رفض مواطن فلسطيني، يُدعى عبد الفتاح إسكافي، العديد من المغريات الإسرائيلية لترك منزله في حي الشيخ جراح في مدينة القدس الشرقية المحتلة، بما فيها عرض بالحصول على 5 ملايين دولار ثمناً له.
يعد إسكافي واحداً من عشرات الفلسطينيين المهدَّدين بالإخلاء من منازلهم في حي الشيخ جراح لمصلحة مستوطنين إسرائيليين.
كانت عائلة إسكافي قد أقامت مع 27 عائلة فلسطينية أخرى، في حي الشيخ جراح عام 1956 بموجب اتفاق مع الحكومة الأردنية ووكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا".
إلا أنه منذ العام 1972، تخوض عائلة إسكافي وباقي العائلات صراعاً مريراً بالمحاكم الإسرائيلية، في محاولة لنفي مزاعم جماعات استيطانية إسرائيلية ملكيتها للأرض المقامة عليها المنازل.
مضايقات مستمرة
من جهته، قال إسكافي، في حديث إلى وكالة "الأناضول" في منزله، إنه لن يخضع لمضايقات مستمرة على مدار الساعة من جانب مستوطنين إسرائيليين لإجباره على ترك المنزل، متابعاً: "عائلتي مهجَّرة منذ عام 1948، كنا نسكن البقعة (على مشارف القدس الغربية) وجئنا إلى القدس الشرقية".
أضاف: "أعيش حالياً في منزلي البالغة مساحته 130 متراً مربعاً، مع عائلتي المكونة من 14 نفراً بمن فيهم أولادي وأحفادي"، مردفاً: "بيتنا في البقعة ما زال موجوداً ويسكنه يهود، ولكن إذا ما ذهبتَ إلى هناك.. فسيجلبون لك الشرطة"، لافتاً إلى أنهم استخدموا "كل أنواع المضايقات القذرة وغير القذرة ضدنا بما فيها الإزعاج ومحاولات تهجير وضرب الأطفال والشباب".
يذكر أن منزل إسكافي به فناء خلفي يضم بعض الأشجار المثمرة.
لكن من أجل الوصول إلى المنزل عبر زقاق ضيق، فإنه يتعين المرور من جانب منازل استولى عليها مستوطنون خلال السنوات الماضية.
وعلى أبواب المنازل كلمات باللغة العبرية، فيما قام مستوطنون بإعداد حديقة صغيرة للعب أطفالهم.
كان المستوطنون قد استولوا على المنازل في عام 2008، بعد طرد أم كامل الكرد وعائلتها من منزلهم.
يخشى إسكافي وأفراد العائلات الفلسطينية الأخرى في الحي، مصيراً مشابهاً، مع إصرار جماعات استيطانية على وضع يدها على هذه المنازل.
في حين تزعم جماعات المستوطنين أن الأرض المقامة عليها المنازل الفلسطينية في الحي كانت بملكية يهودية قبل العام 1948، ولذلك فهي تطالب بإخلاء العائلات من منازلها.
هؤلاء المستوطنون يستندون إلى قانون أقره الكنيست الإسرائيلي في العام 1970 يسمح لليهود بالمطالبة بأملاك يقولون إنها كانت بملكية يهودية قبل عام 1948.
غير أن القانون الإسرائيلي يمنع الفلسطينيين من المطالبة باسترداد أملاك لهم قبل عام 1948، حتى لو امتلكوا من الوثائق ما يثبت ملكيتهم لها.
في هذا الإطار، يقول إسكافي: "في 1972، قام المستوطنون بتزوير ورقة وقاموا بتسجيل الأرض في دائرة أراضي إسرائيل، ولكننا متأكدون من أنها ورقة غير قانونية ومزورة، حتى إن الكاتب الإسرائيلي المسجِّل للأراضي في إسرائيل قال لهم إن أوراقهم غير مكتملة، ولكن في نهاية الأمر قام بتسجيلها لهم بشكل مبدئي".
كما أضاف: "لا توجد لديهم أي وثائق، وقد قدموا ورقة على أنها تركية، ولكن وجد طاقم المحامين المدافع عنا- بعد عملية بحث- أن لا أصل لهذه الورقة المزورة، هم لا يريدون فتح ملف الملكية؛ لأنه سيكشف عملية التزوير التي قاموا بها".
نضال فلسطيني متواصل
لم يتوقف النضال المضني للعائلات الفلسطينية في المحاكم الإسرائيلية منذ عام 1972 وحتى اليوم.
غير أن نصيب العائلات الفلسطينية من قرارات المحاكم الإسرائيلية تفاوت حتى الآن بين رفض أوراق الملكية والإخلاء أو التأجيل من دون أفق في صالح هذه العائلات.
