أعلن الجيشين المصري والإسرائيلي عن إجراء تعديل في اتفاقية السلام الموقعة بين البلدين "كامب ديفيد" يقتضي زيادة انتشار القوات المصرية في سيناء لحفظ الأمن في المنطقة الحدودية، التعديل الذي جاء بعد أعوام من توسيع العمليات العسكرية المصرية في شبه جزيرة سيناء، يخالف بعض بنود اتفاقية السلام الموقعة بين القاهرة وتل أبيب منذ العام 1979
بموجب التعديل سيسمح بزيادة انتشار القوات المصرية في مدينة رفح الحدودية شمال جزيرة سيناء كأول إجراء من نوعه على تعديل هذه الاتفاقية منذ توقيعها في العام 1979 في عهد الرئيس الراحل أنور السادات.
جاء الإعلان عن هذا التعديل بعد اجتماع عُقد بين اللجنة العسكرية المصرية الإسرائيلية المشتركة في 8 من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، حيث ترأس وفد الجيش الإسرائيلي رئيس قسم العمليات اللواء عوديد باسيوك، ورئيس الفرقة الاستراتيجية والدائرة الثالثة اللواء تل كالمان ورئيس قسم العلاقات الخارجية العميد إفي دفرين على متن طائرة تابعة لسلاح الجو الإسرائيلي.
لم يشِر أي من الطرفين لطبيعة التواجد العسكري المصري في سيناء، أو عدد القوات التي سيتم دمجها مع القوات الموجودة في السابق، ولكن كان لافتاً إشارة إسرائيل إلى أن التعديل الجديد جاء بمصادقة المستوى السياسي، وهو ما يعد تطوراً لافتاً على صعيد دفء العلاقات بين البلدين ودخولها في مرحلة جديدة.
تقيد اتفاقية كامب ديفيد من تواجد الجيش المصري في سيناء من حيث الانتشار والتسلح، بما يضمن التفوق النوعي لإسرائيل ومنحها صلاحيات واسعة في التدخل العسكري بما يضمن الحفاظ على أمنها وحدودها.
توجيه قدرات الجيش لمناطق التوتر
هشام المغاري الخبير في الشؤون الاستراتيجية قال لـ"عربي بوست" إن "زيادة انتشار القوات المصرية في منطقة رفح من شأنها تقليل انتشار الجنود الإسرائيليين في المنطقة الحدودية مع مصر، وتوجيهه لجبهات أكثر توتراً في غزة وسوريا ولبنان، إذ يقدر عدد الجنود المشاة من الجيش بما فيها قوات حرس الحدود بـ4 آلاف جندي في الوضع الطبيعي، و8 آلاف من جنود الاحتياط، وفي ضوء التطور الجديد ستقوم إسرائيل بتقليل انتشار أفرادها على الحدود والاستعاضة عنها بنشر الطائرات المسيرة ورادارات المراقبة وأجهزة الاستشعار والمجسات".
وتابع "نلاحظ أن تعدد المناورات التي يجريها الجيش الإسرائيلي في الأسابيع الأخيرة تتعامل مع ثلاثة مستويات من التهديدات هي: التوتر في الجبهة الشمالية مع حزب الله، أو الجنوبية مع الفصائل الفلسطينية في غزة أو تعرض إسرائيل لحرب من هاتين الجبهتين في آن واحد، ويغيب عن هذه السيناريوهات توتر قد ينشب في المرحلة القادمة من جبهة سيناء، لذلك ستتولى قوات الجيش المصري مسألة ضبط الأمن على الحدود، بما يحقق لإسرائيل تفوقاً في تقليل مستوى الاستنزاف الذي تعاني منه قواتها على طول الحدود التي تمتد لمسافة تزيد عن 200 كيلومتر".
لعل توقيت الإعلان عن هذا التعديل في اتفاقية مضى على إبرامها أربعة عقود يشير إلى دخول العلاقة بين مصر وإسرائيل مرحلة جديدة، حيث سبق الإعلان عن هذا التعديل زيارة تاريخية أجراها رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت لشرم الشيخ التقى خلالها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في 13 أيلول/سبتمبر الماضي.
بالتوازي تقود مصر حراكاً سياسياً وأمنياً متعدد الأبعاد يقوده رئيس جهاز المخابرات العامة اللواء عباس كامل في المنطقة، حيث تمثل مصر بالنسبة لحكومة بينيت صمام الأمان في جبهة غزة على صعيد تثبيت وقف إطلاق النار، وقيادة مفاوضات الجنود الإسرائيليين الأسرى لدى حماس التي تمثل أزمة كبيرة بالنسبة لدولة الاحتلال.
مرحلة جديدة من العلاقات
سعيد بشارات رئيس تحرير شبكة الهدهد للشؤون الإسرائيلية قال لـ"عربي بوست" إن "تعديل الملحق الأمني باتفاقية كامب ديفيد يعكس دخول العلاقات المصرية الإسرائيلية مرحلة جديدة، حيث يتزايد النفوذ المصري بقوة في منطقة الشرق الأوسط، وترى حكومة بينيت أن الاصطدام مع مصر في هذه المرحلة وعدم الانصياع لمطالبها سيكون على حساب استقرارها".
