جدّدت روسيا رغبتها في اختراق سوق لقاحات كورونا في المغرب، وذلك من خلال إعلان الممثل التجاري الروسي أن الرباط تعمل حالياً على تسجيل اللقاح الروسي ضد كورونا "سبوتنيك 5" في وزارة الصحة المغربية.
هدوء مغربي
المغرب الرسمي فضّل عدم الرد على التصريحات "الجديدة" للمسؤول الروسي، لكن الرباط في الوقت نفسه تتعامل بـ"حذر" مع ملف اللقاحات الروسية.
مصادر "عربي بوست" أوضحت أن مسار اللقاح الروسي يسير كما صارت باقي اللقاحات الدولية الأخرى، كـ"سينوفارم"، و"أسترازينيكا"، و"فايزر"، وفق مسطرة قانونية تشرف عليها وزارة الصحة.
وسجلت المصادر أنه بالإضافة إلى حضور وزارة الصحة في الموضوع، فإنها لم تنفِ تداخُل عدد من المؤسسات الأخرى في الملف، بالنظر لحساسية العلاقة مع روسيا.
وشددت المصادر أن الرباط سارعت في وقت سابق إلى الانفتاح على العروض الموجودة في السوق العالمية، وبالتالي نجحت في تأمين نسبة كبيرة من احتياجاتها من لقاحات الفيروس اللعين.
وتابعت المصادر أن الرباط انفتحت على جميع العروض والدول، في بعضها تم تحقيق نجاحات كالصين وبريطانيا وأمريكا، وفي بعضها الآخر تتحقق الأهداف المرجوة.
وسجلت أن المغرب لم يمنع مختبرات صناعة الأدوية ولا الشركات من إبرام شراكات مع المصانع والشركات الدولية، لكن الحقيقة هي أن بعض الشركات الأجنبية نجحت فيما فشلت فيه أخرى.
وأكدت أن المشكلة ليست في الرباط، بل متعلقة بالطرف الروسي، فالشركة المصنعة للقاح الروسي "سبوتنيك V" تواجه مشاكل في الوفاء بالالتزامات، فلقد كان من المقرر أن تبدأ تصنيع اللقاح في إحدى دول الجوار المغربي قبل شهرين من الآن، لكن لا شيء تحقَّق على الأرض.
حديث المصادر المغربية يحيل على الجزائر، التي سبق لوزير الصحة فيها أن أعلن في شهر يوليو/تموز الماضي، أن فاتح سبتمبر/أيلول سيكون هو موعد تسويق اللقاح الروسي في الجزائر، وبعد تحقيق الاكتفاء الذاتي سيتم تصديره إلى إفريقيا، بحسب ما نشرته الشروق أونلاين الجزائرية، بتاريخ فاتح نوفمبر/تشرين الثاني.
تشاؤم مغربي
مصادر دبلوماسية أوضحت لـ"عربي بوست" في تصريح مقتضب، أن "القرار الصحي في العالم أصبح أكثر حساسية من الناحية الأمنية مقارنة بأي قرار آخر، وبالتالي فحرص الرباط على لقاحات يعني بالضرورة تحقيق منافع متبادلة مع جميع دول العالم".
ذات المصادر، سجلت أن "المباحثات بين الجانبين لم تنقطع بخصوص اللقاح، وإن كان عامل الزمن ليس في صالح الشركة الروسية".
هذا الكلام أكدته مصادر من وزار ة الصحة، التي سجلت أن الشركة المنتجة للقاح "سبوتنيك V"، وقَّعت عقوداً مع الجزائر لتصدير اللقاح إلى إفريقيا، والمغرب حقق أكثر من 70% من تغطية الجرعة الثانية، فما الإضافة التي سيحققها اللقاح الروسي؟".
وتابعت "هناك عقبتان تواجهان الشركة الروسية، الأولى تتعلق بالالتزامات التي تتخذها على نفسها، والثانية متعلقة بتعدد شركائها الإقليميين في صناعة وتصدير اللقاح، وبالتالي فعدم تقدم الملف ليس مسؤولية الرباط".
