مازال حزب العدالة والتنمية المغربي يعيش أزمة تنظيم داخلي ممتدة منذ الانتخابات الماضية، التي مُني فيها بهزيمة مدوية، ذيّلته أسفل ترتيب الأحزاب السياسية، فتحوّل من قائدٍ للائتلاف الحكومي إلى حزب لا يستطيع حتى تشكيل فريقٍ برلماني.
ورغم أن الأمانة العامة للحزب، باعتبارها هيئة القيادة، استقالت من مهمّتها اعترافاً منها بالفشل في تدبير المرحلة، فإنها مازالت تخلق الجدل بسبب قراراتٍ اتخذتها في الوقت بدل الضائع من ولايتها.
ومن بين الأمور التي قررتها الأمانة العامة وطرحتها للتصويت، قضية تحديد موعد المؤتمر العادي لحزب العدالة والتنمية، بعد سنة من إجراء المؤتمر الاستثنائي، هذا الأخير الذي سيشهد ولادة أمانة عامة جديدة ستقود الحزب في المرحلة المقبلة.
وسيختار أعضاء المجلس الوطني في المؤتمر الاستثنائي قيادة جديدة لحزبهم بعد استقالة القيادة الحالية، بسبب إخفاقاتها في تدبير المرحلة، في الوقت الذي كان فيه المؤتمر العادي هو الذي يُسفر عن انتخاب القيادة.
تحديد موعد المؤتمر العادي يعني إعطاء الأمانة العامة الجديدة مهلة سنة واحدة لقيادة الحزب، الأمر الذي يعتبره المعارضون للقرار "حدَّ من صلاحيات القيادة الجديدة في القدرة على إصلاح الأعطاب التي تسببت فيها القيادة القديمة المستقيلة، آخرها هزيمة الانتخابات".
معارضة القيادة
تحديد مدة سنة للقيادة المنتظر انتخابها في المؤتمر الاستثنائي العادي أثارت الجدل داخل صفوف أعضاء الحزب، الذي كان قبل أسابيع فقط الحزب الأهم في المغرب، قبل أن يتقهقر ويندحر في الانتخابات الماضية.
تحديد مدة سنة تعني للمعارضين الحد من صلاحيات القيادة الجديدة في إصلاح ما تم إفساده خلال السنوات الخمس الأخيرة، التي غاب فيها بن كيران عن الرقعة التنظيمية للحزب، واكتفى بالمتابعة والانتقاد.
أمينة ماء العينين، عضو المجلس الوطني وبرلمانية سابقة في حزب العدالة والتنمية تُعتبر من أشد المدافعين عن "الطرح البنكيراني" داخل الحزب، كما أنها ضد حصر ولاية الأمانة العامة المقبلة في سنة واحدة فقط، وهي المدة بين المؤتمر العادي والمؤتمر الاستثنائي.
أمينة ماء العينين كتبت تدوينة مفصلة على حسابها في فيسبوك، تحدثت فيها عن إخفاقات الأمانة العامة الحالية في تدبير المرحلة السابقة، وعبرت بشكل مباشر عن معارضتها للقرارات التي تتخذها الأمانة العامة الحالية، ويتم تمريرها بتصويت أعضاء برلمان الحزب.
ماء العينين كتبت أن ما يحصل "أمر مستنكر ويستبطن الكثير من الأنانية وقلة الرجولة، في وقت يحتاج فيه حزب يحتضر إلى كل ذوي النيات الحسنة من بناته وأبنائه المخلصين".
وتساءلت عضو برلمان العدالة والتنمية: هل يُقبل عقلاً وأخلاقاً أن تُرهن قيادة مستقيلة اعترفت بمسؤوليتها عن خراب الحزب، (ترهن) قيادة لم تنتخب بعد لتدبير المرحلة المقبلة؟ وإذا كانت القيادة المستقيلة تمتلك كل تلك الرؤية والحماس الذي عبرت عنه في المجلس الوطني، فلماذا لم "تكمل أجرها" وتُعد لمؤتمر عادي؟ ثم ما معنى استقالة قيادة مازالت تدبر بكل ثقلها، بل وتضغط لفرض منظورها لتدبير المرحلة المقبلة؟
وأشارت ماء العينين إلى أنه قد يكون المؤتمر الاستثنائي آخر فرصة للحزب إما لمباشرة محاولة الإنقاذ وتجميع شتات المناضلات والمناضلين، وإما لدفن حزب حقيقي كان يسمى "حزب العدالة والتنمية"، وفي كل الحالات، لم تعد نتائج 8 سبتمبر/أيلول فقط من يجب نعتها بغير المفهومة، وإنما هناك أمور تجري في الحزب صار واضحاً أنها غير مفهومة.
