حظيت زيارة وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، لسوريا، في 9 نوفمبر/تشرين الثاني، واللقاء الذي جمعه بالرئيس السوري، بشار الأسد، باهتمام واسع النطاق في وسائل الاعلام الايرانية.
وكان وزير الخارجية والتعاون الدولي الإماراتي ترأس وفداً يضم عدداً من المسؤولين الإماراتيين، من بينهم محمد الشامسي رئيس الهيئة الاتحادية للهوية والجنسية والجمارك وأمن المنافذ، في أول زيارة لمسؤول إماراتي رفيع المستوى إلى دمشق، منذ بدء الأزمة السورية قبل أكثر من 10 سنوات.
انشغلت الصحف الايرانية بطرح عدد من التفسيرات لتلك الزيارة، ذهب البعض إلى أنها بداية لعودة العلاقات الخليجية مع نظام بشار الأسد، بينما كان البعض الآخر متشائماً، بالتحديد فيما يخص دور الجمهورية الإسلامية في سوريا، بعد المصالحة الخليجية مع دمشق.
هذا الأمر عكس كذلك اختلاف وجهات النظر داخل النظام الإيراني نفسه تجاه هذا التقارب الخليجي مع سوريا بين مرحب ومعارض.
نجاح محور المقاومة
يري العديد من المسؤولين والسياسيين داخل إيران، خاصةً الموالين للتيار الأصولي، والمقربين من القيادة العليا، أن زيارة وزير الخارجية الإماراتي لسوريا، ولقاءه الرئيس الأسد، يؤسسان لمرحلة جديدة مبشرة.
مسؤول حكومي إيراني بارز، مقرب من مكتب المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، يقول لـ"عربي بوست"، إن "زيارة وزير الخارجية الإماراتي لدمشق بداية لبدء الدول الخليجية في الاعتراف بسلطة بشار الأسد، وإعادة المياه الى مجاريها، هذه المصالحة دليل قوي على نجاح محور المقاومة، والاعتراف بأهميته في المنطقة".
جدير بالذكر هنا، أن محور المقاومة هو تحالف تقوده إيران يضم الفصائل المسلحة الشيعية في العراق، وحزب الله اللبناني، وجماعة الحوثي في اليمن، بجانب سوريا، التي استفادت بشكل خاص من هذا المحور، في محاربة بشار الأسد لمعارضيه منذ عام 2011.
يضيف المصدر السابق قائلاً: "حاربت الدول الخليجية محورَ المقاومة في سوريا، وبعضها دعم المسلحين المناهضين لبشار الأسد، لكن الجمهورية الإسلامية وقفت بكل قوتها خلف الحكومة السورية؛ للحفاظ على وحدة وسلامة الأراضي السورية، ضد الإرهابيين، الآن قد أدرك البعض في المنطقة حجم أخطائه بسوريا، ونحن نشجع هذه الخطوة".
مرحلة اقتصادية مبشرة
بجانب تأكيد نجاح ما تسميه الجمهورية الإسلامية الإيرانية محور المقاومة، يبدو أن من ضمن أسباب الترحيب الإيراني بالمصالحة الخليجية مع نظام بشار الأسد، الفوائد الاقتصادية التى يمكن أن تعود على طهران نتيجة عودة العلاقات الخليجية السورية.
يقول مسؤول إيراني آخر، مقرب من المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، في حديثه لـ"عربي بوست": "زيارة الوزير الإماراتي لسوريا تبشر بأن واشنطن قد أعفت أبوظبي من قانون قيصر، مما يعني دخول سوريا في مرحلة اقتصادية جديدة مبشرة بالخير".
يُذكر أن قانون قيصر الأمريكي هو مجموعة واسعة من العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على الشركات والأفراد والمؤسسات الحكومية السورية.
كما يرى المسؤول الإيراني المقرب من المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، أن عودة العلاقات بين سوريا والدول الخليجية تعني زيادة الاستثمارات والمشاريع الجديدة في دمشق، فيقول: "سوف نستهدف الإمارات لقطاع إعادة الإعمار في سوريا، مما يعني كثيراً من المشاريع والاستثمارات، التي يمكن أن تتعاون طهران معها بخصوص هذا الأمر، وبالطبع ستعود المشاركة والتعاون فى هذه المشاريع على إيران بالمنفعة".
وفي هذا الصدد، أكد المسؤول الإيراني، أن طهران وأبوظبي قد ناقشتا هذا الأمر قبل وبعد زيارة وزير الخارجية الإماراتي لسوريا، فيقول لـ"عربي بوست": "كانت هناك مكالمة هاتفية طويلة بين وزير الخارجية الإيراني ونظيره الإماراتي؛ لبحث العديد من سبل التعاون الاقتصادي بين البلدين، وقد تناولا نقل هذا التعاون إلى الأراضي السورية".
وفى السياق نفسه، ترى وزارة الخارجية الإيرانية أن زيارة وزير الخارجية الإماراتي لدمشق خطوة إيجابية، وقد رحبت بها، يقول دبلوماسي إيراني مقرب من كبير الدبلوماسيين الإيرانيين، حسين أمير عبد اللهيان، لـ"عربي بوست": "الخارجية الإيرانية تتبع استراتيجية جادة نحو تخفيف التوترات في المنطقة، لذلك تدعم بشدةٍ عودة العلاقات الخليجية مع سوريا، والنتائج المتوقعة من هذه المصالحة تصب في مصلحة كافة الأطراف، فإيران تهدف إلى تسريع عملية إعادة إعمار سوريا، وبالتأكيد تستطيع الإمارات المساعدة في هذه المسألة".
