قالت صحيفة The Guardian البريطانية، الإثنين 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، إن قواتٍ يقودها الأكراد مسؤولة عن سجون في شمال شرقي سوريا تضم حوالي 10 آلاف رجل مرتبطين بتنظيم "داعش"، تُطلق سراح المسجونين مقابل الحصول على الأموال في إطار مخطط "تصالح"، وذلك وفقاً لمقابلات مع رجلين أُطلق سراحهما ووفقاً لوثائق رسمية.
إذ تعرض نسخة من استمارة الإفراج أن الرجال السوريين المحتجزين بلا محاكمة يستطيعون دفع غرامة 8 آلاف دولار ليحصلوا على حريتهم، وفي إطار الاتفاق، يوقع المسجونون المُطلق سراحهم على إقرار يتعهَّدون فيه بعدم العودة إلى الانضمام إلى منظمة مسلحة ومغادرة مناطق شمال وشرق سوريا التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية.
"دواعش" مفرج عنهم يتحدثون لأول مرة
بعد إطلاق سراح الرجلين اللذين أجرت صحيفة The Guardian مقابلات معهما، واللذين قاتلا في صفوف تنظيم داعش المعروف بـ"دولة الخلافة" في مارس/آذار 2019، جُمع الشمل مع زوجاتهم وأطفالهم، الذين أُطلق سراحهم كذلك من مخيم الهول بموجب الاتفاق.
سافرت الأسر بعد ذلك إلى محافظة إدلب، التي تديرها جماعات إسلامية منافسة، ثم عبرت إلى تركياـ والآن يخضع الرجلان لرقابة من السلطات في البلاد التي اختاروها لتكون وطنهم الجديد.
يقول أحد الرجلين إنه لم يؤمن تماماً قط بأيديولوجية داعش، فيما قال الآخر إنه انجذب في البداية إلى المكون الديني، لكنه لم يدرك أن الجماعة سوف تزدهر لتصير عنيفة للغاية.
كما أوضحت الصحيفة أنه لا يُعرف عدد الرجال الذين تمكَّنوا من شراء حريتهم بهذه الطريقة، لكن الرجلين اللذين أُطلق سراحهما يقولان إن ما لا يقل عن 10 رجال كانوا يعرفونهم أثناء احتجازهم في سجن الحسكة غادروا بنفس الطريقة منذ بدء تنفيذ مخطط التصالح في 2019.
من جهتها، ضغطت قوات سوريا الديمقراطية على شركائها الغربيين لإنشاء نظام محكمة معترف به دولياً لتخفيف الضغوط على السجناء لديها والموافقة أحياناً على اتفاقات التصالح مع مشايخ القبائل الذين يجزمون بأن السجناء ليسوا متطرفين وأنهم سوف يعودون إلى عائلاتهم.
يخضعون للمراقبة
في الجهة المقابلة، أنكر متحدث باسم قوات سوريا الديمقراطية يدعى فرهاد شامي أن الوثيقة التي حصلت عليها صحيفة The Guardian، والتي قال الرجلان المُطلق سراحهما إنهما وقَّعا عليها، كانت وثيقة رسمية وقال إن هذه الممارسة لا تحدث في السجون.
يقول شامي: "حررت قوات سوريا الديمقراطية من قبل بعض السجناء الذين كانت لديهم علاقة بداعش (عن طريق تصالحات قبلية)، لكن أيديهم لم تُلطخ بدماء المدنيين الأبرياء ولم يرتكبوا أية جرائم. فقد كانوا إما موظفين في المكاتب التي يديرها تنظيم داعش أو أنهم أُجبروا على الانضمام إلى داعش".
كما تابع قائلاً: "هؤلاء الذين أُطلق سراحهم يخضعون للمراقبة لضمان عدم محاولتهم معاودة الانضمام إلى داعش".
في حين، قال الائتلاف الدولي ضد داعش إنه لا يستطيع التعليق، وأوضح في رسالة بريد إلكتروني: "الائتلاف لا يسيطر على مرافق احتجاز أو مخيمات نزوح داخلي ولا يديرها. مراكز الاحتجاز ومخيمات النزوح الداخلي هذه تُدار عن طريق قوات سوريا الديمقراطية فقط في شمال شرقي سوريا".
"أبو جعفر"
يشكل الأشخاص المُطلق سراحهم خطراً أمنياً كبيراً داخل سوريا وخارجها ويثيرون احتمالية عدم مثول الأشخاص الذين ارتكبوا جرائم خطيرة أمام العدالة.
كان أبو جعفر، الذي أُطلق سراحه في مارس/آذار ضابط أمن في منطقة الرقة التي خضعت لسيطرة داعش، حيث عمل في فرع ذي سمعة سيئة اشتهر عنه معاقبة السكان المحليين وإعدامهم إذا لم يتبعوا التفسير الصارم للإسلام الذي يتبعه التنظيم.
دفع أبو جعفر، الذي ينكر إيذاء أي شخص، 22 ألف دولار رشاوى إلى عدد من مسؤولي قوات سوريا الديمقراطية إضافة إلى الغرامة البالغة 8 آلاف دولار.