أمينة ماء العينين ليست الوحيدة التي تُعارض ما تقوم به القيادة "المستقيلة وغير المستقيلة في نفس الوقت"، بل عدد من رموز الحزب عبروا عن مواقفهم من تشبث القيادة الحالية بالتسيير رغم استقالتها.
حسن حمورو، أحد رموز حزب العدالة والتنمية، وعضو مجلسه الوطني، أعلن من خلال تدوينة على حسابه في فيسبوك أنه لجأ للقضاء لطلبه إلغاء مشروع قرار قدمته الأمانة العامة المستقيلة، يقضي بتأجيل ما يسمى المؤتمر الاستثنائي لبعد سنة.
من جهته، يرى المحلل السياسي الدكتور بلال التليدي، أنه "وقع ارتباك كبير في الجواب التنظيمي الذي قدمته القيادة عقب الانتكاسة الانتخابية، فهذه القيادة قدمت استقالتها ودعت إلى مجلس وطني من أجل الاتفاق على موعد لعقد المؤتمر الاستثنائي للحزب، وكان المفترض أن تكون هذه الاستقالة سياسية وتنظيمية حتى تترتب الآثار القانونية عليها ويحال تنظيم الحزب إلى لجنة تحضيرية".
وأضاف المتحدث في تصريح لـ"عربي بوست" أن "القيادة الحالية لم تسمح بترتيب الآثار، أي بدل أن تكون قيادة لتصريف الأعمال بدأت تمارس صلاحياتها المستمرة في التنظيم، الأمر الذي يسمح لها بتقديم مؤتمر بحصر مدة المؤتمر الاستثنائي في سنة واحدة، بحيث ستتحول هذه القيادة إلى مجرد لجنة تحضيرية تتكلف بتنظيم المؤتمر العادي".
واعتبر المتحدث أن "التعليلات التي طرحتها القيادة الحالية مرتبطة بالانسجام مع القانون التنظيمي للأحزاب، والأمر الثاني التخوف من عدم استحقاق الأمر المالي من الدولة غير مقنع"، مضيفاً أن "هذا الأمر فيه نقاش قانوني كبير، فالقانون التنظيمي للأحزاب لا يميز بين المؤتمر الاستثنائي والمؤتمر العادي، وبالتالي هذا الإشكال المالي يتم الدفع به حتى يتم سد الطريق على الأستاذ عبد الإله بن كيران حتى يعود أميناً عاماً للحزب".
دعم القيادة
وفي الوقت الذي يعارض فيه عدد كبير من أعضاء العدالة والتنمية قرار القيادة الحالية، هناك توجه آخر يدافع عن اختيارات القيادة، ويراها صائبة خلال هذه الفترة الاستثنائية التي يمر منها الحزب.
محمد خوجة، عضو المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية (برلمان الحزب)، قال في تصريح لـ"عربي بوست"، إن "تحديد موعد المؤتمر العادي بعد سنة من وجهة نظري عادي، على اعتبار أن الأمانة العامة التي سيفرزها المؤتمر الاستثنائي مهمتها الأساسية تنحصر في الإعداد للمؤتمر العادي وتهيء شروط إفراز قيادة جديدة".
وأضاف المتحدث أن "تحديد موعد المؤتمر العادي بعد سنة من موعده المقرر مرتبط باستقالة الأمانة العامة قبل موعد المؤتمر العادي، ودعوتها لمؤتمر استثنائي، بطبيعة الحال نتيجة لما حصل عليه الحزب في الاستحقاقات الأخيرة والتي تعتبر نتيجة لتدبيرها للمرحلة (عوامل ذاتية)، وكذا عوامل خارجية كتحالف مركب المال والفساد".
