في حديثها داخل البرلمان المغربي أعلنت وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، ليلى بنعلي، أن المغرب أمّن حاجياته الطاقية، ولديه بدائل تمكّنه من تجاوز قرار الجزائر، هذه الأخيرة التي رفضت تجديد اتفاق نقل الغاز عبر خط أنابيب المغرب العربي ـ أوروبا".
بنعلي تبنت الرواية الرسمية للمغرب، الذي أكد بعد إعلان الجزائر عدم تجديد أنبوب الغاز الذي كانت تستفيد منه المملكة أن البلاد لن تتأثر واستعدت لهذا القرار بتوفيرها بعض البدائل تفادياً لأي أزمة.
بدائل مُكلفة
تكشف إحصائيات وزارة الطاقة لسنة 2020 أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت المزود الأول للمغرب بالغاز بنحو 420 مليون دولار، متبوعة في الصف الثاني بالجزائر 370 مليوناً، ثم ثالثاً إسبانيا التي تبيع المغرب ما قيمته 150 مليون دولار، ثم النرويج بمبلغ 95 مليون دولار، ثم تتقاسم دول الخليج ما مجموعه 265 مليون دولار.
لكن في سنة نوفمبر/تشرين الثاني 2021 تغير كل شيء، إذ خسر المغرب مقابل مبلغ 370 مليون دولار من الغاز الجزائري، يُضاف إليها فقدان عائدات كلفة استخدام الأراضي المغربية لتوصيل الغاز الجزائري عبر خط أنابيب المغرب العربي ـ أوروبا إلى إسبانيا، والتي قدرت بنحو 160 مليون دولار سنوياً.
المجموع هو نصف مليار دولار (530 مليون دولار)، وهو الرقم الحقيقي لخسارة المغرب جراء قرار الجزائر، هذا الرقم اعتبرته مصادر من وزارة الانتقال "غير دقيق"، وأحالت على تصريح وزيرة الاقتصاد والمالية، نادية فتاح علوي، التي قالت أثناء مناقشة قانون المالية في البرلمان، إن "160 مليون دولار غير محتسبة في الميزانية".
ذات المصادر، شددت على أن المغرب منذ 2017 شرع في البحث عن شركاء جدد في قطاع الغاز، لتلبية حاجياته الطاقية، وهو ما تجلى في تبني خطة وطنية للغاز، وتبني استراتيجية وطنية للطاقة، تهدف إلى زيادة ما ينتجه المغرب من الطاقة، وتقليل الاعتماد على الخارج.
المشروع المغربي يحتاج وقتاً، هكذا سجلت المصادر، وسجلت أن المغرب لما قال إنه لن يترك أنابيب الغاز مع أوروبا تصدأ، كان يقصد بذلك تعزيز الاعتماد المغربي خلال السنوات المقبلة على الغاز القادم من أوروبا.
وسجلت باقتضاب أن الولايات المتحدة مورد مهم، لكنه مكلف للغاز، غير أن المغرب يتجه أساساً إلى رفع طلباته من الغاز القادم من إسبانيا ثم النرويج بشكل أساسي.
خطوات استباقية
حديث الوزيرة العام تتبع "عربي بوست" تفاصيله، وذلك عبر الاتصال بعدد من الفاعلين في قطاع الطاقة بالمغرب، الذين سجّلوا أن الرباط اتخذت احتياطاتها، لتأمين حاجتها من الغاز، كما أن الموقف الجزائري دفعها إلى تسريع خطة الانتقال الطاقي.
وذهبت مصادر في وزارة الانتقال الطاقي أن المغرب قرر قبل سنة من الآن إنشاء شركة عمومية تكون وظيفتها الأساسية العمل على توريد الغاز الطبيعي إلى البلاد.
وتابعت المصادر أنه منذ 9 أغسطس/آب 2021 أصدر رئيس الحكومة مسعد الدين العثماني، مرسوماً تم بمقتضاه إنشاء شركة "Onhym Midstream Co S A".
