على وقع الانهيار المتسارع في العملة اللبنانية، ووصول الدولار الواحد إلى 30 ألف ليرة لبنانية، لا تظهر أي مؤشرات جديدة حتى اللحظة على وجود إمكانية لمعالجة الأسباب التي تمنع انعقاد الحكومة اللبنانية منذ أشهر.
لكن هذا الصمت المطبق تجاه ملف انعقاد الحكومة خرقه أمس رئيس الجمهورية ميشال عون أمام مجلس نقابة محرري الصحافة اللبنانية، حين أكد تأييده للدعوة إلى عقد جلسة للحكومة، حتى لو تمت مقاطعتها من الثنائي الشيعي؛ حزب الله وحركة أمل.
ولا يزال الثنائي الشيعي يشترط عزل القاضي طارق البيطار من مهمته في التحقيق بجريمة انفجار مرفأ بيروت.
تأتي هذه الدعوة في ظل الخلاف المستمر بين فريق رئيس الجمهورية وصهره جبران باسيل، وبين حزب الله وحركة أمل، على ملف البيطار وملفات أخرى، وهو ما انعكس على تجميد انعقاد اجتماعات الحكومة.
وبحسب معلومات سابقة حصل عليها "عربي بوست"، فإن رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، اشترط الموافقة على تأجيل الانتخابات لشهر مايو/أيار 2022، بدلاً من مارس/ آذار، مقابل الموافقة على نقل ملف الوزراء والنواب للمحاكمة في مجلس النواب.
كما اشترط باسيل أن ينتخب اللبنانيون في الخارج 6 نواب بدلاً من 128 نائباً.
رسائل عون إلى ميقاتي
بالمقابل، تقول مصادر حكومية مطلعة لـ"عربي بوست"، إن دعوة عون المفاجئة لدعوة الحكومة للاجتماع بمن حضر، تعني أنها رسالة لإحراج ميقاتي المتريث من دعوة الحكومة للاجتماع.
ويدير رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ملفات البلاد عبر لقاءات مباشرة مع الوزراء أو لجان وزارية جرى تشكيلها، إذ يتخوف ميقاتي من الدعوة إلى جلسة حكومية خوفاً من مقاطعة وزراء حزب الله وحركة أمل وتيار المردة الجلسة، أو حضور الجلسة، ومن ثم تفجيرها بطرح ملف البيطار، الذي عاد منذ أيام لممارسة مهامه، وأعاد طلب استدعاء النائب علي حسن خليل للتحقيق بصفة متهم.
هذا الاستدعاء استفز رئيس المجلس النيابي نبيه بري، الذي أبلغ بدوره ميقاتي تصلبه بموقفه بعزل البيطار أو سحب ملف محاكمة الوزراء والنواب منه، وإحالتهم للمجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، التابع للبرلمان مباشرة.
وتوضح المصادر أن جبران باسيل يسعى للضغط على ميقاتي، لإحراجه شعبياً ودولياً وخليجياً، لدفعه إلى الدعوة لعقد جلسة فورية للحكومة، وهي خطوة غير واردة في أجندة رئيس الحكومة، ما لم ينَل تعهّدات بأنّ الجلسة المقبلة لن تكون ممرّاً لتفجير حكومته من الداخل.
رسالة عون إلى حزب الله
كما أن دعوة عون تتضمن رسالة باتجاه حزب الله، وتحمل تعبيراً عن تعاظم الامتعاض الرئاسي من تجاهل الحزب حاجة عون وباسيل لتفعيل الحكومة، والاستفادة من خدمات الحكومة لتحقيق أي إنجاز إصلاحي عشية الانتخابات النيابية، وقبيل انتهاء الولاية الرئاسية.
خشية من عزل عون
في المقابل، تقول مصادر سياسية مطلعة لـ"عربي بوست"، إن عون يستشعر حصول اتفاق مشترك بين بري وميقاتي لمحاصرته.
ويعتقد المصدر أن ميقاتي مستفيد من عدم عقد جلسات الحكومة، لأنه يدير البلاد بعيداً عن رئيس الجمهورية عبر اللجان الوزارية، فالمفاوضات مع صندوق النقد الدولي مناطة به، وهو من يقوم بالزيارات الخارجية، ويُجري لقاءات مع الرؤساء، ويتصل بزعماء الدول، وما لم ينجح أحد بانتزاعه في مفاوضات تشكيل الحكومة ومنحها صلاحيات استثنائية، ها هي تتحقق لميقاتي بنتيجة تعطيل الحكومة اليوم.
ويؤكد المصدر أن هناك لدى عون شعور أفصح به منذ أيام أمام مستشاريه، أن اللقاء بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، واتصالهما المشترك مع ميقاتي جاء على حساب رأس السلطة في لبنان.
ويرى عون أن هناك اتفاقاً جرى بين الثلاثة على عزله، وهو ما ترجم داخلياً باستبعاد ميقاتي لعون ومستشاريه عن اللجان الوزارية المعنية بمفاوضات صندوق النقد وملفات الصحة والأزمة المالية.
أما خارجياً، فالموفد الفرنسي بيار دوكان، الذي زار لبنان، لم يلتق عون رغم بقائه في لبنان لمدة يومين، الأمر الذي يعتبر محاولة لاستثناء رئيس الجمهورية عن الاجتماعات الداخلية والخارجية.
حزب الله والحلول في فيينا
بالمقابل، تشدد المصادر الحكومية أن حزب الله يلتزم الصمت حتى اللحظة؛ تجنباً لأي ردة فعل تسعى بعض الأطراف لجره إليها.
وتوضح المصادر أن حزب الله لن يتراجع عن مطالبه المتعلقة بتحقيق المرفأ، فهو ينتظر خلاصة مفاوضات فيينا النووية بين إيران والقوى الغربية، ليبني على الشيء مقتضاه، خاصة أن أي تنازل قد يقدمه الحزب لن يقدمه للفرنسيين الحريصين على إنجاح مبادرتهم، فالتنازل سيكون مرتبطاً بسياق المفاوضات الإيرانية- الأمريكية.