وقال المتحدث: "بلا شك نحن إزاء أزمة حقيقية وغير مسبوقة في تاريخ الحزب، لأن أزماتنا السابقة كانت تأثيرات خارجية توحدنا لمواجهتها وأرجأنا تناقضاتنا الداخلية، أما اليوم فالعكس هو الحاصل، لأن قياداتنا وصلت لمرحلة اللاعودة في قطع صلاتها بالمناضلين من جهة ومع عموم المواطنين".
بن كيران.. الشخصية الجامعة
كل القرارات التي تصدرها القيادة الحالية لحزب العدالة والتنمية تسعى بطريقة أو بأخرى لسد الطريق على عودة عبد الإله بن كيران إلى قيادة الحزب الإسلامي الأول في المغرب.
واتخذ بن كيران بدوره موقفاً من مشروع قرار قدمته الأمانة العامة المستقيلة، يقضي بتأجيل ما يسمى المؤتمر الوطني العادي، وعقده في أجل سنة واحدة، والذي قال إنه لن يترشح إذا ما تم التصويت على هذا القرار في المؤتمر الاستثنائي المقبل.
واعتبر بن كيران أنه غير معني بترشيحه لقيادة الحزب في مؤتمره الوطني الاستثنائي، في حال المصادقة على تحديد أجل سنة لعقد مؤتمره الوطني العادي.
وقال بن كيران، في بيان عبر صفحته بـ"فيسبوك: "بعد اطلاعي على مصادقة المجلس الوطني للحزب (برلمان الحزب) على مقترح الأمانة العامة المستقيلة بتجديد أجل سنة لعقد المؤتمر الوطني العادي، أعتبر نفسي غير معني بأي ترشيح لي إن صادق المؤتمر الاستثنائي على هذا المقترح".
وفي 30 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، سيصوّت المؤتمر الاستثنائي لـ"العدالة والتنمية" على أنه في حال انتخاب قيادة جديدة للحزب في ذلك اليوم، ستقوده لمدة عام واحد وليس 4 أعوام كالمعتاد. وفي هذه الحالة لن يترشح بن كيران، كما قال في بيانه.
المحلل السياسي بلال التليدي قال في تصريحه لـ"عربي بوست" إن "بن كيران هو الذي يصلح لقيادة الحزب، لأنه لم يشارك في تدبير المرحلة الماضية، وكان دائم الانتقاد لها، وحذر أكثر من مرة من الأخطاء السياسية التي ارتكبتها، ومن المواقف التي اتخذتها في عدة قضايا هوياتية ومرجعية سياسية".
واعتبر المتحدث أن "بن كيران هو صاحب الانتصارات الكبيرة التي حققها الحزب، سواء في سنة 2011 أو 2015 أو 2016، فهو جواد رابح، إضافة إلى أنه لم يتلبس بالمرحلة الماضية والذي كان سبباً في النكسة التي تعرض لها الحزب".
فبالإضافة إلى أن ولايته كانت معروفة ومطبوعة بالانتصارات، اعتبر التليدي أن بن كيران كان يمارس نقده بشكل مباشر في جملة المواقف التي لم يكن راضياً عن أدائه، وكل هذه النقاط إيجابية في صالح بن كيران، بالإضافة إلى التذمر الحاصل في الحزب من مسؤولية القيادة الحالية في النكسة الانتخابية في 2021، الأمر الذي جعله الأكثر حظاً لقيادة الحزب في المرحلة المقبلة.
ورغم أنه يوافق توجه القيادة الحالية فإن محمد خوجة، عضو المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية (برلمان الحزب)، يرى أن عبد الإله بن كيران هو الأولى بقيادة المرحلة المقبلة للحزب.
وقال خوجة في تصريح لـ"عربي بوست" إن الأزمة التي يعيشها حزب العدالة والتنمية تحتاج جهداً كبيراً لإرجاع الثقة في الحزب، وتحتاج استثناء عودة عبد الإله بن كيران لإبقاء الحزب موحداً، لأنه ليس هناك ضمانات أن يبقى هناك شيء اسمه حزب العدالة والتنمية بعد المؤتمر الاستثنائي، وهذا الذي لا تريد القيادات التاريخية استيعابه.