استجاب الرئيس التونسي قيس سعيّد لرغبته في تغيير كل شيء في تونس، وذلك بإعلانه أمس الإثنين 13 ديسمبر/كانون الأول 2021 عن مجموعة من القرارات الجديدة في البلاد.
ومن بين أهم القرارات التي أعلنها الرئيس التونسي إجراء إصلاحات دستورية تعدها لجنة خاصة وسيتم عرضها للاستفتاء في 25 من يوليو/تموز من العام المقبل.
سعيّد قال إنه سيشكل لجنة سيُسند لها تأليف الآراء والأفكار، وهو الأمر الذي أكده أمين محفوظ، أستاذ القانون الدستوري، الذي التقى الرئيس مؤخراً، والذي قال إن اللجنة ستتكون من مختصين في القانون لكتابة مسودة لدستور جديد.
تغيير الدستور التونسي الذي انبثق عن الثورة وتم إعداده سنة 2014 أثار الجدل وسط الساحة السياسية في البلاد، وأيضاً لدى أساتذة القانون الدستوري، الذي قالوا إنه سيكون على مقاس الرئيس، ويثبت فكرة الحكم الواحد.
لجنة لإعداد دستورٍ جديد
صياغة دستور جديد في تونس يتطلب انتخاب مجلس تأسيسي جديد (برلمان)، ويقوم هذا المجلس بوضع دستور كما حدث سنة 2014 بعد ذلك يمكن عرض الدستور على الاستفتاء للمصادقة عليه من طرف الشعب، هذا الأخير الذي له كلمة الفصل، نعم أو لا.
بالنسبة لقيس سعيّد فالأمر مختلف تماماً، فالرئيس انطلق من الأمر الرئاسي 117 الذي بث بموجبه قرارات استثنائية، وتحدث عن حوار ونقاش مع الشباب سيكون في إطار منصات إلكترونية، سيكون موضوعه النظام السياسي وتوجهات الدولة.
سعيّد وعلى عكس المعمول به في تونس سيقوم بتعيين لجنة من الخبراء ستضم أساتذة للقانون الدستوري من المساندين له ولمسار 25 يوليو/تموز 2021 وشخصيات من المجتمع المدني، ومن تم سيعرض الدستور على الاستفتاء.
شاكر الحوكي أستاذ القانون الدستوري قال إن "مشروع سعيّد لا يحتمل في الواقع منصات أو حواراً مع الشباب، ولا يحتمل استفتاء، وسيقوم هو شخصياً بصياغة الدستور كما يحلو له".
وأضاف المتحدث في تصريح لـ"عربي بوست" أن "دستور سعيّد المنتظر سيكون على شاكلة نظام رئاسي، الحقوق فيه مقيدة، ولن نجد فيه محكمة دستورية، وسيعتمد نظام الاقتراع على الأفراد وليس على الأحزاب، فهو نسخة مطابقة للأصل للأمر 117".
من جهته، قال عبد الوهاب معطر، أستاذ القانون الدستوري، إن "قيس سعيّد قد ذكر في الفصل 22 من الأمر 117 السيئ الذكر أنه هو شخصياً الذي سيضع دستوراً جديداً بالاستعانة بلجنة سيُعينها هو، وسيكون دور اللجنة استشارياً صرفاً".
وأضاف معطر في تصريح لـ"عربي بوست" أن "سعيّد رفض قبل ذلك إتاحة الفرصة لتشكيل محكمة دستورية، وقد كان هذا الرفض أمراً مضمراً ومخططاً له من طرفه للشروع في تنفيذ خيارات متصلة بوضع دستور جديد وإلغاء دستور 2014".
هل تقبل تونس دستوراً جديداً؟
عارضت الأحزاب والمنظمات الوطنية وجمعيات المجتمع المدني في تونس إلغاء دستور 2014، أو أن يتم تعديله بشكل فردي، داعيةً إلى العودة فوراً للمسار الدستوري.
واعتبرت القوى السياسية المناوئة للرئيس أن التعديل في حال اقتضته الضرورة يجب أن يكون ضمن الآليات الدستورية، وإلا سيكون انزلاقاً خطيراً نحو الانحراف بالسلطة، وتكريساً للحكم الفردي.
وتقود تنسيقية القوى الديمقراطية وغيرها من القوى الرافضة لمسار 25 يوليو/تموز 2021 مشاورات مع عديد المكونات السياسية والحركات الشبابية والشخصيات المستقلة قصد وضع برنامج لتحركات احتجاجية ومسيرات سلمية.
