أكد وزير الخارجية اللبناني، عبد الله بو حبيب، الثلاثاء 2 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، أن المملكة العربية السعودية تملي شروطاً مستحيلة من خلال مطالبة الحكومة بالحد من دور جماعة حزب الله المدعومة من إيران، مشدّداً على أنهم يريدون الحوار مع السعودية وليس الإملاءات.
إذ قال بو حبيب، في مقابلة مع وكالة رويترز: "نحن أمام مشكلة كبيرة، إذا كانوا يريدون فقط رأس حزب الله، فنحن لا نستطيع أن نعطيهم إياه، نحن كلبنان. لأن تصريحات وزير الخارجية (السعودي) أن حزب الله وليس جورج قرداحي المشكلة؛ فقرداحي أشعل المشكلة، هو كان مثل فتيلاً للأزمة".
الوزير اللبناني أضاف أن "حزب الله لا يهيمن على البلد، وأنه مكون لبناني يلعب سياسة، نعم عنده امتداد عسكري إقليمي، نعم، لكن لا يستخدمه في لبنان. هذه أكثر مما نحن نقدر أن نحلها، هذه نحن لا نستطيع حلها.. كلنا نريد جيشاً واحداً وبلداً واحداً، ولكن في عندنا واقع".
حوار لا إملاءات
تابع المتحدث ذاته: "لكن نحن مصرون أن يكون عندنا علاقات جيدة، لا بل ممتازة مع المملكة العربية السعودية، ولكن ينبغي أن نعرف بالضبط ماذا يريدون، وما هو بمقدورنا نحن كلبنانيين أن نلبي طلبات المملكة، ونفضل الحوار على الإملاء، وألا يكون.. اعملوا كذا أو لا. نحن نريد أن نعمل حواراً. نحن دولتان مستقلتان وكان في تعاون هائل بيننا تاريخياً".
فيما لفت إلى أنه يعتقد أن الحوار المتبادل بين لبنان والسعودية هو السبيل الوحيد للمضي قدماً لحل الخلاف، لكنه أضاف أنه لم تكن هناك اجتماعات على أي مستوى بين الطرفين منذ تشكيل حكومة رئيس الوزراء نجيب ميقاتي؛ فالسعوديون لم يجروا أي اتصالات مع الحكومة التي تشكلت منذ أكثر من شهر، حتى قبل الخلاف الدبلوماسي الأخير.
السعودية تقاطع حكومة ميقاتي
كما واصل حديثه قائلاً: "لم يكُن هناك حوار (مع السعودية) قبل مشكلة الوزير قرداحي. السفير السعودي هنا لم يتعاط معنا قط.. السفير السعودي كان هنا وكان يتعاطى مع الكثير من الساسة اللبنانيين، لكنه لم يتعاطَ معنا. ونحن نريد للسعودية أن تبقى هنا، وطبعاً تضايقنا أنه لا يتكلم معنا، لكن هذا لا يعني أننا سنتخذ أي إجراءات؛ فإذا لم يقوموا بأي اتصال في السابق فكيف تريدون أن يقوموا بالاتصال اليوم. هم يرفضون الاتصال بأي مسؤول بالحكومة".
في حين نوّه إلى أن ميقاتي كان "يتمنى أن يجتمع مع الوزير السعودي (في مؤتمر المناخ في غلاسكو)، لكن لا أظن أن السعوديين مستعدون لذلك. أنا كنت قد التقيت في بلغراد بالوزير السعودي وسلمنا على بعض، ولكن رفض أن نجلس مع بعض. هذه كانت قبل الوزير جورج قرداحي".
بو حبيب استطرد قائلاً: "في السعودية يوجد ربع مليون لبناني أو أكثر يعتاشون من هناك ويعتاش أهلهم منهم أيضاً، فنحن نقدّر هذا ونثّمنه كثيراً".
اعتذار الحكومة غير وارد
بينما أشار إلى أن "اعتذار الحكومة غير وارد، لأن الحكومة لم تغلط، والذي حكاه الوزير قرداحي كان قبل الحكومة، هل كنا مطلعون عليه؟، طبعاً لا".
رغم أن قرداحي رفض الاستقالة، لكن بو حبيب قال إنه من غير الواضح ما إذا كانت استقالته ستحل الخلاف مع السعودية في هذه المرحلة، في حين أنها قد تكون كافية للآخرين في الخليج.
