قال موقع The Intercept الأمريكي، الأحد 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، إن الإنتربول، الذي يقع مقرُّه الرئيسي في مدينة ليون الفرنسية، ويجمع قوات شرطة من 194 دولة، يواجه انتقادات غير مسبوقة واتهامات بـ"تسييسه" يرجع ذلك جزئياً إلى أن من بين أعضائه حكوماتٌ تشتهر بانتهاكات حقوق الإنسان وقمع المعارضة.
إذ يترشَّح أحمد ناصر الريسي، المسؤول الكبير بوزارة الداخلية الإماراتية الذي يشرف على قوات الأمن والاعتقالات، لمنصب رئيس الإنتربول (منظمة الشرطة الجنائية الدولية)، وسيتقرَّر مصير الريسي في اجتماعٍ للجمعية العامة للإنتربول في إسطنبول الأسبوع المقبل، فيما يشنُّ المدافعون عن حقوق الإنسان حملةً لمنعه من الترشُّح هو ومسؤول صيني يترشَّح لمنصب الرئاسة أيضاً.
لماذا كل هذه المخاوف؟
بينما تصرُّ المنظمة على أنها محايدةٌ سياسياً، وينصُّ دستورها على أنه يجب أن تعمل وفقاً لـ"روح" الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فقد تعرَّضَ الإنتربول لتدقيقٍ متزايد في السنوات الأخيرة، إذ استغلَّت الأنظمة الاستبدادية في جميع أنحاء العالم أنظمة عمله -لا سيما النشرات الحمراء التي توزِّعها المنظمة لتنبيه الدول بشأن الأفراد المطلوبين- كوسيلةٍ لاستهداف النشطاء والمعارضين السياسيين.
تعود الكثير من انتهاكات نظام الإشعارات الحمراء إلى ما بعد 11 سبتمبر/أيلول، عندما أشرَفَ الأمين العام للإنتربول رونالد نوبل على توسيع نطاق وصول الإنتربول.
سينتخب الأعضاء رئيساً جديداً ويستبدلون معظم اللجنة التنفيذية للمنظمة، التي تدير عملياتها اليومية، بالإضافة إلى جميع أعضاء لجنة التحكُّم في ملفات الإنتربول، التي تتعامل مع الشكاوى المتعلِّقة بالنشرات الحمراء.
في حين أن الدول الأعضاء ليست ملزمةً بالعمل بموجب إشعار أحمر من الإنتربول، فإن الأفراد الذين يستهدفونهم غالباً ما يتعرَّضون للاعتقال أو الاحتجاز، وأحياناً لفتراتٍ طويلة، بالإضافة إلى تسليمهم.
كذلك، يمكن للأشخاص المذكورين في الإشعارات الحمراء أن يفقدوا أيضاً إمكانية الحصول على الخدمات المالية أو تُلغَى تأشيراتهم أو جوازات سفرهم.
مخاوف من سوء الاستخدام
كُثِّفَت الدعوات من أجل مزيدٍ من الشفافية حول آليات الحماية للمنظمة والتحذيرات بشأن إساءة استخدام أنظمتها في الفترة التي تسبق الانتخابات.
في حين أن الرئاسة تقليدياً منصباً احتفالياً، حاولت الصين مؤخَّراً استخدام هذا الدور لتوسيع نفوذها، ويحذِّر النقَّاد من أن الافتقار إلى الشفافية والمعايير لمن يمكنه الترشُّح للمنصب هو عَرَضٌ لمشكلاتٍ أعمق بكثير داخل الإنتربول.
يقول برونو مين، الذي يقود الحملة لإصلاح الإنتربول في مجموعة Fair Trials: "إنها ليست مجرد فكرة أن رئيس الإنتربول قد يأتي من أسوأ منتهكي حقوق الإنسان، بل حقيقة أن العملية برمتها غامضةٌ للغاية".
