على أثر قرار المجلس الدستوري الذي خرج لأول مرة في تاريخه بـ"اللاقرار"، بشأن الطعن المقدم من كتلة التيار الوطني في البرلمان حول حصر اقتراع المغتربين بستة نواب بدلاً من 128 نائباً، أشار التيار الوطني الحر، الذي يعتبر أكبر حزب مسيحي في لبنان، الخميس 23 ديسمبر/كانون الأول 2021، إلى أنه يدرس إنهاء تحالفه السياسي مع حزب الله، مما يهدد اتحاداً هشاً يشكل السياسات اللبنانية منذ نحو 16 عاماً.
هذا القرار الصادر عن المجلس الدستوري أدى إلى إعلان رئيس التيار، جبران باسيل، مواقف عالية السقف ضد ما سماه الثنائي الشيعي (حزب الله وحركة أمل)، متهماً إياه بتشكيل رباعي مسلم في مواجهة الحضور المسيحي وصلاحيات رئيس الجمهورية المسيحي، وكان باسيل قد سُرِّب له فيديو منذ يومين، يشير فيه إلى الشيء ذاته، وعليه فإن هذه المواقف ليست وليدة اللحظة، بل سبقها منذ ثورة 17 تشرين (أكتوبر) 2019، مواقف مشابهة أطلقها باسيل وأعضاء تياره، حيث اتهموا حزب الله، بشكل متكرر بحماية الأحزاب الفاسدة في مقابل تأمينها غطاءً سياسياً للحزب.
لذا فإن أسئلة كبيرة مطروحة حول مستقبل "اتفاق مارمخايل" الذي عُقد في عام 2006، بين حزب الله والتيار الوطني الحر، وشكَّل منصة سياسية في مواجهة قوى وتحديات سياسية كبيرة، ومستقبل هذا الاتفاق مرتبط بعوامل عديدة ومسارات بين الطرفين وحلفائهما في لبنان والخارج، فهل ينتهي التحالف بالفعل، وهل هناك إمكانية لإنهائه؟
التيار مأزوم.. لا حلفاء ولا أصدقاء
يجيب باحثون بأنَّ فك التحالف غير مطروح، يقول الباحث والمحلل السياسي ربيع دندشلي، إنه لا بدّ أوّلاً من التذكير بأن رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، أكثر الأشخاص المأزومين من القوى السياسية، إن لم نقل أكثرهم تأزماً؛ وذلك نتيجة لمجموعة عوامل، أهمها:
أولاً: أن عهد الرئيس ميشال عون في آخر أيامه وأصعبها، حيث لا حكومة تجتمع ولا حلول مرتقبة في السياسة والاقتصاد والعلاقات الخارجية، أضف إلى أن الرئاسة الأولى خاصمت كل القوى "كرمى لعيون باسيل"، ولم تعد نموذجاً جامعاً للبنانيين كما كانت الرئاسة في عهود سابقة.
ثانياً: التيار الوطني الحر داخلياً في أسوأ أحواله حيث استقالات بالجملة، والكتلة البرلمانية تقلصت بعد انسحابات متتالية شملت منذ عام 2019، تسعة نواب في كتلة باسيل، أضف إلى أن أقلَّ من ربع حاملي البطاقات الحزبية قد تفاعلوا مع آلية اختيار المرشحين للانتخابات النيابية، وهذا دليل واضح على حالة الإحباط والاعتراض التي تسود القواعد الحزبية.
باسيل خسر حليفه السني..
ثالثاً: خسر باسيل حليفه السني أي تيار المستقبل ومِن خلفه كل الوجود السني الذي أمَّنه الرئيس سعد الحريري في الطائفة السنية، حيث كانت التسوية الرئاسية في عام 2016، مناسبة لإطلالة باسيل في المساحة السنية والعمل على تحالفات (تحالف مع الجماعة الإسلامية في انتخابات 2018).
إضافة إلى وجوه سُنية أخرى خسرها باسيل بعد انفراط التحالف مع الحريري، فمعظم الأطراف السنية تتحرز من التواصل مع التيار؛ خوفاً من سخط انتخابي في المشهد السني، فالحريري لن يتحالف مع التيار ولن يؤمّن له أصوات السُّنة في المناطق المسيحية كما جرى في عام 2018، والجماعة الاسلامية شبه انتهت سياسياً.
أضف إلى أن باسيل على علاقة متوترة مع الحزب التقدمي الاشتراكي بزعامة وليد جنبلاط ومع القوى المسيحية الأخرى وتحديداً القوات اللبنانية.
رابعاً: باسيل لا يمكنه التحالف مع أي من مجموعات الثورة الناشئة، لأنها تعتبر باسيل من يدير الرئاسة الأولى والحليف الأول لحزب الله وشريك مرحلة التسوية.