وأفادت المصادر بأن هذه الشركة ستكون تابعة للمكتب الوطني للهيدروكربونات والمعادن (مؤسسة مملوكة للدولة)، ستعمل على نقل الغاز الطبيعي إلى المغرب وداخله، كما ستتولى السهر على تخزينه، مع ما يعنيه ذلك من توفير بنية تحتية للتخزين والنقل.
هذا وكان المجلس الإداري للمكتب الوطني للهيدروكربونات والمعادن قد صادق في 15 يناير/كانون الثاني 2020، على إنشاء الشركة، دون إعطاء تفاصيل عن طبيعة المهام التي ستقوم بها في المستقبل.
وسجلت المصادر أنه بالإضافة إلى الشركة المغربية، منحت الحكومة المغربية عدداً من التراخيص لشركات وطنية لاستيراد الغاز الطبيعي عبر البواخر، ليتم نقله عبر الصهاريج إلى المناطق الصناعية.
وسجلت أن الرباط تعمل في إطار علاقاتها مع بعض دول الخليج، كالسعودية والإمارات وقطر، عملت على ترتيب تلبية حاجاتها من الغاز، دون نسيان النرويج وإلى الولايات المتحدة الأمريكية ونيجيريا.
هيكلة شاملة
ووفق ما علمه "عربي بوست" فإن الحكومة وضعت عدداً من مشاريع القوانين التي تنتظر الموافقة من أجل الانتقال إلى السرعة القصوى في تعويض خصاص الغاز، وتحقيق الأمن الطاقي من خلال رفع وتيرة إنتاج الطاقة البديلة.
وسجلت المصادر أنه سيتم العرض على المصادقة مشروع قانون يغير ويتمم القانون رقم 15.67، يهدف لفتح المجال أمام استيراد الغاز الطبيعي المسال، وإحداث نشاط جديد يقتصر على تخزين المواد البترولية فقط، بقصد خلق فرص شغل جديدة وتعزيز ربط المغرب بخريطة النقل والتخزين العالمية للغاز.
وفي مستوى ثانٍ، وجدت الحكومة الحالية مشروع قانون رقم 94.17 المتعلق بقطاع الغاز الطبيعي، الذي تمت إحالته على مجلس المنافسة من أجل أخذ الرأي، قبل إحالته على مجلس البرلمان من أجل المصادقة، ويهدف المشروع إلى تنظيم أنشطة شراء الغاز الطبيعي وتخزينه وتوزيعه وبيعه، وكذلك تقنين ومراقبة بناء وتشغيل البنى التحتية.
هذه القوانين تقول مصادر "عربي بوست" إنها تمثل جزءاً من الاستعدادات التي وضعتها الرباط من أجل تفادي أي تأثير سلبي لقطع الجزائر إمداداتها من الغاز إلى المغرب، بل إن القرار الجزائري تحول منذ سنوات إلى محرك للمغرب من أجل تحقيق الانتقال الطاقي.
وعلى المستوى الميداني، علم "عربي بوست" أن الرباط شرعت في دراسة الجوانب المالية لإنشاء محطة تخزين عائمة ثانية في المستقبل لإعادة تحويل الغاز المسال إلى غاز في مدينة "طنجة" هذه المرة.
وكان "عربي بوست" قد نشر في وقت سابق أن المغرب اقتنى وحدة عائمة لتحويل الغاز المسال، وأن موقعها كان في مدينة "الناظور".
معالم المشروع
وكشفت وزيرة الانتقال الطاقي، ليلى بنعلي، أمام البرلمان، عن معالم الخطط المغربية لتجاوز القرار الجزائري، من خلال عدد من النقاط، أولها تجهيز البنية التحتية للموانئ لواردات الغاز الطبيعي المسال، لتعزيز الاحتياطات، والمساعدة في خفض تكلفة واردات الغاز الطبيعي.