وقد جمع المال بعد أن طلب من عائلته الثرية التي تعيش في مدينة الطبقة القريبة أن تبيع بعض ممتلكاتها. كما ادعى أنه انضم إلى داعش لكسب المال، لكنه استمر في وصف التنظيم بـ"الدولة الإسلامية" بدلاً من استخدام اسم "داعش" الذي يستخدم على نطاق واسع لازدراء الجماعة.
المتحدث ذاته، يقول كذلك: "يمكنك اختيار أن تكون في الدولة الإسلامية بمحض حريتك، لكن المغادرة ليست شيئاً يمكنك التحكم فيها. في اللحظة التي تغادر، يعتبرونك كافراً ويجب أن تموت".
قبل أن يتابع أيضاً: "أُلقي القبض علي في الباغوز (آخر معاقل داعش) بعد إصابتي في غارة جوية وتسليم نفسي أنا ومقاتلين آخرين خلال هدنة في مارس/آذار 2019. نقلوا عائلاتنا إلى مخيمات (الاحتجاز) ونقلونا إلى السجن. لحوالي عامين كنا ننتظر أي محكمة أو أي شيء لتوضيح مصائرنا. وبعد مرحلة ما، عرفنا أنه يتوجب علينا أن نجد طريقتنا الخاصة للخروج من ذلك المكان".
"أبو محمد"
ينحدر من دير الزور، وقاد وحدة قتالية في المعركة ضد قوات سوريا الديمقراطية على مدينة كوباني، التي وقعت في 2014. نجا أبو محمد على الجبهة لمدة 5 سنوات، حتى أُلقي القبض عليه في الباغوز في 2019، وأُطلق سراحه مع عائلته في يناير/كانون الثاني هذا العام.
وصف الأوضاع في سجن الحسكة بأنها ترقى إلى التعذيب وسوء المعاملة، وهو ما أنكرته قوات سوريا الديمقراطية من قبل.
يقول "أبو محمد": "اعتاد حراس قوات سوريا الديمقراطية تعليقنا في أسقف غرف التحقيقات كي يعذبونا، ويتركونا جائعين وعطشى. لقد فعلوا نفس الشيء الذي كنا نفعله مع الأشخاص الذين نعتقلهم عندما كنا مسؤولين بوصفنا قادة في داعش. إنني أندم حقاً على ذلك الآن، لكني لا أستطيع أن أصف نفسي بالضحية بعد كل شيء فعلته".
كما أضاف: "لم تكن عملية إطلاق السراح سهلة، ولكن بعد التواصل مع كثير من قادة قوات سوريا الديمقراطية، استطاعت عائلتي إخراجي من السجن بعد دفع 14 ألف دولار رشاوى، إضافة إلى دفع الغرامة الرسمية البالغة 8 آلاف دولار إلى قسم الأموال العامة لدى قوات سوريا الديمقراطية".
ضحايا "داعش" يتوعَّدونهم بـ"الثأر"
تتوافق التفاصيل التي أعطاها الرجلان حول طريقة مغادرة السجن، مع وثيقة إفراج لرجل آخر استطاعت صحيفة The Guardian الحصول عليها من مصدر تابع لقوات سوريا الديمقراطية، وقد وقَّع كلا الرجلين على نفس الوثيقة.
أوضحت الصحيفة أن مناطق مثل الرقة صار معروفاً فيها أن السكان المحليين من الرجال الذين تجمعهم علاقة بداعش، والذين يستطيعون جمع الأموال يستطيعون إخراج أبنائهم من السجن، لكن هذه التطورات قوبلت بغضب وقلق من غالبية سكان المدينة الذين عانوا من الفظائع التي ارتكبتها المجموعة.
قال مهاب ناصر، وهو ناشط مجتمع مدني: "نعتقد نحن أهل الرقة أن إطلاق سراح هؤلاء الأشخاص الخطيرين ليس إلا مسألة تتعلق بالمال، لا تكترث قوات سوريا الديمقراطية بالجرائم التي ارتكبها هؤلاء الأشخاص ضدنا. إنها مجرد طريقة من قوات سوريا الديمقراطية لكسب مزيد من المال".
فقد محمود، 24 عاماً، أمه خلال احتلال داعش للمدينة. وقد أعدمها مسلحو التنظيم في سجن مؤقت بعد اتهامها بالتجسس، ولم تستطِع عائلتها استعادة جثمانها قط.
عندما شاهد الأشخاص الذين يلومهم في وفاة أمه يعودون إلى المدينة، انتابه الإحباط لدرجة أنه يفكر الآن في التعامل مع المشكلة بنفسه.
قال محمود: "اتهموا أمي بأنها جاسوسة لصالح الائتلاف، لكنها لم تعرف حتى كيف تستخدم الهاتف المحمول. واليوم نعرف من يكونون (من أعضاء داعش المطلق سراحهم). أحياناً نراهم في شوارع الرقة، ولكن بدون نظام قضائي حقيقي لن يمكننا إثبات ذلك. في يوم من الأيام، سوف نأخذ ثأرنا بأيدينا".