وجَّهت السلطات الإيطالية ضربة كبيرة، يوم السبت 6 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، ضد مافيا "ندرانغيتا"، أكثر المافيات المحلية قوة ونفوذاً في البلاد؛ فقد أدانت 70 من رجال العصابات وآخرين في أول اختبار حاسم لأكبر محاكمة للمافيا منذ أكثر من ثلاثة عقود، وسط ترقب لتداعيات هذا الحكم القضائي.
حيث ألقى القاضي الإيطالي كلاوديو باريس منطوق الإدانات والأحكام الصادرة ضد 91 متهماً في قاعة المحكمة الضخمة في مدينة لاميتسيا تيرمي في منطقة كالابريا جنوبي إيطاليا، حيث كانت تنشط هذه العصابة بقوة، طبقاً لما نشرته صحيفة The Guardian البريطانية.
"محاكمات سريعة"
بينما لم يحاكم 355 شخصاً حتى الآن في إجراءات من المتوقع أن تستمر عامين أو أكثر، إلا أن من حُكم عليهم، السبت، كانوا قد اختاروا إجراء محاكمة سريعة.
هذا الإجراء، الذي جرى خلف أبواب مغلقة، سمح لهم بالتخلص من ثلث مدة عقوبتهم في حالة إدانتهم.
يشار إلى أنه منذ يناير/كانون الثاني الماضي، استضافت قاعة محكمة مُكيَّفة خاصة "المحاكمة القصوى" لمئات من المشتبه بهم المنتمين إلى مافيا "ندرانغيتا" الإجرامية التي تتمتع بثروات طائلة، إذ يؤكد الخبراء أنها المافيا الأقوى في العالم الآن بنفوذٍ مالي يُساوي إمكانات بنك دويتشه الألماني وسلسلة مطاعم ماكدونالدز، وعائد مالي سنوي يصل إلى 64 مليار دولار، غالبيته من مبيعات المخدرات العابرة للقارات.
من جهته، قال المدعي العام الشهير المناهض للمافيا، نيكولا غراتيري، والذي أدت جهوده لهزيمة "ندرانغيتا" إلى اضطراره للعيش تحت حراسة الشرطة لأكثر من 30 عاماً، إن الحكم سار "بشكل جيد للغاية".
فيما حُكم على بعض من أخطر أعضاء المجموعة بالسجن 20 عاماً كحد أقصى حسب طلب الادعاء. وكان من بينهم دومينيكو ماكري من الجناح العسكري للمافيا، وباسكوال غالون، اليد اليمنى لرئيس العصابات لويغي مانكوسو، الذي لا تزال محاكمته معلقة، وجريجوريو نايغليا، الذي تضمن دوره شراء الأسلحة والابتزاز.
تلك الأحكام وصفتها وسائل إعلام إيطالية بأنها تمثل "ضربة قاصمة" لهذه العصابة.
براءة 21 شخصاً
كما أشار غراتيري إلى أن حوالي ثلث تلك العصابة تلقى أحكاماً بالسجن لمدة عقد أو أكثر، بينما تمت تبرئة 21 شخصاً، سبعة منهم بناءً على طلب النيابة.
في حين تترسخ مافيا "ندرانغيتا" في كالابريا، وهي إحدى أفقر مناطق إيطاليا. وقد تجاوزت مافيا "كوزا نوسترا" في جزيرة صقلية، جنوبي البلاد، من حيث القوة والثروة.
يعدّ مانكوسو "العم"، 67 عاماً، أكبر صيد في هذه القضية المثيرة للجدل، حيث إنه يعد زعيم عائلات "ندرانغيتا" التي هيمنت على مقاطعة فيبو فالينتيا في كالابريا، وينضم إليه نائب مجلس الشيوخ السابق والمحامي جيانكارلو بيتيلي، 68 عاماً، إذ إنه متهم بكونه مديراً لأعمال مانكوسو، وقد اختارا المحاكمة الأطول.
شهادة أحد أشهر المنشقين في تاريخ المافيا
ترتكز المحاكمة الأكبر للمافيا على شهادة إيمانويل مانكوزو، أحد أشهر المنشقين في تاريخ "ندرانغيتا" على الإطلاق. وبصفته نجل لوني مانكوزو، المعروف بلقب "المهندس"، بدأ إيمانويل التعاون مع المدعى العام نيكولا غراتيري عام 2016. وكاد يتعرّض للقتل بسبب خيانته من أمه جيوفانينا ديل فيتشيو وخالته روزاريا ديل فيتشيو، اللتين كانتا على قناعة بأنهما ربتاه جيداً حتى لا ينشأ "شخصاً صالحاً".
فيما تشمل التهم في هذه القضية: الانضمام للمافيا، والشروع في القتل، وغسيل الأموال، والربا، والاتجار بالمخدرات، والابتزاز، وحيازة الأسلحة بشكل غير قانوني.
وتعقد "المحاكمة القصوى" في قاعة محكمة مترامية الأطراف لاستيعاب مئات المحامين المعنيين. وقد استُدعي أكثر من 900 شاهد إثبات و58 شاهد دولة.
محاكمة أسطورية كبرى
بالمقارنة، أسفرت المحاكمة الأسطورية الكبرى في إيطاليا في الفترة 1986-1987، التي وجهت ضربة لمافيا "كوزا نوسترا" من صقلية، عن إدانة 338 شخصاً. وقد اغتيل المدعون العامون المناهضون للمافيا جيوفاني فالكون وباولو بورسيلينو في وقت لاحق على يد العصابات.
جدير بالذكر أن "ندرانغيتا" تضم ما يقرب من 150 عائلة تتنافس على منصب داخل المنظمة. ويقدر الخبراء أنهم مدعومون مما لا يقل عن 6 آلاف عضو ومنتسب في كالابريا، ويتضخم العدد إلى الآلاف في جميع أنحاء العالم.
نفوذ تلك المافيا أصبح الآن يمتد للمستوى الدولي، خاصة مع إعادة استثمار المكاسب غير المشروعة في الاقتصاد الشرعي. إذ إن قدرة "ندرانغيتا" على التسلل تقريباً إلى جميع قطاعات الإدارة العامة الوطنية في كالابريا قد سمحت لها بجني عقود مربحة وتعزيز قوتها.
ومافيا "ندرانغيتا" تديرها شبكة عائلية متماسكة تجمعها روابط دم أو صلات مصاهرة، ونجحت في أن تهيمن على تجارة وتهريب المخدرات، كما أنها بمثابة أكبر مصدّر لمخدر الكوكايين في القارة الأوروبية.