كما أضاف، مشيراً إلى أن الإنتربول حريصٌ على عدم توبيخ أعضائه علانيةً: "إنها منظمةٌ شرطية، إنها منظمةٌ تديرها الشرطة لصالح الشرطة، والشرطة لا تحب بالضرورة أن تكون منفتحةً للغاية بشأن كلِّ ما تفعله".
المتحدث ذاته، تابع أيضاً: "إنهم لا يحبون القيام بأشياءٍ قد تحرج أو تقوِّض بعض البلدان.. إنهم حريصون للغاية على ألا يكونوا شديدي الانتقاد، إنهم دبلوماسيون للغاية".
انتقادات كثيرة بسبب المرشح الإماراتي
ركَّزَت معظم الانتقادات الأخيرة على الريسي، المسؤول الإماراتي. وشنَّ الريسي حملةً نشطة للترشُّح لرئاسة الإنتربول على أساس توسيع استخدام المنظمة للتكنولوجيا، مشيراً إلى الإمارات، التي تشارك في مراقبةٍ واسعة النطاق، كنموذجٍ في ذلك.
دقَّت العديد من الجماعات الحقوقية ناقوس الخطر بشأن ترشيح الريسي، إذ أشار تحالفٌ من 19 منظمة، في رسالةٍ مشتركة، إلى "السجل الحقوقي السيئ لدولة الإمارات، بما في ذلك الاستخدام المُمَنهَج للتعذيب وسوء المعاملة في مرافق أمن الدولة"، وحذَّرَت الرسالة من أن تعيين الريسي "سيحلق الضرر بسُمعة الإنتربول ويتناقض بصورةٍ كبيرة مع روح الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ورسالة المنظمة نفسها".
كما أضاف التحالف أن الريسي "جزءٌ من جهازٍ أمني يواصل استهداف المعارضين السلميين بشكلٍ منهجي، ما يجعل الفضاء المدني شبه معدوم". وقد عارَضَ بعض المسؤولين ترشيح الريسي.
إلى جانب ذلك، أشار المنتقدون إلى سجل الإمارات في استخدام إشعارات الإنتربول الحمراء لاستهداف الأفراد على الشيكات المُرتَجَعة، وهي ممارسةٌ شائعة مثيرة للجدل في العديد من دول الخليج "تجعل الإنتربول شكلاً من وكالةٍ لتحصيل الديون الدولية"، على حدِّ قول مين. ولم يرد مسؤولون إماراتيون على طلبٍ للتعليق.
فقد سعت دولة الإمارات إلى دورٍ أكبر في عمليات المنظمة في السنوات الأخيرة. ففي عام 2017، قدَّمَت تعهُّداً غير مسبوق بقيمة 50 مليون دولار لمؤسسة "من أجل عالم أكثر أماناً"، وهي منظمةٌ مستقلَّة وغير ربحية مقرها سويسرا تدعم أنشطة الإنتربول.
رغم المكانة المرموقة للإنتربول، فإنه هو نفسه منظمةٌ صغيرة إلى حدٍّ ما، بميزانية سنوية تزيد قليلاً على 150 مليون دولار.
كما يتعيَّن على البلدان الأعضاء المساهمة بما يتناسب مع اقتصاداتها. ووفقاً لتقريرٍ نُشِرَ في وقتٍ سابقٍ من هذا العام، فإن تبرُّع الإمارات للمؤسسة -الذي زاد كثيراً عن مساهمتها المطلوبة البالغة 260 ألف دولار في ميزانية الإنتربول- "يمثِّل أحد أكبر التبرُّعات على الإطلاق للإنتربول". وتساءل التقرير عمَّا إذا كانت الإمارات تمارس "نفوذاً غير مُبرَّر" على الإنتربول.
واستضافت الإمارات الجمعية العامة للإنتربول في عام 2018، وكان من المُقرَّر أن تستضيفها مرةً أخرى في عام 2020 قبل إلغاء الجمعية العامة.