أصبح الملايين من اللبنانيين مهدَّدين بأيام طويلة من "الظلام الدامس"؛ وذلك بعد أن لوَّح ما بات يُعرف بـ"مافيا المولدات" بإغراق البلاد في الظلام وقطع الكهرباء، بسبب الأزمة الاقتصادية الكبيرة التي تعصف بالبلاد، والتي أدخلت تجارتهم في حالة من "الكساد"، وذلك وفق ما ذكره تقرير لصحيفة Telegraph البريطانية، الأربعاء 20 أكتوبر/تشرين الأول 2021.
في الفترة الأخيرة، لا شيء يُحافظ على بقاء الأنوار وسط انقطاع التيار الكهربائي المُطوّل بجميع أنحاء البلاد سوى مجموعة من رجال الأعمال المعروفين محلياً باسم "مافيا المولدات". ولسنوات طويلة كان مُلاك مولدات الكهرباء الخاصة يجنون أرباحاً طائلة بفرض رسوم كبيرة مقابل تغطية الفجوة في سوق الكهرباء، لكن مع انهيار الاقتصاد اللبناني، لم تعُد تجارتهم رابحةً كما كانت.
تهديد مباشر
هذا الواقع الجديد دفع زعيم "مافيا المولدات" اليوم إلى التهديد بإغراق لبنان "في ظلام دامس"، إذ قال عبدو سعادة، في مقابلةٍ من شقته ببيروت مع صحيفة Telegraph البريطانية، الإثنين 18 أكتوبر/تشرين الأول: "استعِدوا في غضون يومين: سوف نُسلّم المولدات للحكومة ونخبرهم بأنها مشكلتهم الآن، لا يمكننا الاستمرار".
يعتبر "سعادة" رئيسَ نقابة أصحاب المولدات الخاصة في لبنان، وهي جماعة تضم آلاف رجال الأعمال الذين يُزوِّدون البلد المتوسطي الصغير بغالبية احتياجاته من الطاقة.
بدأ لبنان استخدام المولدات الخاصة للتكيُّف مع حالات انقطاع الكهرباء إبان الحرب الأهلية التي دامت 15 عاماً، وحينها دخل العديد من أبناء النقابة في السوق السوداء للطاقة، حيث قال "سعادة" (60 عاماً): "لقد أتينا لسد فجوةٍ صغيرة في السوق".
لكن يبدو أن تلك الفجوة كانت مربحةً للغاية، لدرجة أن أصحاب المولدات استمروا في العمل وسط سوقٍ رمادي غير منظَّمة إلى حدٍّ كبير منذ نهاية الصراع عام 1990، ورغم أن مؤسسة كهرباء لبنان الحكومية هي الوحيدة المرخص لها قانوناً بأن تزود البلاد بالطاقة، لكنها لطالما كانت عاجزةً عن توفير احتياجات البلاد من الكهرباء على مدار الساعة.
الأزمة غيَّرت كل شيء
بدخول لبنان في أزمةٍ اقتصادية طاحنة عام 2019، تجاوز الدين القومي حاجز 170% من إجمالي الناتج المحلي، في واحدٍ من أعلى المعدلات العالمية.
ومع تعمُّق الأزمة، تراجعت احتياطيات النقد الأجنبي واضطرت الحكومة إلى تقليل كمِّ الوقود الذي كانت تستورده لصالح مؤسسة كهرباء لبنان.
وفي وقتٍ مبكّر من الشهر الجاري، توقفت اثنتان من أكبر محطات الطاقة في البلاد عن العمل بالكامل لعدة أيام، لتتحول بيروت، التي كانت في وقتٍ من الأوقات مدينةً متلألئة تُضيء كشافات النوادي الليلية سماءها، إلى مكانٍ كئيب بلا مصابيح في الشوارع وبلا إشارات مرور معظم الوقت.
قبل أن تبدأ حالات انقطاع التيار تمتد لأيام، بعد أن كانت تستمر في المعتاد لساعتين فقط، مما أجبر أصحاب المولدات على توفير الطاقة أكثر من الحكومة.
إذ قال "سعادة": "لقد تبادلنا الأدوار مع الحكومة".
رغم أن أصحاب المولدات كانوا يجنون في السابق ثروات شهرية طائلة تتجاوز 30%، فإن "تلك الأيام قد ولّت"، بحسب "سعادة".
فخلال الأشهر الأخيرة ألغت الحكومة الدعم تدريجياً عن الوقود، مما يعني أن أسعار الديزل ارتفعت الآن بعشرة أضعاف عما كانت عليه قبل الأزمة. كما أن المولدات، التي ليست مصممة للعمل على مدار 22 ساعة يومياً، تجب صيانتها باستخدام قطع غيار مستوردة يتم شراؤها بالدولار.
في حين يدفع العملاء مقابل الكهرباء بالعملة المحلية، التي فقدت أكثر من 90% من قيمتها مقابل الدولار.
الكهرباء لم تعُد أولوية بالنسبة للبنانيين
رغم أن مولدات الكهرباء الخاصة غير قانونية نظرياً، فإن الحكومة تعترف بدورها عن طريق تحديد التعريفات الشهرية، ورغم زيادة أسعار الاشتراكات بعشرة أضعاف منذ بداية العام، فإن "سعادة" يقول إن تلك الزيادات ليست كافية.
حيث أوضح: "إذا استمر الوضع على ما هو عليه، فلن يقدر 80% من أصحاب المولدات على مواصلة تقديم خدماتهم. نحن على طريق الظلام الدامس"، ودعا الحكومة المفلسة فعلياً إلى إعادة الدعم للوقود.
لكن العديد من اللبنانيين لا يشعرون بالتعاطف مع "سعادة".
فبالنسبة للبنانيين الذين يُكافحون من أجل توفير الطعام، بالتزامن مع التهام التضخم لقيمة أجورهم؛ تحوّلت الكهرباء إلى رفاهيةٍ لا يمكن تحمُّل تكلفتها.
إذ قال خضر الأخضر (35 عاماً)، رجل المبيعات: "إذا حاولت التفاوض على الأسعار مع أصحاب المولدات، فسيقولون لك: اقبل السعر أو ارفضه. ويتصرفون مثل العصابات. ولا يتنافسون مع بعضهم البعض، إنهم مثل أي كارتل احتكاري حرفياً".
ويُقر "سعادة" بأن "الناس يتألمون ويصرخون" عند تسلُّم فواتير المولدات الشهرية، لكنه يُصر على لوم الحكومة: "إنها مسؤوليتهم وليست مسؤوليتنا".