فيما أردف إسكافي: "هناك ورقة تركية تنفي ملكية اليهود لهذه الأرض، ويوجد كوشان (وثيقة إثبات ملكية) باسم سليمان درويش حجازي يدل على أن هذه الأرض ملك لعائلة حجازي".
لكنه استدرك أن المحاكم الإسرائيلية ترفض الوثائق التي قدمتها العائلات الفلسطينية.
فيما تترك قرارات الإخلاء، التي غالباً ما يتمكن محامون فلسطينيون من تأجيلها في محاولة لكسب الوقت، العائلات الفلسطينية في حالة من القلق المستمر.
إسكافي استطرد قائلاً: "بعد أوامر الإخلاء التي تلقيناها من محكمتي الصلح والمركزية الإسرائيليتين، فإننا نعيش حالة من عدم الاستقرار ليلاً ونهاراً ونواجه مشكلة مع الأطفال الذين يخشون الطرد، وهناك خوف وقلق من المصير المجهول، لا سيما في ظل غياب البديل في حال الطرد. كل هذه الأمور تؤثر علينا سلبياً، فلا نجد أي شيء ملموس يمكن أن نستند إليه من أجل الاستقرار، نحن في حالة طوارئ 24 ساعة منذ سنوات".
مؤخراً عرضت المحكمة العليا الإسرائيلية على العائلات الفلسطينية البقاء في منازلها لفترة 15 عاماً مقابل دفع الإيجار للمستوطنين.
بينما رفضت العائلات الفلسطينية هذا العرض، بعدما اعتبرت أن دفع الإيجار يعني إقراراً منها بملكية المستوطنين للمنازل.
على ما يبدو من بعيد كحي هادئ لا يخلو في جنباته من عمليات إغراء يقودها أثرياء يهود حول العالم وترهيب من جانب مستوطنين مهاجرين (غالبيتهم) من دول غربية.
منزل إسكافي ملاصق لمنزل استولى عليه مستوطنون، ولكنه يقول: "لا علاقات لنا معهم ولا نتحدث معهم، هم أيضاً يشعرون بالخوف، فهم غرباء. وبما أننا على حق، فإننا لا نخاف، هم يعرفون أننا لا نقبل بهم هنا، وهم لا يحبوننا ولا يريدوننا ويستخدمون كل شيء عنيف وقذر، إضافة إلى إزعاج بالليل، وخاصة خلال فترات أعيادهم".
يخشى إسكافي المستقبل المجهول، ولكنه يرفض أيضاً رغد العيش بمقابل التنازل عن منزله، وقال: "العروض مستمرة منذ السبعينيات، وما زالوا يعرضون، يقولون لنا نريد البيت وفي نهاية الأمر سنحصل عليه وإن هذه أرضهم وإن من الأفضل أن نخرج".
كذلك أوضح: "عرضوا علينا الحصول على قطعة أرض في منطقة أخرى بالمدينة أو شقتين سكنيتين أو 4-5 ملايين دولار أمريكي، وحتى أكثر، وطبعاً هذا مرفوض، بالنسبة إليهم الأموال ليست إشكالية، وهم يعرضون شيكاً مفتوحاً مقابل إخلاء المنزل. نحن لا نريد المال حتى لو وضعوا ثقلها لن نعطيهم إياها. نحن هنا ولن نخرج".
"لن نرحل من القدس"
تابع إسكافي: "كأهالٍ لم يفرّط أحد، ولن يفرط أحد بالشيخ جراح. وجميعنا متشبثون (بالحق) حتى الرمق الأخير".
أكثر ما يخشاه إسكافي هو مصير أبنائه وأحفاده في حال تم فعلاً طردهم من منزلهم، مضيفاً: "لقد تم تهجير آبائنا عام 1948، وإذا ما قاموا بتهجيرنا فهذه نكبة ثانية، وإذا تم تهجير أطفالنا وأحفادنا فهذه هجرة ثالثة، وبالتالي هي 3 مراحل نكبة".
غير أن إسكافي استدرك: "حتى لو أخلونا (بالإجبار) من منازلنا، فإننا لن نرحل من القدس، وسنبقى هنا".
في غضون ذلك، يضطر بعض الفلسطينيين في مدينة القدس إلى هدم منازلهم بأنفسهم حال صدور قرارات هدم إسرائيلية بحقها؛ لأنه إذا قامت السلطات الإسرائيلية بذلك ستكون التكاليف كبيرة جداً.
حسب مراكز حقوقية، يواجه الفلسطينيون في مدينة القدس صعوبات جمّة لاستخراج تراخيص بناء، كما أنها تكلف عشرات الآلاف من الدولارات لكل شقة سكنية.
في حين يشير مركز المعلومات الوطني الفلسطيني (حكومي) إلى أن عدد المنازل المهدومة منذ احتلال إسرائيل للقدس عام 1967 بلغ أكثر من 1900 منزل.