة من موانع تسليم المطلوبين.
وفي معرض الضغوط على المغرب، دعا خبراء حقوقيون تابعون للأمم المتحدة حكومة المغرب إلى وقف قرار تسليم الناشط الإيغوري إدريس حسن، إلى الصين، خوفاً من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، بما في ذلك الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري، أو التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.
جاء ذلك في بيان نشره الموقع الرسمي للأمم المتحدة، في 16 ديسمبر/كانون الأول، حمل توقيع كل من نيلز ميلتسر، المقرر الخاص المعني بالتعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، وماري لولور، المقررة الخاصة المعنية بحالة المدافعين عن حقوق الإنسان، وفرناند دي فارنس، المقرر الخاص المعني بشؤون الأقليات، وفيونولا إي أولاين، المقررة الخاصة المعنية بتعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية في سياق محاربة الإرهاب.
من جهتهم، أطلق ناشطون مغاربة وعرب، على مواقع التواصل الاجتماعي حملة إلكترونية بعنوان "لا لترحيل إدريس حسن"، بهدف حثّ المغرب على عدم تسليم الناشط الإيغوري إلى السلطات الصينية.