وأضاف: "نشهد تغييراً في موازين القوى في المنطقة ونهجاً سياسياً مختلفاً تتبناه حكومة بينيت عن حكومة بنيامين نتنياهو السابقة، فمن جهة كان يسعى الأخير إلى منح دول الخليج كالسعودية والإمارات مركزية في تنفيذ السياسات الإسرائيلية في المنطقة، ولكن أدركت حكومة بينيت أنه لا يمكن القفز عن دور مصر في تنفيذ سياسة إسرائيل لمواجهة أعدائها في المنطقة كتركيا وغزة وحزب الله".
وأكد أن "ما يوجه السياسة الإسرائيلية الحالية في المنطقة هي الإدارة الأمريكية، التي شعرت بمركزية مصر كدولة لا يمكن تجاوزها لتحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط، واعتماد مصر كشريك استراتيجي كصمام أمان لمواجهة الفراغ الذي خلفه الانسحاب الأمريكي من بعض مناطق الشرق الأوسط، وباعتبار مصر دولة لها ثقلها السياسي يمكن للإدارة الأمريكية تنفيذ سياستها في السودان وليبيا دون أن تتحمل تكلفة هذا التدخل الذي سيكون على حساب الصراع الأمريكي الصيني في شرق آسيا والذي يعد أولوية لإدارة الرئيس بايدن".
من الناحية الأمنية لا يمكن فصل حدث يصفه البعض بالتاريخي بتعديل اتفاقية كامب ديفيد، بما أعلنه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في 26 من أكتوبر/تشرين الأول 2021 رفع حالة الطوارئ عن البلاد المعمول بها منذ العام 2017، والذي تلاه تسهيلات مصرية غير مسبوقة على معبر رفح مع قطاع غزة ورفع العديد من الحواجز الأمنية في الطريق الدولي بين سيناء والقاهرة.
إعادة النظر في أولويات التهديد
اللواء المتقاعد والخبير العسكري واصف عريقات قال لـ"عربي بوست" إن "التعديل الذي طرأ في الملحق الأمن لاتفاقية كامب ديفيد يخص المنطقة الحدودية المشتركة بين غزة ومصر وإسرائيل وهي مدينة رفح، وهو ما يعني أن هناك إعادة للنظر في التهديدات القائمة في سيناء وتحويلها من محاربة داعش والجماعات المتشددة في سيناء إلى تركيز الجهود على المنطقة الحدودية التي تأتي تهديداتها ضمن ثلاثة مستويات وهي التصدي لعمليات تهريب الأسلحة من بعض الدول كإيران وليبيا والسودان لغزة، ومحاربة عمليات الهجرة من إفريقيا لدولة الاحتلال، ومكافحة مهربي المخدرات وتجار الأسلحة".
وكانت صحيفة "الواشنطن بوست" الأمريكية قد كشفت أن إسرائيل نفذت أكثر من 100 ضربة جوية ضد عناصر تنظيم الدولة في سيناء ما بين عامي 2015 و2018، ما يشير إلى حجم الصلاحيات الواسعة لإسرائيل للتحرك داخل الأراضي المصرية، في حين يقتصر دور الجيش المصري على سلاح المشاة والمدرعات.
الدور الإسرائيلي في سيناء لا يقتصر فقط على محاربة الجماعات المتشددة، بل أن أحد أهداف هذا التدخل هو مواجهة تنامي القدرات العسكرية لحركة حماس ففي تقرير لموقع "واللا نيوز" في يناير/كانون الثاني 2019، العبري كشف أمير بوخبوط مراسل الشؤون العسكرية أن الجيش الإسرائيلي أحبط تهريب العشرات من شحنات الأسلحة المتجهة من سيناء إلى غزة، ما أدى إلى تدمير 15 ألف صاروخ ومتطور كانت في طريقها إلى مخازن حماس في غزة.
تجدر الإشارة إلى أن هذا التعديل في التواجد العسكري المصري ليس الأول من نوعه، حيث كانت الحالة في العام 2005 إبان توقيع اتفاقية المعابر حينما سمحت إسرائيل بمضاعفة عدد قوات حرس الحدود على معبر رفح مع قطاع غزة بقوات شرطية بلغ عددها 750 فرداً من قوات حرس الحدود، والزيادة الثانية جاءت في العام 2018 إبان الحملة العسكرية للجيش المصري ضد تنظيم الدولة حيث وافقت إسرائيل على زيادة القوات المصرية من 41 كتيبة تضم 25 ألف جندي، إلى 88 كتيبة عسكرية تضم 42 ألف جندي.
وحتى هذه اللحظة ترفض الأوساط الإسرائيلية والمصرية الكشف عن الزيادة التي ستطرأ في عدد القوات المصرية في سيناء من ناحية أفرادها وطبيعة التسلح، ولكن ما هو مؤكد في السياسة الإسرائيلية أن الخطوط الحمراء في التعامل مع دول الجوار تتمثل بضمان التفوق العسكري الإسرائيلي، وبذلك لن تكون زيادة انتشار القوات المصرية على حساب خرق التوازن العسكري بما يضر بالأمن الإسرائيلي على المدى البعيد.