خامساً: علاقة عون وباسيل مع الخارج سيئة، فلا يزالان معزولين إقليمياً ودولياً، مع عقوبات أمريكية وسحب العديد من الدول الأوروبية الفيزا من نواب في تياره، وتهديدات بعقوبات على مزيد من رجال الأعمال الذين يدورون في فلكه.
لذا ووفق دندشلي، فإن التيار المأزوم في السياسة المحلية والخارجية ليس في فسحة سياسية لفك ارتباطه مع حزب الله؛ لكون الحزب هو آخر قلاع باسيل السياسية التي يحتمي بها، خاصةً أن الحزب والتيار حريصان على التحالف في انتخابات 2022 معاً؛ لكون أحدهما يرفد الآخر.
حاجة الحزب أكبر..
بالتوازي يشير مصدر سياسي معارض، لـ"عربي بوست"، إلى أن حاجة الحزب للتيار الوطني الحر تكاد تكون أكبر من حاجة الأخير للحزب؛ لكون حزب الله وبعد عزله دولياً بحكم المغامرات الإقليمية، بات أكثر حاجة للخروج من كونه حزباً شيعياً دينياً عبر ما يمثله التيار الوطني الحر من قوة مسيحية حاضرة ومؤثرة، وهو غطاء محلي مسيحي لكل مشاركات الحزب العسكرية والسياسية في لبنان والمنطقة.
وهذا بدا من خلال إصرار الحزب على الإتيان بميشال عون لرئاسة الجمهورية وتأمين حماية سياسية تحول دون سقوط عهد عون، خاصة عقب انطلاق ثورة 2019 التي أطلق حينها الأمين العام للحزب حسن نصر الله "لا" شهيرة تمنع المساس بالرئاسة الأولى.
ويشير المصدر إلى أن الحزب متمسك بالتيار الوطني الحر كشريك مسيحي في وجه حزب القوات اللبنانية الذي ينتهج مواجهة حزب الله بدعم أمربكي وعربي، والتيار يكاد يكون القوة المسيحية الوحيدة لمواجهة "القوات" وباقي المكونات المسيحية المناوئة للحزب منذ اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري وحتى يومنا هذا.
وإذ يؤكد المصدر أن الحزب بحاجة لفريق سياسي متشعب يمتلك مراكز نفوذ مالي واقتصادي لتبييض الأموال، والتيار خلال السنوات الماضية وفر للحزب مجموعة كبيرة من رجال الأعمال يقومون بمساعدته، وظهر هذا من خلال لائحة العقوبات الأمريكية التي شملت شخصيات محسوبة على باسيل، آخرها داني خوري وهو أحد ممولي التيار الوطني الحر.
لكن الحزب أراد القول لباسيل من خلال وقوفه مع بري في ملفي القاضي البيطار والمجلس الدستوري، إن علاقة الحزب مع حركة أمل شريكه في الساحة الشيعية، أكثر قدسية ولا يمكن لباسيل مطالبة الحزب بالاختيار بينه وبين بري.
تفهم الحزب لهواجس باسيل
وقد تشكل هذه التطورات مزيدغ من الضغوط على حزب الله، لاسيما في ظل تعطيله المستمر للحكومة، إلى حين الاستجابة لمطلبه في مسألة القاضي طارق البيطار، وترى المحللة السياسية كلير شكر أن الهاجس الانتخابي والخشية من التعرّض لانتكاسة في النتائج الإنتخابية هما اللذان يدفعان باسيل إلى خوض المعارك على كلّ الجبهات بشكل شبه "انتحاري". تملي عليه المزايدة الشعبية مواجهة حزب الله وحركة أمل في ملف التحقيقات العدلية بقضية مرفأ بيروت والمحقق العدلي طارق البيطار، فقط لأنّ حزب القوات اللبنانية حوّلها إلى قضية مسيحية، فبات باسيل مضطرّاً إلى اعتماد الخطاب ذاته.
بالمقابل يقول المصدر إن إصرار باسيل على رفع السقف في وجه حزب الله سيصعّب عليه المعركة الانتخابية المنتظرة، خاصةً أن حزب الله يسعى إلى مد باسيل بالأصوات التي قد يخسرها في العديد من المناطق، وهو يرتب تحالفات في بعض المناطق لباسيل مع أحزاب وقوى وشخصيات حليفة للحزب بهدف تشكيل لوائح مشتركة تهدف إلى عدم تقليل حصة التيار الانتخابية حتى لو ضعفت، وسيحاول دعمها بشتى الطرق.
ويشير المصدر إلى أن الحزب تدخل شخصياً مع بعض القوى والشخصيات التي تشهد علاقتها مع باسيل توتراً سياسياً، بهدف إصلاحها قبيل الانتخابات، لأن الحزب بات يدرك أن الانتخابات هذه المرة أكثر خطورة، وأن هناك قوى دولية تسعى لعزل الحزب وتقليص أكثريته النيابية لتغدوا أقلية، مع صعود قوى جديدة من رحم الثورة وتحديداً في الساحتين المسيحية والسنية.