ثاني الخطوات بالنسبة للوزيرة، رفع الإنتاج المحلي من الغاز، حيث توقعت أن يصل إنتاج المغرب من الغاز إلى 110 ملايين متر مكعب هذا العام، مقابل 97 مليون متر مكعب في السنة الماضية.
الوزيرة أكدت أن المغرب اكتشف آباراً جديدة للغاز الطبيعي بمدينتي طنجة والعرائش، وأن نتائجها مشجعة، وأشارت إلى أن شركات عالمية تعمل على مساحة تبلغ نحو 283 ألفاً و600 كيلومتر مربع، عبر 9 رخص استغلال و53 رخصة استكشاف منها 26 في المجال البحري، باستثمارات تقدر بنحو 27 مليار درهم (2.98 مليار دولار).
أكدت الوزيرة في مستوى ثالث أن الرباط تخطط لزيادة هدفها من الطاقة المتجددة إلى أكثر من 52% من مزيج الطاقة بحلول عام 2025، في إطار مساعي المملكة لخفض الاعتماد على الغاز والوقود الأحفوري في توليد الكهرباء، والرفع من الحصة الحالية من مصادر الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة 37% أو 3950 ميغاواط.
خطة وطنية للغاز
ووفق مصادر "عربي بوست" فإن واحدة من أكبر خطوات المغرب في تعزيز أمنه الطاقي، وبناء سياسة جديدة في الغاز، تمثلت في الشق المتعلق بالغاز ضمن الاستراتيجية الطاقية الوطنية.
وتابعت أن وزارة الطاقة والمعادن والبيئة، وضعت في شهر أغسطس/آب 2021، خارطة طريق وطنية لتطوير الغاز الطبيعي 2021-2030 في إطار الاستراتيجية الطاقية الوطنية.
هذا المشروع، قام على ركيزتين: أولاها، تطوير الغاز الطبيعي لتلبية الاحتياجات الصناعية، وثانيها، تطويره في مرحلة لاحقة لخدمة احتياجات إنتاج الكهرباء.
وكان بلاغ لوزارة الطاقة المغربية قد وضع مراحل لهذه الخطة، تتمثل المرحلة الأولى في وضع إطار تنظيمي لقطاع الغاز الطبيعي، ولا سيما من خلال استصدار القانون رقم 94 .17 المتعلق بقطاع الغاز الطبيعي بعد الإنتاج، وتوسيع صلاحيات الهيئة المختصة بتنظيم الكهرباء من أجل تنظيم قطاع الغاز الطبيعي، وإنشاء آلية تدير شبكة نقل هذا الغاز، أو تنظيم أنشطة الاستيراد الحر للغاز الطبيعي للنقل والتخزين والتوزيع.
وتهتم المرحلة الثانية، بتقييم الطلب من خلال تطور الاستهلاك الحالي وعلى مدى السنوات الأخيرة، وكذلك إمكانية الطلب في المستقبل، تقول الوزارة التي سجلت أن التطور السريع للطلب يمكن أن يحدث بعد انتقال الشركات المصنعة نحو العمل بهذا الوقود الجديد، نظيف وتنافسي.
بينما تهدف المرحلة الثالثة، إلى تقييم الخيارات المختلفة للتزود بالغاز الطبيعي والغاز الطبيعي المسال، خاصة عن طريق خطوط أنابيب الغاز ووحدات التخزين وقنوات التدفق متعددة الاتجاهات، مع نشر شبكة نقل جديدة لربط جميع مكونات المخطط الغازي وتطوير القدرات الذاتية لاستقبال وتخزين الغاز الطبيعي والغاز الطبيعي المسال لأسباب تتعلق بأمن وسلامة الإمداد.
وتخلص استراتيجية الطاقة المغربية وخارطة طريق الغاز، إلى إنشاء سوق غاز طبيعي منظم، وتطوير مشروع بنية تحتية غازية، وولوج الصناعيين والمستهلكين لطاقة تنافسية وتحسين القدرة التنافسية للصناعيين المغاربة المصدرين.