كما أشار المسؤول الإيراني البارز، والمقرب من المجلس الأعلى للأمن القومي، إلى أن هذه المصالحة تمت بمباركة إيرانية، فيقول: "ناقشت الحكومة السورية مع القيادة العليا فى طهران هذه المسألة في العديد من المناسبات"، ولم يفصح المصدر عن تفاصيل هذه المناقشات المزعومة.
جدير بالذكر أن زيارة وزير الخارجية الإماراتي لسوريا جاءت بعد أقل من شهر على اتصال هاتفي في 20 أكتوبر/تشرين الأول 2021، بين الرئيس السوري بشار الأسد، وولي عهد أبوظبي والحاكم الفعلي لدولة الإمارات العربية المتحدة، محمد بن زايد آل نهيان.
وكانت الإمارات العربية المتحدة قد أعلنت إعادة فتح سفارتها في العاصمة السورية دمشق، وعودة بعثتها الدبلوماسية للعمل بسوريا، في ديسمبر/كانون الأول 2018.
تفاؤل حذِر
على الرغم من أن كثيراً من المسؤولين السياسيين الإيرانيين الذين تحدثوا لـ"عربي بوست"، للتعليق على مسألة المصالحة الخليجية مع سوريا، كانوا متفائلين بهذه الخطوة، إلا أن نبرة الحذر كانت موجودة أيضاً في حديثهم.
يقول مسؤول حكومي رفيع المستوى، مقرب من مكتب المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، لـ"عربي بوست": "سوريا عضو أساسي في محور المقاومة، ولاشك في أن هناك قليلاً من المخاوف التي تستلزم الحذر بشأن الوجود الخليجي في سوريا، لذلك ستراقب طهران من كثب دور الدول الخليجية المقبل في دمشق؛ لمنع أي مناورة لإبعاد الجمهورية الإسلامية".
ويضيف المصدر ذاته قائلاً لـ"عربي بوست": "الوجود في سوريا ودعم بشار الأسد كلف إيران الكثير والكثير، وهذا أمر لا يمكن إخفاؤه، لذلك إذا كان الهدف من المصالحة الخليجية مع سوريا هو الإطاحة بطهران، فسيكون الأمر مكلفاً للغاية، ولا يمكن أن تقبل طهران بهذه التكلفة مهما حدث".
المخاوف الإيرانية
وعلى الرغم من تفاؤل بعض المسؤولين الإيرانيين، بشأن المصالحة الخليجية مع سوريا، حتى مع الحذر الذي تحدثوا عنه، فإن البعض الآخر لم يظهر أى حماسة لعودة العلاقات الخليجية السورية، ويخشى على الجمهورية الإسلامية من دفع ثمن هذه المصالحة.
نائب أصولي بالبرلمان الإيراني، ومن المؤيدين للتدخل الإيراني في سوريا منذ البداية، تحدث لـ"عربي بوست"، شريطة عدم الكشف عن هويته، فيقول: "لا أرى أي سبب يدعو إلى التفاؤل بعودة العلاقات الخليجية مع سوريا، بالعكس إنه أمر يثير الشكوك والمخاوف، ويجب أن تقلق القيادة الإيرانية، ومن شأن هذه المصالحة أن تكون مجرد بداية لخطة الإطاحة بطهران في سوريا".
ويضيف المصدر ذاته قائلاً: "ستعمل الدول الخليجية الغنية على تقديم الدعم المالي الكبير لبشار الأسد، خاصةً أن بلاده تعاني من أزمة اقتصادية كبرى، هذا الدعم الاقتصادي والمساعدات الخليجية لسوريا، وإعادتها إلى جامعة الدول العربية، من الممكن أن يكونا مشروطَين بابتعاد الحكومة السورية عن طهران، وبالتأكيد سيترتب على ذلك، الابتعاد السوري عن محور المقاومة".
جدير بالذكر، أن دولة الإمارات العربية المتحدة كانت قد دعت إلى عودة سوريا لجامعة الدول العربية، في شهر مارس/آذار الماضي، كما بلغ حجم التبادل التجاري غير النفطي بين الدولتين نحو 707 ملايين دولار خلال عام 2020.
تطمينات إماراتية لطهران
في المكالمة الهاتفية التي جرت بين وزير الخارجية الإيراني، أمير عبد اللهيان، ونظيره الإماراتي، بعد زيارة الأخير للعاصمة السورية دمشق، تبادل الوزيران ضرورة، تعميق العلاقات الثنائية، وتبادل الزيارات الرسمية.
وفي هذا الصدد، علِم "عربي بوست"، من مصادر إيرانية، أن مستشار الأمن القومي لدولة الإمارات العربية المتحدة، الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، سيزور العاصمة الإيرانية، طهران، في الأسبوع المقبل.
ويقول مصدر إيراني في المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، لـ"عربي بوست"، إن "الزيارة تأتي ضمن اتفاق البلدانِ على اتخاذ خطوات جادة نحو تهدئة الأمور في المنطقة".
وجدير بالذكر هنا، أن مستشار الأمن القومي الإماراتي، الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، كان قد زار الجمهورية الإسلامية الإيرانية، في أكتوبر/تشرين الأول 2019، على رأس وفد أمني إماراتي، بعد خمسة أشهر من الانفجارات التي استهدفت ناقلات النفط قبالة سواحل الفجيرة، وألقت الولايات المتحدة باللوم في هذه الحادثة على طهران، التي نفت بشدةٍ المزاعم الأمريكية.
يقول المصدر الأمني الإيراني السابق، لـ"عربي بوست": "أعتقد أن الزيارة ستشمل تطمينات من الإمارات لطهران بشأن المصالحة مع سوريا، وبأن هذه المصالحة لن تنعكس بالسلب على المصالح الإيرانية بأي شكل من الأشكال".