الوساطة الوحيدة المطروحة
يشار إلى أن الوساطة الوحيدة المطروحة على بساط البحث للتوصل إلى حل جاءت من قطر التي التقى أميرها مع ميقاتي في غلاسكو على هامش اجتماع قمة المناخ يوم الإثنين 1 نوفمبر/تشرين الثاني.
في هذا الإطار، قال بو حبيب: "هناك إمكانية مبادرة من قطر"، إلا أنه أشار إلى أنها في مراحلها الأولية "لأن أمير قطر تحدث مع رئيس حكومة لبنان، لكن لم يتحدث مع السعوديين بعد".
كذلك أضاف: "يوجد مساعٍ ومساعدة من الأمريكيين والفرنسيين، ولكن لا توجد مبادرة أخرى غير المبادرة القطرية".
كانت وزارة الخارجية القطرية قد ندَّدت بتصريحات قرداحي، لكنها لم تعلن عن أي تحرك دبلوماسي بعد الأزمة.
فيما أردف: "أمير قطر الذي استطاع حل النزاع الذي دام ثلاث سنوات بين قطر والسعودية وثلاث دول عربية أخرى في وقت سابق من هذا العام يستطيع أن يقوم بالوساطة بين لبنان والمملكة لسببين، أولاً هم واجهوا ذات المشكلة مع المملكة، وثانياً هم الآن أصدقاء.. يعرف تجربة لبنان ومن أكثر الدول التي يهمها لبنان ويعرف أيضاً المملكة.. إن شاء الله يقوم بهكذا مسعى، وإن شاء الله ينجح ونحن سنعطيه كل ما نستطيع لكي ينجح بمهمته".
جدير بالذكر أن حكومة ميقاتي، التي تشكلت بعد أكثر من عام من الجمود السياسي الذي زاد من التدهور المالي للبلاد، تحاول إحياء المحادثات مع صندوق النقد الدولي للإفراج عن الأموال الخارجية التي تشتد الحاجة إليها.
لكن إلى جانب الشلل السياسي الناجم عن خلافات داخلية تتعلق بالتحقيق في انفجار مرفأ بيروت، قال بو حبيب إن هذه الأزمة الدبلوماسية الأخيرة قد أعاقت عمل الحكومة، مضيفاً: "بالطبع تأثرنا. لقد تأثرنا كثيراً وليس قليلاً".
تصريحات قرداحي
كان قرداحي قد قال في مقابلة متلفزة، سُجلت في أغسطس/آب وبُثت في 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضيين، إن الحوثيين في اليمن "يدافعون عن أنفسهم ضد اعتداءات السعودية والإمارات"، وذلك قبل تعيينه وزيراً في سبتمبر/أيلول الماضي.
تلك التصريحات أثارت أزمة دبلوماسية عاصفة بين دول خليجية ولبنان، وسط مساعٍ ومحاولة للوساطة من أجل إنهاء تلك الأزمة.
فخلال الأيام القليلة الماضية، أعلنت السعودية والإمارات والبحرين والكويت واليمن سحب سفرائها من بيروت، احتجاجاً على تصريحات قرداحي بشأن الحرب المتواصلة في اليمن منذ نحو 7 سنوات.
تاريخياً، كانت تسود علاقات مميزة بين الرياض وبيروت، لكنها باتت تشهد توترات بين حين وآخر، أحدثها في مايو/أيار الماضي، عقب تصريحات لوزير الخارجية اللبناني آنذاك، شربل وهبة، قال فيها إن "دول الخليج دعمت صعود تنظيم داعش الإرهابي في المنطقة".
جدير بالذكر أن اليمن يشهد حرباً منذ عام 2015، أودت بحياة أكثر من 233 ألف شخص، وبات 80% من السكان، البالغ عددهم نحو 30 مليون نسمة، يعتمدون على الدعم والمساعدات، في أسوأ أزمة إنسانية بالعالم، وفق الأمم المتحدة.
لهذا النزاع المتواصل امتدادات إقليمية منذ مارس/آذار 2015، إذ ينفذ تحالف بقيادة الجارة السعودية عمليات عسكرية دعماً للقوات الحكومية، في مواجهة الحوثيين المدعومين من إيران، والمسيطرين على عدة محافظات، بينها العاصمة صنعاء.