أثار قانون "مواجهة الأوبئة والجوائح الصحية"، الذي أقره البرلمان المصري، الثلاثاء 16 نوفمبر/تشرين الثاني، جدلاً وانتقادات واسعة بشأن احتمالية فرضه قيوداً جديدة على حرية التعبير، خاصةً أنه يتضمن تخويل الحكومة معاقبة أي شخص ينشر "معلومات كاذبة"، وسط مطالبات بضرورة تعديله.
حيث منح هذا القانون رئيس الوزراء المصري حق اتخاذ 25 تدبيراً لمواجهة الجوائح الصحية، منها سلطة مقاضاة مَن ينشرون "أخباراً مزيفة"، بالسجن لمدة قد تصل لعام أو غرامة بنحو 635 دولاراً، وهو الأمر الذي اعتبره ناشطون ومعارضون خطوة لترسيخ القمع والتضييق على النشطاء.
كما يمنح القانون رئيس الوزراء سلطة وضع قيود على حرية الأشخاص في الانتقال أو المرور أو الوجود في أوقات معينة وتعطيل العمل، جزئياً أو كلياً في الوزارات والمصالح والأجهزة الحكومية، ووحدات الإدارة المحلية. ويسمح بمحاكمة الأشخاص الذين ينتهكون أي لائحة أو تفويض تفرضه الحكومة لإدارة مثل هذه الأزمة.
إلا أنه سيتم إعفاء الصحفيين فقط من الملاحقة القضائية بموجب هذا القانون.
من المنتظر أن يقوم الرئيس عبد الفتاح السيسي بالتصديق رسمياً على هذا التشريع، لكنه إجراء شكلي باعتبار أن القانون مُقدم من الحكومة، كما يسيطر على المجلس مؤيدو الرئيس.
من جهتهم، يؤكد سياسيون ونشطاء أن المادة المتعلقة بـ"نشر الأخبار الكاذبة" تجعل العاملين في مجال الرعاية الصحية والباحثين وملايين مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي عرضة للسجن إذا نشروا معلومات مخالفة للبيانات الحكومية.
تقييد حرية الرأي والتعبير
فقد ذكر النائب البرلماني ضياء الدين داود، أن القانون في مجمله يعالج بعض المشكلات التي واجهت البلد أثناء تطبيق الإجراءات الاحترازية لفيروس كورونا، لافتاً إلى أن لديه "تحفظات على مادة العقوبات في القانون التي تضع أي مركز بحثي أو ناشط ينشر معلومات غير التي تصدرها الحكومة، تحت طائلة القانون، وقد يتعرض للعقوبات".
داود وصف هذه المادة بـ"المعيبة"، موضحاً في تصريحات لموقع "الحرة" الأمريكي، أنها "ستقيد حرية الرأي والتعبير" بالبلاد إذا استخدم القانون في غير محله.
فيما أشار داود إلى أن "هذه المادة تتناقض مع المادة 71 من الدستور"، الخاصة بتنظيم حرية الصحافة، منوهاً إلى إضافة فقرة تستثني الصحفيين من هذه العقوبات كحل وسط.
كما رأت صحفية The New York Times الأمريكية أن تلك الخطوة "محاولة ظاهرية للسيطرة على المعلومات المضللة في عصر فيروس كورونا. لكن المنتقدين يخشون من أن القانون يمكن أن يستخدم بدلاً من ذلك لقمع أولئك الذين يتحدون سياسات الحكومة خلال أزمات الصحة العامة".
"طريقة مُخلة وغير دستورية"
أما الكاتب الصحفي خالد البلشي، فرأى أن "التعديل الذي أقره البرلمان باستثناء الصحفيين من الحبس في قانون مواجهة الأوبئة رغم أنه يبدو انتصار للصحافة والصحفيين، فإنه في الحقيقة هزيمة للصحافة وحرية التعبير، فحرمان أفراد المجتمع من ممارسة هذا الحق عدوان على حرية المواطنين وحرية الصحافة، لأنه يغلق باباً من أبواب حرية التعبير والكتابة، ويحرم الصحافة من مصادرها وهو تعديل مخالف للدستور".