ومن المنتظر أن تنطلق هذه الحركة الاحتجاجية في 17 ديسمبر/كانون الأول الحالي، الذي يصادف ذكرى إندلاع شرارة الثورة، وذلك للتصدي لخروج الرئيس عن الشرعية والانحراف بالسلطة وتردي الأوضاع والصعوبات والمخاطر التي انزلقت إليها البلاد.
شاكر الحوكي، أستاذ القانون الدستوري، قال: "إذا كان دستور 2014 ما يزال صالحاً، فإن رئيس الدولة لم يعد صالحاً ولم يعد شرعياً، لأن شرعيته كانت مستمدة من الدستور الذي أقسم عليه، وأي بديل عن الدستور الحالي لن يكون إلا دستوراً تعيساً، ودستوراً غير مرحب به دولياً".
وأضاف المتحدث أن "دستور 2014 رحبت به لجنة البندقية، واعتبرته من أحسن الدساتير العالمية رغم بعض التحفظات، ووافقت عليه منظمات المجتمع الدولي وهو دستور وُضع بشكل توافقي وديمقراطي".
وأشار الحوكي في تصريح لـ"عربي بوست" إلى أن "الدستور المنتظر سيكون على المقاس ويحمل مشروع الرئيس الذاتي، مشروع ينسف مسار الجمهورية ومسار الانتقال الديمقراطي، ويؤسس إلى نظام جماهيري "قذافي" على الطريقة الليبية، وسيتحول إلى مرشد أعلى للثورة التونسية".
ما أهداف قيس سعيّد؟
لم يتراجع سعيّد خطوة إلى الوراء، وبدا أنه يعتمد "سياسة المراحل" في تطبيق مشروعه وتوجهاته للحكم، وذلك منذ إصداره للأمر الرئاسي 117 الذي أعلن من خلاله عن إجراءات استثنائية في البلاد.
وعلّق الرئيس التونسي قيس سعيّد كل أبواب الدستور منذ 25 يوليو/تموز 2021، وبعدها أعلن أنه "لم يعد صالحاً ولا مشروعية له ولا يمكن تواصل العمل به".
عبد الوهاب معطر الوزير الأسبق، وأستاذ القانون الدستوري، قال إن "قيس سعيّد لن يقدم على شيء، وليست لديه إمكانية لفعل أي شيء، واشتد عليه الخناق، وإلغاؤه للدستور يعني نهايته سياسياً".
وتابع معطر في تصريح لـ"عربي بوست" أن "سعيّد يُريد دستوراً جديداً لتزيل مشروعه للبناء القاعدي، وهو مشروع يجعل منه زعيماً واحداً، وسيقوم بانتخابات جديدة على أساس المحليات، أي النظام المجالس، وسيغير النظام السياسي لتونس وهو يريد تدمير الدولة من الداخل ".
وأضاف معطر أن "قيس سعيّد يريد دستوراً يُلغي فيه الباب السابع كله المتعلق بالحكم المحلي، ويريد أن يجعل النظام الرئاسي مطلقاً، باعتبار أن له السلطة التنفيذية كاملة، نظام على شاكلة الحكم المحلي وبالتفويض".
لم يعتبر إقرار سعيّد بالتخلي عن دستور 2014 مفاجئاً، إذ سبق أن أصدر في 22 سبتمبر/أيلول 2021 الماضي أمراً رئاسياً، وهو الأمر 117 واعتبره الكثيرون إلغاء مقنعاً للدستور التونسي الحالي.
منى كريم، أستاذة القانون الدستوري، قالت إن "الأمر عدد 117 هو بمثابة تعليق وإلغاء كلي لدستور 2014، وإلغاء الدستور لا يكون بهذه الطريقة بل لا بد من اتباع طرق ديمقراطية وتشاركية لتعديله".
وأضافت كريم، في تصريح لـ"عربي بوست"، أنه "تم استيفاء كل مراحل خرق الدستور وتنصيب الحكم الواحد، وستدخل البلاد في أزمة شرعية عواقبها سيئة على الاستقرار السياسي".
واستغربت المتحدثة موقف بعض أساتذة القانون الدستوري الذين التقاهم قيس سعيّد في أكثر من مرة والداعمين لتوجهاته، قائلة إن "هؤلاء قلة ولا يمثلون الطيف الواسع من أساتذة القانون الدستوري الرافضين لمشروع قيس سعيّد وخياراته الدستورية والسياسية".