أطلقت قوات الأمن السودانية الغاز المسيل للدموع لتفريق عشرات الآلاف من المحتجين الذين احتشدوا في وسط العاصمة الخرطوم، الثلاثاء 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، للاحتجاج على ما وصفوه بـ"الحكم العسكري الذي أعقب انقلاب الشهر الماضي".
فقد حاول المتظاهرون، وفق شهود عيان، الوصول إلى البوابة الجنوبية للقصر الرئاسي بالخرطوم، واحتشدوا على بعد كيلومتر تقريباً من القصر، لكن الشرطة تصدت لهم، وبدأت مطاردتهم، وأغلقت طريقاً رئيسياً.
فيما ردد المحتجون الذين حملوا الأعلام الوطنية، شعارات تندد بـ"الانقلاب العسكري"، والاتفاق السياسي الموقع بين رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، ورئيس الوزراء عبد الله حمدوك.
كما خرج آلاف المتظاهرين في مدن عطبرة (شمال)، وكسلا وبورتسودان (شرق) ومدني والمناقل (وسط) الثلاثاء، رفضاً لاتفاق البرهان وحمدوك.
على الرغم من بقاء الجسور التي تربط العاصمة بمدن أخرى مفتوحة، توجهت الشرطة المدججة بأسلحة ثقيلة إلى وسط الخرطوم؛ حيث كان يعتزم المحتجون الخروج في مسيرة إلى القصر الرئاسي.
في حين شوهد ساسة سودانيون بارزون أُطلق سراحهم مؤخراً في تلك الاحتجاجات الجديدة.
كانت السلطات السودانية قد أطلقت سراح وجدي صالح، القيادي البارز في لجنة إزالة التمكين ومحاربة الفساد المثيرة للجدل، في ساعة متأخرة من ليل الإثنين وفقاً لحسابه على تويتر ومصادر مقربة منه.
كذلك قالت أسرة وزير الصناعة السابق إبراهيم الشيخ لوكالة رويترز إنه أُطلق سراحه مع اثنين من أعضاء اللجنة.
لكن المحامي معز حضرة قال إن صالح والشيخ وزميلهما السياسي إسماعيل التاج يواجهون اتهامات بالتحريض على القوات المسلحة.
رفض اتفاق البرهان- حمدوك
كانت تنسيقيات لجان المقاومة بالخرطوم قد أعلنت، الإثنين 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، أن مواكب 30 نوفمبر/تشرين الثاني، ستتوجه إلى القصر الرئاسي وسط العاصمة، رفضاً للاتفاق السياسي الأخير، وتعبيراً عما وصفوه بالموقف الثابت "لا تفاوض.. لا شراكة.. لا مساومة".
أضافت تلك التنسيقيات، في بيان: "موقفنا من السلطة الانقلابية كان، وما زال، وسيظل واضحاً، ولا نفرق بين رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، ورئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان ونائبه محمد حمدان دقلو وبقية الجنرالات، فكلهم انقلابيون، ومكانهم المشانق"، بحسب البيان.
يُذكر أن "لجان المقاومة" تشكلت خلال الثورة السودانية على نظام عمر البشير، وهي مجموعات شعبية ساهمت في تنظيم الحراك الاحتجاجي؛ ما أجبر قيادة الجيش على عزل البشير، في 11 أبريل/نيسان 2019.
ارتفاع قتلى الاحتجاجات إلى 43
في وقت سابق من يوم الثلاثاء، أعلنت لجنة أطباء السودان (غير حكومية) ارتفاع حصيلة قتلى احتجاجات السودان منذ 25 أكتوبر/تشرين الأول المنصرم إلى 43، إثر وفاة أحد متظاهري الخميس الماضي متأثراً بجراحه، لافتة إلى أن وفاة هذا المتظاهر جاءت "بعد تعرضه لضرب مبرح في الرأس بالهراوات من قبل قوات الانقلاب أدى إلى حدوث نزيف دماغي".
بينما قالت الشرطة السودانية، الخميس، إنها لم تطلق الرصاص على المتظاهرين السلميين، وإنها التزمت بتفريق الاحتجاجات "وفق المعايير الدولية".
أحداث ساخنة في السودان
منذ 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، يعاني السودان أزمة حادة، إذ أعلن البرهان حالة الطوارئ وحلّ مجلسي السيادة والوزراء الانتقاليين وإعفاء الولاة، عقب اعتقال قيادات حزبية ووزراء ومسؤولين، مقابل احتجاجات مستمرة ترفض هذه الإجراءات، باعتبارها "انقلاباً عسكرياً".
في حين يشهد السودان احتجاجات متواصلة منذ ذلك التاريخ رفضاً لإجراءات البرهان.
رغم توقيع البرهان وحمدوك اتفاقاً سياسياً، في 21 نوفمبر/تشرين الثاني، يتضمن عودة الأخير لمنصبه، وتشكيل حكومة كفاءات، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وتعهد الطرفين بالعمل معاً لاستكمال المسار الديمقراطي، إلا أن قوى سياسية ومدنية عبرت عن رفضها للاتفاق باعتباره "محاولة لشرعنة الانقلاب"، متعهدة بمواصلة الاحتجاجات حتى تحقيق الحكم المدني الكامل.
مقابل اتهامه بتنفيذ "انقلاب عسكري"، يقول البرهان إن الجيش ملتزم باستكمال عملية الانتقال الديمقراطي، وإنه اتخذ إجراءاته الأخيرة؛ لحماية البلاد من "خطر حقيقي"، متهماً قوى سياسية بـ"التحريض على الفوضى".
قبل تلك الإجراءات كان السودان يعيش منذ 21 أغسطس/آب 2019، فترة انتقالية تستمر بموجب "الوثيقة الدستورية" 53 شهراً، تنتهي بإجراء انتخابات مطلع 2024، ويتقاسم خلالها السلطة كل من الجيش وقوى مدنية، وحركات مسلحة وقّعت مع الحكومة اتفاق سلام في 2020.