في هذا الاتجاه كانت "شركة المختبرات الصيدلية المغربية"، المالكة لمختبرات "كالينيكا" قد وقعت قبل سنة من الآن في سبتمبر/أيلول 2020، اتفاقية تعاون مع شركة "جماليا"، المنتجة للقاح "سبوتنيكV"، من أجل تزويد المغرب بهذا اللقاح.
ووفق ما حصل عليه "عربي بوست" من معطيات، فإنه منذ ذلك التاريخ يعرف اللقاح الروسي مراوحة كبيرة، فبعد إعلان موسكو في مارس/آذار، حصول اللقاح على الموافقة المغربية للتلقيح، ردت الرباط عبر الصحافة، معلنةً أنها تتريث بشأن الترخيص لتسويقه مغربياً".
وكشف الرئيس، المدير العام للشركة المغربية المالكة لمختبرات "كالينيكا"، صاحبة الحق الحصري لتسويق "سبوتنيكV" في المغرب، في تصريحات صحفية قبل أيام، أن السلطات المغربية لم ترخص بعد لتسويق اللقاح الروسي في البلاد.
وتابع في تصريحات لموقع "360" المقرب من السلطة، أن اللقاح الروسي لم يتم تسجيله في المغرب، وبالتالي لا يمكن لشركته صناعته ولا تسويقه في المغرب.
ووفق مصادر متطابقة فإن مختبرات "فارما 5" بدورها طلبت الحصول على 10 ملايين جرعة من لقاح "سبوتنيكV"، لكنها عدلت عن الفكرة بعد أن تأكد لديها عدم قدرة الشركة على الوفاء بتعهداتها.
ضغط روسي
التصريحات المغربية الحذرة تأتي تفاعلاً مع أحدث التصريحات الروسية، حيث أعلن في بداية أكتوبر/تشرين الأول الماضي، الممثل التجاري الروسي في المغرب، أن المباحثات تتقدم مع الرباط بخصوص اللقاح.
من جهته سجل موقع "أفريك أنتلجنس" المقرب من المخابرات الفرنسية، أن الروس لم يفقدوا الأمل في الحصول على حق تصنيع لقاحهم "سبوتنيكV" في المغرب، في مرحلة أولى، ثم الانتقال إلى تصديره في مرحلة ثانية إلى إفريقيا".
وتابع الموقع في تقرير وصفه بـ"الحصري"، نقلاً عن مصادر دبلوماسية، أن موسكو لا تزال تتواصل مع الرباط لمحاولة إبرام عقد لإنشاء مصنع في المغرب لتصنيع "سبوتنيكV".
ونقل عما وصفها بالمصادر الدبلوماسية أن المهمة لن تكون سهلة على الروس لعدة أسباب. أولاً يتوفر المغرب على مخزون كافٍ من اللقاحات، يقدر بأكثر من 20 مليون حقنة. ثانياً في حالة الحاجة فإن تعاقداته مع عدة دول، خاصة الصين، تحميه من أي نقص محتمل في لقاح مضاد لـ"كوفيد".
المساعي الروسية تواجه صعوبة كبيرة في المغرب، فإضافة إلى مشاكل عدم التزام الشركة بتعهداتها تجاه الموردين، واجهت مشكلة مع منظمة الصحة العالمية، التي رفضت التصريح باللقاح الروسي إلا بعد أشهر، وكذلك قرار المغرب الانتقال إلى تصنيع اللقاح.
ففي 5 يوليو/تموز 2021 وقّع المغرب اتفاقية مع الشركة المنتجة للقاح سينوفارم الصيني، وذلك من أجل العمل على التصنيع "المحلي" لهذا اللقاح.
المشروع المغربي ينتظر وضع اللمسات الأخيرة على تنفيذه، حيث من المتوقع أن يبدأ الإنتاج قبل نهاية هذا العام 2021، في أفق تغطية الحاجة المحلية للقاح، قبل العمل على تصديره إلى الخارج.
مسألة اللقاح وفق مراقبين لا ينبغي مقاربتها من زاوية صحية وفقط، بل هي جزء من ملفات التوافق أو الاختلاف المغربي الروسي، رفقة عدد من القضايا كانت سبباً في دخول العلاقة بين الطرفين برودة غير مسبوقة.