البلشي أضاف، في تدوينة على موقع "فيسبوك": "عدم الحبس في جرائم النشر المنصوص عليه في الدستور ليس حقاً فئوياً وليس ميزة يختص بها الصحفيون وحدهم، ولكنه حق للمجتمع كله، بل إن قصر الحق على فئة بعينها يضيف سبباً آخر لعدم الدستورية، وهو عدم المساواة بين المواطنين المنصوص عليها في الدستور؛ فالمعرفة حق للجميع، وحرية التعبير حق للجميع، ولابد أن يتساوى الجميع في الحصول عليه ليس لمهنة بعينها".
في حين استطرد قائلاً: "نحن عندما نطالب بمنع الحبس في قضايا النشر نطالب به لكل من يكتب وينشر، وقصره على فئات بعينها هو بداية إلغاء هذا الحق، وهذا هو المنهج الذي طالما دافعنا به عن حقوقنا. ولذلك فإن المطلب لابد أن يكون إلغاء الحبس في هذه المادة تماماً تنفيذاً للنص الدستوري".
ودعا البلشي الذين صاغوا التعديل بهذه الطريقة التي وصفها بالمخلة وغير الدستورية، إلى "تعديله بحيث يشمل الجميع"، مردفاً: "نحن ندافع عن حق المجتمع في التعبير، وأن لا يكون الحبس عقوبة للكلام، وتطبيق النص الدستوري علينا جميعاً".
"قوانين حازمة"
في المقابل، يرى مؤيدو القانون أن جائحة كورونا أظهرت الحاجة إلى قوانين حازمة؛ لمنع انتشار المعلومات المضللة في الأوقات الحرجة.
إذ ذكر وكيل لجنة حقوق الإنسان في مجلس النواب، أيمن أبو العلا: "رفضت بعض النساء التطعيم بسبب منشور على فيسبوك حذّر من خطورته على النساء اللواتي يخططن للحمل في غضون عام"، مؤكداً أن "هذا تهديد مباشر للأمن القومي".
كما نوّه أبو العلا إلى أن "مشروع القانون يستهدف منح الدولة الحق في اتخاذ إجراءات استثنائية لمواجهة أي أوبئة أو جوائح"، مؤكداً أن القرارات التي اتُّخدت في الفترة الماضية أثناء التعامل مع الجائحة، كانت في ضوء وجود حالة الطوارئ، إلا أنه وبعد إلغاء الطوارئ أصبح من الضرورة وجود قانون يغطي هذا الفراغ التشريعي.
في غضون ذلك، سجلت وزارة الصحة المصرية، الخميس 18 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، 911 إصابة جديدة بفيروس كورونا و73 حالة وفاة، مقارنة مع 960 إصابة و71 حالة وفاة في اليوم السابق، فيما تواجه مصر موجة رابعة من وباء كورونا.
فيما قالت الوزارة، في بيان: "إجمالي العدد الذي تم تسجيله في مصر بفيروس كورونا المستجد حتى الخميس، هو 347719، من ضمنهم 289952 حالة تم شفاؤها، و19780 حالة وفاة".
أسوأ أزمة حقوقية
بحسب منظمات حقوقية دولية، تشهد مصر في ظل حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي أسوأ أزمة حقوقية منذ عقود؛ فلايزال عشرات الآلاف من منتقدي الحكومة، ومن بينهم صحفيون ومدافعون حقوقيون، مسجونين بتهم ذات دوافع سياسية، والعديد منهم في الحجز المطول قبل المحاكمة.
كما تستخدم السلطات غالباً تهم الإرهاب ضد النشطاء السلميين، وضايقت واعتقلت أقارب معارضين في الخارج.
في حين أدى تفشي فيروس كورونا المستجد إلى تفاقم الأوضاع المزرية في السجون المكتظة.
غير أن القاهرة عادةً ما تنفي صحة الانتقادات الموجهة إلى سجلها الحقوقي، معتبرةً أن بعض المنظمات الحقوقية الدولية تروِّجها في إطار "حملة أكاذيب" ضدها.
كان السيسي قد أعلن، الإثنين 25 أكتوبر/تشرين الأول، إلغاء تمديد حالة الطوارئ التي كانت سارية في البلاد منذ سنوات، مؤكداً أن بلاده أصبحت "بفضل شعبها ورجالها المخلصين، واحةً للأمن والاستقرار في المنطقة".